أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    «كتل هوائية أوروبية تضرب البلاد».. «الأرصاد» تكشف مفاجأة في طقس الغد    استعد للتوقيت الصيفي.. طريقة تعديل الوقت في أجهزة الأندرويد والآيفون    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    حفل افتتاح الإسكندرية للفيلم القصير يحتفي بالدورة العاشرة للفيلم القصير    نادية الجندي وفيفي عبده وسوسن بدر ضمن حضور حفل ذكرى تحرير سيناء    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    غدًا.. قطع المياه عن نجع حمادي لمدة 12 ساعة    وزير الصناعة الإيطالي: نرحب بتقديم خبراتنا لمصر في تطوير الشركات المتوسطة والصغيرة    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    هل تحتسب صلاة الجماعة لمن أدرك التشهد الأخير؟ اعرف آراء الفقهاء    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    التجهيزات النهائية لتشغيل 5 محطات جديدة في الخط الثالث للمترو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية: جولة فى المفاهيم والمصطلحات

قد أشرنا سابقا إلى بعض الآراء التى وجهت الانتقاد إلى ما شاب معالجات عملية التنمية من نواحى قصور، وطالبت بتصويب مقارباتها لتدعم مسيرة مجتمع ما بعد الثورة وتمكينه من اختصار الطريق إلى تحقيق أهدافها. ونطرح هنا السؤال الأساسى: ما هو مفهومنا لما نطلق عليه اسم «تنمية» وإلى أى حد يكون المصطلح واضح الدلالة وفق تصور العامة والمختصين؟ ويدعونا الأمر إلى التعرض للمسميات باللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية (الفرنسية) لأنها التى نرجع إليها سواء فى المناقشات العلمية أو فى المداولات العالمية التى قادتها هيئة الأمم المتحدة.
***
كان من الشائع التعبير عن التوسع أو التزايد فى حجم أو قيمة ظاهرة تتغير مع الزمن بالنمو growth، مثلا النمو السكانى ويقاس بمعدل الزيادة (السنوية عادة) فى عدد السكان بالنسبة إلى العدد السابق. وعلى الباحث أن يدرس العوامل التى تسببت فى تلك الزيادة (مواليد، وفيات، هجرة). وعلى المسئولين أن يدرسوا العوامل التى حددت كلا منها، واتخاذ ما يلزم للتأثير على ذلك النمو، وفقا لاختيارات نتمناها. وعندما اتجه الاهتمام إلى دراسة الدخل القومى بدأ الحديث عن معدل نموه، ولتقييم دلالة هذا الأخير، جرت مقارنة المعدلين واستخلاص «معدل نمو دخل الفرد» ولتبين مدى نجاح الاقتصاد القومى فى تحسين أوضاع السكان، باعتبار أن قيمته تؤشر لمدى التحسن فى مستوى معيشة الفرد بوجه عام أى نصيبه من الاستهلاك النهائى. وعندما تعرضت الاقتصادات الصناعية المتقدمة لتقلبات دورية عنيفة خلال عقد الثلاثينات فيما بين الحربين العالميتين وأصيبت اقتصاداتها بكساد كبير دخلت معا فى حروب تجارية لحماية صناعاتها الوطنية وتشغيل طاقاتها المتعطلة. ودعا الاقتصادى البريطانى روبرتسون فى 1938 إلى تحرير التجارة العالمية بدعوى أن «التجارة هى محرك النمو»، وهو ما انتقده فيما بعد الاقتصادى العربى يوسف صايغ بقوله إن الإنتاج هو محرك النمو، أما التجارة فهى العجلة التى تزيد من سرعة دورانه. من جهة أخرى اهتم اقتصاديون آخرون بقضية تعزيز الطلب لتدور عجلة الاقتصاد القومى ويزداد تشغيل الطاقات الإنتاجية المعطلة، وكان فى مقدمتهم لورد كينز الذى استلهم سلوك الفراعنة بناة الأهرام الذين كانوا يفتحون مجالا بمزارعين فى فترة التحاريق فيوفرون لهم فرص عمل والحصول على أجور تساهم فى الطلب على منتجات أنشطة أخرى.
