«أهم مايميزها ألا شىء يميزها» جاءت هذه العبارة فى وصف «عبير» إحدى شخصيات سلسلة روايات «فانتازيا» للكاتب د.«أحمد خالد توفيق»، لكنها كانت الأنسب فى رأى العديد من النقاد المصريين لوصف ظاهرة الجماعات الأدبية الحديثة. التى ظهرت منذ مايقرب من عشر سنوات، واقتطعت لنفسها مكانا وحضورا داخل الوسط الثقافى، عبر فاعليات متكررة، وأمسيات وندوات واحتفالات، وإصدار بعض الكتب، لكنها أبدا لم تنل اعتراف النقاد، بل إنهم كثيرا ما هاجموها، متحفظين أصلا على مسماها الذى قد يوهم للوهلة الأولى بأنها امتداد للجماعات الأدبية الأقدم والأشهر ك«جاليرى 68» أو «إضاءة 77» أو حتى «نصوص 90» أو «جراد» التى قدمت كتابا. مثلوا فى حينها تيارات إبداعية ونقدية جديدة، بينما لا تتعدى الجماعات الحالية فى رأى النقاد الإطار الشللى، الذى يعد امتدادا لأسر الجامعة التى ينضم إليها مجموعة من كتاب «الخواطر» الأدبية، دون وعى كاف أو أيديولوجيا تعكس هذا الوعى أو تبنى أو تجديد تيار إبداعى أو نقدى يبلور هذا الوعى. فى المقابل يرى هؤلاء الشباب أن ذلك تجن من قبل النقاد الكسالى على مشروعهم، الذى اعتبروه صفعة للتهميش الثقافى المؤسسى، متمسكين بإنجازهم الذى يرون أنه استطاع فرض نفسه على الساحة الثقافية وأحدث حراكا وتجمهرا قد تعجز عنه هذه المؤسسات. بدليل تبنى جهات مستقلة لمشروعاتهم واحتضانها ومحاولة الاستفادة منها كساقية عبدالمنعم الصاوى، ومكتبة البلد، الذى بادر صاحبها بنشر بعض الأعمال الأدبية لبعضهم، وكما يعتزم صاحب البلد إصدار مجلة ثقافية خاصة تكون هذه الجماعات الأدبية فى القلب منها. فى هذا التحقيق يعرض كل من الفريقين رؤيته ووجهة نظره من خلال عدة محاور تحاول تفسير ظاهرة الجماعات الأدبية، ويبقى للزمن وللوسط الثقافى تقييم التجربة. مظاهرات أدبية «لم نر مظاهرات تخرج لتندد بالجماعات الأدبية فأين الدليل على رفض المجتمع إذن؟!، هكذا استنكر القاص «وسيم المغربى» مدير جماعة «إطلالة» الاتهامات المتكررة بغياب الأيديولوجيا، مؤكدا أنهم كجماعة بها من الأعضاء المختلفين فكريا وإبداعيا وثقافيا مايجعلهم غير معنيين بالجانب الأيديولوجى كما أنهم غير معنيين بتصدير «مانفستو» أدبى جامع لتجربتهم لأن الإبداع فى رأيه شىء فردى ذاتى ووجدانى، تختلف حياله تصورات كل من الكتاب. وقال «المغربى» إن جماعتهم قامت بالأساس فى مواجهة سيطرة الكهول فكريا وعمريا على المؤسسة الثقافية بالإسكندرية، بالإضافة إلى مركزية القاهرة التى تصدر بها كل الجرائد وتتجمع بها أغلب المؤسسات الثقافية ويقطنها المبدعون، حتى السكندريين منهم، رغم حضور الإسكندرية فى إبداعهم. وأضاف إن تأسيس جماعتهم قد تزامن مع أفول حركة «أصيل» السكندرية التى كان يقوم عليها الكاتب «حجاج أدول»، لتكون مبادرة أخرى تسهم فى إشعال حراك ثقافى فى مدينة لا تستحق التهميش. لكن «وسيم» اعترف بأن الاحتفالات والفاعليات المتعددة التى تقيمها الجماعات الأدبية فى أغلب الأحيان أكبر من القاعدة الإبداعية التى تحملها وكذلك مستواها الفنى. هذه النقطة أيدها الشاعر «عادل محمد» أحد أعضاء جماعة «مغامير» الذى قال إنه فى بعض الأحيان يكون عرض الجماعات لمواقفها أكبر من الموقف ذاته، لكنه أراد التفريق بين الدعاية والترويج، موضحا أن الثانية هى الأنسب فى حالة الجماعات الأدبية لأنها ضرورة لإعلان الكتاب عن أنفسهم فى ظل وجود آلة إعلامية تهتم بغيرهم من المبدعين. وقال «محمد» الذى انتمى إلى جانب «مغامير» لعدد من الجماعات