مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يواصل اجتماعته لليوم الثاني    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة وفقاً للمعايير الدولية    «القاهرة للدراسات» توضح آثار قرار بورصة موسكو بإلغاء التداول بالدولار واليورو اعتبارًا من اليوم    خبير اقتصادي يتوقع خفض الفايدة 2% في اجتماع لجنة السياسة النقدية سبتمبر القادم    وزير الأمن القومي الإسرائيلي يدعو نتنياهو للرد على إطلاق 200 صاروخ من لبنان    إصابة العشرات خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في أرمينيا    بالصور.. صلاح ونجوم المنتخب في حفل زفاف محمد هاني    بيراميدز يحذر اتحاد الكرة و«النادو» من التجاوز بحق رمضان صبحي    الأرصاد: أجواء شديدة الحرارة.. والقاهرة تسجل 40 درجة في الظل    بسبب خبر بإحدى الصحف.. جزار يتعدى على على شخص ب"سكين" في الجيزة    صدمة قطار.. إصابة شخص أثناء عبور شريط السكة الحديد فى أسوان    حظك اليوم| برج الأسد 13 يونيو.. « وقتًا مثاليًا لعرض مواهبك وأخذ زمام المبادرة»    .. وشهد شاهد من أهلها «الشيخ الغزالي»    عيد الأضحى 2024.. ما المستحب للمضحي فعله عند التضحية    فلسطين تعرب عن تعازيها ومواساتها لدولة الكويت الشقيقة في ضحايا حريق المنقف    اعتقال شخصين في السويد على خلفية إطلاق نار قرب السفارة الإسرائيلية    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي وسط قطاع غزة    يورو 2024.. هولندا تستدعى جوشوا زيركزي بديلا للاعب أتالانتا    تسليم «أطراف صناعية» لضحايا مخلّفات الحروب    سعر الذهب اليوم في المملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن الخميس 13 يونيو 2024    «إنتوا عايزين إيه».. نجم الأهلي السابق ينفجر غضبًا بسبب حسام حسن    تقرير مغربي: فيفا يصدم الاتحاد المصري بعدم قانونية إيقاف الشيبي    "لا تذاكر للدرجة الثانية" الأهلي يكشف تفاصيل الحضور الجماهيري لمباراة القمة    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    الأهلي: لم يصلنا أي خطابات رسمية بشأن المستحقات المالية لكأس العالم للأندية 2025    محمد كوفي: الجماهير المصرية أصابت بوركينا فاسو بالفزع وهذا تفاصيل حديثى مع صلاح    أحمد لبيب رئيسًا لقطاع التسويق ب«عز العرب»    أخبار × 24 ساعة.. الزراعة: مصر من أكبر مصدرى الفول السودانى للاتحاد الأوروبى    «هيئة القناة» تبحث التعاون مع أستراليا فى «سياحة اليخوت»    مصر في 24 ساعة| حقيقة إلغاء تخفيف الأحمال في عيد الأضحى.. ومفاجأة بقضية سفاح التجمع    «الإدارية العليا» ترفض مجازاة مدير اختصامه جهة عمله.. وتؤكد: «اجتهد ولم يرتكب مخالفات»    المشدد 10 سنوات وغرامة 3 ملايين جنيه ل«مسؤول سابق بالجمارك»    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم : جحيم تحت الشمس ودرجة الحرارة «استثنائية»    «رئيس الأركان» يشهد المرحلة الرئيسية ل«مشروع مراكز القيادة»    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    بعد تصدرها التريند.. تعرف على كلمات أغنية «الطعامة» ل عمرو دياب (تفاصيل)    مدحت صالح يمتع حضور حفل صوت السينما بمجموعة من أغانى الأفلام الكلاسيكية    محمد الباز: هناك خلل في متابعة ما يتعلق بالتغيير الحكومي بالذهنية العامة وليس الإعلام فقط    فرحة وترانيم في الليلة الختامية ل«مولد العذراء»    أطفال من ذوى الهمم يتقمصون دور المرشد السياحي لتوعية زوار المتحف اليونانى الرومانى    حازم عمر: رفضت الانضمام لأي حزب قبل 25 يناير    حماس تكشف موقفها من مقترحات وقف إطلاق النار فى غزة    هيئة الدواء: توفير جميع الخدمات الدوائية خلال العيد.. وخط ساخن للاستفسارات    «الصحة» توضح أعراض وطرق علاج المشكلات النفسية (فيديو)    احذري تخطي هذه المدة.. أفضل طرق تخزين لحم الأضحية    خزين العيد.. أطعمة يجب شرائها قبل يوم الوقفة    وكيل صحة سوهاج يعقد اجتماع لمناقشة خطة التأمين الطبي أثناء العيد    بوتين يثني على "الدور المتنامي" لمجموعة دول البريكس في الشؤون الدولية    صاحبة فيديو جرعة العلاج الكيماوي تكشف تفاصيل الواقعة    الاتصالات: الحوسبة السحابية واحدة من التكنولوجيات الجديدة التي تؤهل للمستقبل    المزاد على لوحة سيارة " أ م ى- 1" المميزة يتخطى 3 ملايين جنيه    مسئول سعودى : خطة متكاملة لسلامة الغذاء والدواء للحجاج    حكم ذبح الأضحية ليلا في أيام التشريق.. «الإفتاء» توضح    هل يجوز للأرملة الخروج من بيتها أثناء عدتها؟ أمين الفتوى يُجيب    انطلقت من أول مؤتمرات الشباب لتتحول إلى منصة وطنية للحوار وبناء القيادات    «عمداء السويس» يكرم دكتور سعيد عبادي لتأسيس طب الجامعة    القوات المسلحة تنظم مراسم تسليم الأطراف التعويضية لعدد من ضحايا الألغام ومخلفات الحروب السابقة    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشوائيات الطبقة الوسطى: زهراء المعادى نموذجا
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 11 - 2015

تناول الرئيس عبدالفتاح السيسى غرق الإسكندرية ومحافظات شمال الدلتا منذ مدة بالحديث عن تردى البنية الأساسية فى المدن نتيجة تفشى العشوائية وتحدث عن بناء ستين ألف وحدة سكنية بالمخالفة للقانون فى محافظة الإسكندرية فى السنتين التاليتين على ثورة يناير 2011، وكيف أن هذه الأبنية المخالفة تمثل ضغطا شديدا على جميع المرافق من كهرباء ومياه وطرق وخدمات عامة، وأن إزالتها صعبة الآن بحكم إيوائها لعائلات سيتعذر إيجاد أماكن بديلة بدون تكلفة مرتفعة.
ولعله يكون من المفيد أن يعلم السيد الرئيس أن البناء المخالف لا يجرى فحسب على الأراضى الزراعية ولا فى الأحياء الفقيرة التى لا يجد سكانها بديلا غيره لحل مشكلة ارتفاع تكلفة المساكن، بل إن البناء العشوائى يجرى فى قلب عدد من أحياء الطبقات المتوسطة بالقاهرة، وإنه يجرى الآن بينما تكتب هذه السطور، وليس فى فترة الفوضى اللاحقة على ثورة يناير، وأن البناء المخالف فى أحياء الطبقة الوسطى كحى المعادى لا يهدف لحل مشكلة فقراء المدن الذين لا يجدون سكنا لائقا لارتفاع أسعار الأراضى بل هو استثمار متكامل الأركان قائم على توفير وحدات سكنية تباع بالملايين دون الحصول على ترخيص وغالبا ما يتم هذا بتواطؤ من سلطات الأحياء، التى لا تجد عذرا فى غض النظر وتحصيل مدفوعات غير رسمية حتى تقع كارثة بين الفينة والأخرى كحال انهيار عمارات مدينة نصر المتكررة أو الحالات شبه الأسبوعية للانهيار فى محافظة كالإسكندرية.
***
إن الحال فى حى المعادى خاصة فى المنطقة الجديدة منه المعروفة باسم زهراء المعادى، ينطوى على مفارقات شديدة العجب للمتابع للشأن اليومى للمحليات؛ ففى مناطق معينة بهذا الحى القديم للطبقات المتوسطة، تسعى الدولة جاهدة لإزالة تعديات السنوات السابقة التى تم فيها التوسع فى البناء على أراضى الدولة أو على الأراضى الزراعية، بينما فى أماكن أخرى تجرى عملية بناء المخالفات الآن على قدم وساق، ولا سبيل لتفسير هذا الفصام لدى الإدارات المحلية إلا طبقا لآليات الاقتصاد غير القانونى حيث ثمة بيزنس نشط ويحتوى استثمارات بملايين الجنيهات يقوم على بناء أدوار مخالفة فى عمارات صادر لها تراخيص بأربعة أدوار فتتم إضافة دور أو دورين مخالفين دون رخصة، ودون إمكانية توفيق الأوضاع طبقا لقانون البناء الموحد، ووسط تجاهل تام من السلطات المحلية لحين الانتهاء من البناء، وبيع الوحدات بأسعار تجاوز سبعة آلاف جنيه للمتر.
