«رجال فى الشمس» اسم الرواية الأولى للمبدع الفلسطينى الراحل غسان كنفانى، كتبها عام 1963، وأنتجتها سوريا كفيلم سينمائى عام 1972. الرواية تعرض لتداعيات نكبة 1948 على حياة الفلسطينيين من خلال أربعة نماذج من أجيال مختلفة من اللاجئين هم مزارع الزيتون أبوقيس، والشاب المناضل أسعد، والطالب مروان، والمهرب أبوالخيرزان نموذج القيادة الانتهازية. الأربعة يسعون للهجرة إلى الكويت أملا فى تحسين أحوالهم. يختبئون داخل خزان، ومروا من كل الحدود بسلام حتى وصلوا إلى حدود العراق مع الكويت. موظف عابث فى المعبر أصر على أن يحكى لأبوالخيرزان عن فحولته مع الراقصة كوكب. خلال ذلك كان الفلسطينيون الأربعة يطرقون عبثا على الخزان من الداخل لكن لم يسمعهم أحد، وماتوا اختناقا. هذه الرواية تحولت لاحقا إلى عنوان للعذابات التى تعرض لها الفلسطينيون ولايزالون بفعل الاحتلال الصهيونى الهمجى. لم نستطع كعرب أن نردع الاحتلال الإسرائيلى ونعيد الفلسطينيين إلى وطنهم، ثم صارت لدينا أكثر من فلسطين عربية، فى سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان والصومال. يوم الجمعة الماضى اكتشفنا أن «رجال فى الشمس» تكرر مضمونها تقريبا على الحدود النمساوية المجرية، مع فارق التفاصيل بين حر الخليج وبرودة أوروبا!!. سبعون لاجئا سوريا بينهم ثمانى سيدات وأربعة اطفال ورضيعة استقلوا شاحنة مخصصة لنقل الفراخ قرب حدود النمسا مع المجر. المهربون الثلاثة البلغارى والأفغانى واللبنانى اغلقوا باب الشاحنة على اللاجئين وبعد عبور حدود المجر، اكتشف المهربون وفاة اللاجئين اختناقا فتركوا الشاحنة وهربوا. فى نفس اليوم غرق زورقان قبالة السواحل الليبية على متنهما أكثر من 500 لاجئ معظمهم من سوريا ايضا، كانوا فى طريقهم إلى الشواطئ الأوروبية، وغرق معظم الركاب وتم إنقاذ 198 شخصا، والباقى فى عداد المفقودين. تقديرات المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 310 آلاف مهاجر عبروا البحر المتوسط منذ بداية العام الحالى فقط، 200 ألف مهاجر توجهوا إلى اليونان و110 آلاف لاجئ إلى إيطاليا، وغرق نحو 2500 شخص. وبحسب تقديرات الأممالمتحدة أيضا فإن نحو 1.1 مليون سورى هاجروا إلى لبنان، و600 ألف إلى الأردن، والأخيرة تقول إن عددهم الفعلى 1.4 مليون يشكلون 20٪ من سكانها، فى حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين فى دول الجوار 4 ملايين نسمة. بعد الغزو الأمريكى الهمجى للعراق فى مارس 2003 هاجر ملايين العراقيين من بلدهم، وبعد بدء الحرب الأهلية فى سوريا عام 2011، هام ملايين السوريين على وجوههم بحثا عن مكان آمن، بعضهم وجده فى دول الجوار أو البلدان العربية عموما، وبعضهم جازف بحياته وحياة أسرته بحثا عن الحد الأدنى من الحياة الإنسانية. وكالات الأنباء العالمية تبث يوميا مئات الصور فى الأسابيع الأخيرة عن المآسى التى يقابلها اللاجئون السوريون على الحدود بين البلدان الأوروبية خاصة العابرين من صربيا وألبانيا إلى شرق اوروبا، وهؤلاء من سعداء الحظ الذين نجحوا فى المرور من مهلكة ودوامة البحر المتوسط. رأينا مواطنا سوريا يمرر طفله الرضيع من تحت الأسلاك الشائكة على الحدود الصربية، وآخر يرفعه فوق الأسلاك كى يتلقفه آخر. رأينا صورا كثيرة تحكى بوضوح عن المأساة العربية، حيث يفر المواطنون من الهلاك على يد أنظمة حكمهم القمعية ومن داعش وبقية تجار الإسلام الجدد، إلى بلدان أوروبية يصفها بعضنا بأنها «كافرة»، فى حين أنها أحن على المهاجرين كثيرا من بعض حكامها ومدعى الدين والتدين. المحزن أن غالبية وسائل إعلامنا لا تتعامل مع كل هذه المآسى وكأنها تحدث فى كوكب آخر، ولو تعاملت معها فالأمر يتم على استحياء وفى مساحات صغيرة داخلية. ما يحدث للاجئين العرب فى البحر المتوسط وعلى الحدود الأوروبية، يعنى أننا وصلنا إلى درك من الانحطاط يصعب تصور ما هو أحط منه!!.