وتبع ذلك تجاوز أسلوب التحليل الاستاتيكى الذى يهتم بقضية تحقيق التوازن بين جانبى العرض والطلب وما يعرف باقتصاديات السوق، واستخلاص السياسات التى تكفل استمرار استقرار السوق، أو انتقاله إلى وضع آخر مستقر. غير أن تقلبات الاقتصادات الصناعية وتوالى الدورات التجارية دعت إلى التعامل مع الظواهر الاقتصادية بصورة ديناميكية، تتعامل مع ما يعبر عنه التحليل الإحصائى فى معالجته التغيرات فى حركة السلاسل الزمنية من التمييز بين تغيرات عارضة وأخرى منتظمة، والتغيرات الدورية وما يسمى الاتجاه العام. وكان الاقتصادى النرويجى الشهير راجنر قريش سباقا فى معالجتها فى إطار اللجوء فى 1933 إلى التحليل الديناميكى بالتمييز بين قضايا الاطراد propagation وقضايا الدفع الخارجى impulse. وحينما اتجه الاهتمام إلى مجال التنمية جرى التمييز بين منهجين: الأول هو النمو growth الذى اهتمت به الدول المتقدمة لمواصلة تقدمها فى أعقاب الحرب، فصيغت نماذج تظهر أن معدل النمو هو محصلة تفاعل ما يوجهه المجتمع من مدخراته إلى الاستثمار فى طاقات جديدة، وإنتاجية هذا الاستثمار وفقا للاعتبارات الفنية التى تحكم الأنشطة التى يتم الاستثمار فيها. والثانى هو مصطلح development الذى تتردد ترجمته إلى تنمية، إلا أن قليلا من التأمل يظهر أن الاختلاف يدعو لتفرقة رباعية لا ثنائية: الأول هو بين النمو (الذاتى growth) كما عرفناه والتقدم development، وبموجبه يجرى التمييز بين دول متقدمة وأخرى متخلفة underdeveloped وهو الأمر الذى أخذت به مداولات هيئة الأمم منذ نشأتها فى 1945 حتى العام 1960. ويتفق هذا ما ساد الفكر الغربى من اهتمام بعملية الارتقاء منذ طرحها علماء التاريخ الطبيعى، وخاصة داروين. وقد استنكر أبناء الدول المنعوتة بالمتخلفة هذا التمييز الذى يلصق بهم صفة فرضها الاستعمار والتبعية. وحينما حاول مواطنو هذه الأخيرة التخلص من تلك الصفة بدأ الفكر يتجه إلى الثنائية المقابلة لثنائية النمو والتقدم بصورة اطرادية، بدأ الحديث عنهما بصورة عمدية. فمقابل النمو التلقائى هناك تنمية عمدية تقتضى تدخلا قويا من خارج البنيان الاقتصادى. ومقابل التقدم الاطرادى هناك تصرف عمدى ينقل الاقتصاد من طور إلى آخر، أى التميز بين تطور وتطوير. ويذكر للكاتب الأمريكى (من أصل نمساوى) جوزيف شمبيتر أنه عزاها التطور إلى فئة رائدة هب المنظمين الذى يحيلون أفكارا جديدة إلى نشاط يجذب لها أموال مدخرين يقومون بالاستثمار فيها. وكان لنا نموذج مبكر فى شخص طلعت حرب حين روج لأنشطة وطنية لم يكن لها ما يوجه إليها الاهتمام فى نطاق الاقتصاد المحلى محدود القدرات الفنية والمالية.
***
غير أن هيئة الأمم المتحدة حينما عنيت بشؤون الدول المتخلفة ومتطلباته من عون دولى، صاغت استراتيجية تنمية للستينات حددت فيها أهدافا لا تراعى خصوصيات كل دولة ولا مدى توفر قدرات ملائمة لمؤسساتها الناشئة. وجاهدت مجموعة عدم الانحياز لاستصدار قرار فى 1974 بنظام دولى جديد يمكنها من السيطرة على مواردها المنهوبة. ومن سوء الحظ أن جاء ذلك فى عقد تعثرت فيه اقتصادات الدول المتقدمة وساد تضخم ركودى ساهم فى رفع التكاليف الاستثمارية وتضييق الأسواق أمام منتجات الدول التى وصفت بأنها نامية (أو فى طريقها للتقدم وفق التعبير الفرنسى). كما جرى انتقاد الاقتصار على استهداف زيادة الإنتاج والاستهلاك، والفشل فى التوفيق بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، مما أفضى إلى تنمية معوجة distorted development سواء فى الدول المتقدمة أو النامية، وعبر ددلى سيرز عن ذلك فى 1970 بكون إهمال قضايا التوزيع أدى إلى عدم تساقط trickle down ثمار التنمية على الفقراء وحدوث تباين شديد فى توزيع الدخل والثروة، واتساع نطاق الفقر المطلق وفق بيان مدير البنك الدولى مكنمارا فى 1972. وعجزت الصناعات المتطورة عن توفير فرص عمل كافية. ويوحى هذا بأن التنمية انحصرت فى طبقة عليا قادرة، وبتكليف من البنك الدولى قاد الاقتصادى تشنرى مجموعة توصلت إلى إمكانية مواصلة النمو إذا اقترن بإعادة توزيع الدخل، وكأن القضية ليست فى مضمون نمو الإنتاج بل فى توزيع عائداته. وطالب البعض بأن يكون النمو من أسفل، دون بيان كيفية انسياب عائداته إلى أعلى. وكان لابد من مراجعة محتوى الإنتاج لا مجرد إعادة توزيع الدخل.
ونشأ تياران: الأول تبنته منظمة العمل الدولية فى 1976 ينادى بتوجيه الإنتاج لإشباع الحاجات الأساسية، التى طور بول ستريتن فى 1981 نطاقها لتشمل متطلبات تطوير الإنسان، وهو ما دفع فيما بعد إلى الاهتمام بالتنمية البشرية. أما الثانى فدعا إلى التنمية بالاعتماد على النفس، وأيدت الأمم المتحدة تعزيز الدعوة إلى الاعتماد الجماعى على النفس. غير أن ما زاد الأمور تعقيدا صعود الفكر النقودى فى السبعينات بقيادة فريدمان وآخرين فى الولايات المتحدة التى كانت السبب فى إيقاف عجلة التنمية فى معظم أرجاء العالم الثالث خلال الثمانينات.
وشيئا فشيئا ثبتت صحة المقولة التى أطلقتها فى 1961 بضرورة التمييز عند تخطيط التنمية من البدء بما يسمى التخطيط الهيكلى الذى يعيد بناء مؤسسات الدولة التنفيذية والمدنية لتصبح قادرة على إحكام عملية التخطيط الوظيفى، والحديث عن تمكينها من توفير متطلبات الكفاءة والكفاية والعدل. وهو ما يعيدنا إلى أهمية الانطلاق من استراتيجية قومية تشكل الشؤون التنموية بمعناها الواسع قاعدة أساسية لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.