***
إن الاقتصاد غير الرسمى بكل التكاليف التى يكبدها للدولة وللمجتمع لا يقع فحسب فى أطراف المدن الكبرى، حيث ينتشر المهاجرون الفقراء الآتون من الريف، ولا ينحصر فحسب فى التهريب أو التجارة غير الرسمية بل إنه يشتمل كذلك على أنماط راسخة ومربحة للغاية من الاستثمار، العقارى خاصة، والذى يقوم على الاستثمار فى مخالفة القانون، وتحمل مخاطر هذا، مع السعى لجعلها محدودة غالبا عن طريق دفع مبالغ لممثلى أجهزة الدولة بشكل غير رسمى، وهو ما يجرى اعتباره عمليا كرخصة فعلية تحيد أجهزة تنفيذ القانون، وذلك لحين فرض الأمر الواقع ببيع الوحدات السكنية بأسعار مناطق الطبقة الوسطى، نظرا لما تتمتع به من مرافق وخدمات عامة غالبا ما يتم توصيلها بذات الطرق غير القانونية وغير الرسمية، وعند إيواء عشوائيات الطبقة المتوسطة هذه للسكان، ومع تراخى وارتخاء أجهزة الدولة المحلية ترتفع التكلفة الاجتماعية لإصلاح الأوضاع، وتتحول الأنشطة غير الرسمية هذه إلى أنشطة شبه رسمية، تحظى بحق الوجود وربما التمدد والتوسع رغم عدم حصولها على أى اعتراف قانونى من الدولة.
إن الدولة هنا ترعى فعليا الاستثمار والسكن غير الرسميين، وربما تستفيد منه سواء رسميا بتحصيل المخالفات والغرامات – دون تصحيح الأوضاع وتنفيذ قرارات الإزالة – أو بشكل غير رسمى من خلال تربيح موظفى الإدارات المختصة بالمتابعة والمراقبة، ومن هنا أمكن القول أن ثمة مصلحة اقتصادية مباشرة فى الاستثمار فى ضعف مؤسسات الدولة وفى إدامة وضع الدولة الرخوة فى مصر، وتتشارك تلك المصلحة بين أطراف داخل أجهزة الدولة ذاتها وبين الوسطاء والمنتفعين الذين يحققون أرباحا طائلة – ويقومون بتربيح غيرهم – بالطبع على حساب الجمهور العام الذى يملك تحريك أجهزة الدولة للدفاع عن صالحه، وعلى حساب الدولة التى تعود قيادتها بعدها بشهور أو بسنوات لتشكو من استشراء الفساد عند انهيار العمارات على رؤوس ساكنيها أو عند غرق العاصمة الثانية للبلاد فى مواجهة نوة شتوية معتادة.
***
إن اقتصاديات الفساد التى نمت وانتشرت فى عهد مبارك قد خلقت هذا الوضع الراهن، والذى يمثل عبئا اليوم على كل قيادة سياسية تحاول إعادة بناء السلطة فى مصر، لقد تمكن مبارك ونظامه من التعايش والاستثمار حقيقة فى ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على صياغة أو تطبيق أى سياسات عامة متسقة، ولكن بلغ السيل الزبى فى لحظة ما، ولم يعد الأمر قابلا للاستمرار، وهو ما نعايشه اليوم تحديدا إذ أن الإبقاء على أداء الدولة الضعيفة المهترئة هذه قد أصبح منافيا لأى فرصة للإنجاز الاقتصادى أو لبناء شرعية سلطة الدولة أو لتحقيق العدالة الاجتماعية بل حتى لتحقيق الحدود الدنيا للغاية من سيطرة الدولة على المجال العام وقدرتها على إدارته.
ولعل البديل فى المستقبل لن يكون بقاء الدولة على حالة من الضعف والشلل وتفشى اللارسمية بل سيكون قبول الدولة تفكيك نفسها لصالح اقتصاد غير رسمى لم يعد فحسب هامشيا أو على الأطراف بل هو زاحف إلى قلب الممارسات الاقتصادية كافة، وحينها سيكون علينا الاعتراف بانطباق أوصاف الدولة الفاشلة على مصر كونها كيان إدارى شديد الضخامة ولكنه شديد العجز بنفس الدرجة، وحينها لن تكون هناك مساحة لاستغراب تساقط الطائرات وانهيار الأبنية السكنية كجزء من روتين الحياة اليومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.