الأخرى، إن تحفظ النقاد على غياب الأيديولوجيا، وغياب مايسمى بالمشروع النقدى أو التيار ناتج عن تصوراتهم القديمة لفكرة الجماعات ك«جاليرى (68) و(إضاءة 77) وغيرها، التى كانت ظروف نشأتها مغايرا للظرف الحالى. وأضاف أن أهداف ووظائف الجماعات الأدبية الآن مختلفة، حيث يتفق معظمها فى كونه تجمعا لتبادل الخبرات وعرض المواهب، والتكاتف من أجل النشر، والتمرين على الجرأة والاحتكاك من أجل تطوير الأدوات. شللية مثمرة «أحمد عبدالجواد» أحد أعضاء جماعة «آدم» قال إن النقاد الذين يتبارون فى نقد الجماعات الأدبية والهجوم عليها، لم يقرأوا أصلا هذه الجماعات، واكتفوا بوضعها فى سلة واحدة وجلدها. وأضاف أن البيان التأسيسى أو «المانفيستو» كان أول مافعلته جماعته التى لخصت أهدافها فى الانحياز لكل إبداع يحمل شكلا جماليا، يحترم المتلقى ويحترم السياق الاجتماعى والتاريخى للإبداع المقدم، مشيرا إلى بعض مواقفهم من الإسفاف فى مسألة التابوهات، وكذلك بعض الأشكال الأدبية الملغزة كقصيدة النثر التى يقبلونها نصا لكنهم يرفضون مسماها. وأوضح «عبدالجواد» أن مواقفهم المختلفة سواء الضمنية أو المعلنة فى البيان التأسيسى تدحض القول بغياب الأيديولوجيا عن جماعتهم، كما أنها تعد المعيار الذى يتم من خلاله قبول أو رفض انضمام عضو أو آخر إلى الجماعة. واعترض «عبدالجواد» على رفض الشللية فى الأدب، موضحا أنها علاقة إنسانية والأدب فى مجمله تعبير عن لحظة إنسانية، وأنها تختلف تماما عن الشللية المؤسسية المطروحة لأن الأخيرة قائمة على المصلحة والمنافع الشخصية. كما أكد على ضرورة الشكل الكرنفالى لنشاط الجماعات الأدبية، موضحا أنه كان الأساس والأقدم بالنسبة للأدب منذ سوق عكاظ، وأنه وسيلة شباب المبدعين فى الترويج لأنفسهم. خصام ثقافى فى جماعة «إضافة» الأدبية الأمر يختلف كثيرا، حيث إن مؤسسيها مجموعة من الأدباء الأكبر سنا، الذين استطاعوا طرح أنفسهم والاندماج داخل الساحة الثقافية، وإصدار العديد من الكتب الإبداعية والنقدية، حيث يشتغل بعضهم إلى جانب الإبداع الشعرى والقصصى بالنقد كالشعراء «إبراهيم الجهينى» و«أمل جمال» وغيرهما. ووفقا «للجهينى» فإن المحددات الأيديولوجية للجماعة هى رفض التطبيع مع إسرائيل ورفض التعامل مع الجهات الممولة المشبوهة. بينما يتمثل المحدد الثقافى أو الأدبى فى قبول جميع التيارات الإبداعية والتفاعل معها دون تنافر، واستغلال الجهد المبذول فى الصراعات الأدبية الشكلية فى العمل على تطوير الأداء الأدبى وتجويده. وقد أصدرت «إضافة» مايزيد على (18) كتابا أدبيا، بالإضافة إلى الندوات والأمسيات وورش العمل والملتقيات، ماجعل القاص «قاسم مسعد عليوة» يقول إن ما تحدثه إضافة من نشاط يفوق ماتقوم به المؤسسة الثقافية بكل إمكاناتها. ويرى «إبراهيم الجهينى» أن التحفظ على صخب الأنشطة والفاعليات بالجماعات مرده إلى الخصام الذى حدث بين المؤسسة الثقافية وهذه الجماعات التى سحبت البساط من تحت أقدامها. ويشير إلى أن الجماعات لم تكتمل بعد تجربتها حيث لم تتجاوز التسع أو العشر سنوات وبالتالى صعب تقييمها الآن. تيمنا بإضافة قامت مؤخرا بالمنصورة جماعة «المنتدى» الأدبية على يد ثلاثة مؤسسين هم «أشرف عزمى»، «عبدالرحيم عبدالهادى» ونجاتى عبدالقادر، وهى أحدث الجماعات التى تضم مجموعة مختلفة تماما من الكتاب متباينى الاتجاهات دون فكرة جامعة سوى الرغبة فى التحقق والانتشار المحترم على حد وصف «عبدالقادر» حيث يكتب بعضهم الشعر العمودى والبعض الآخر النثر وغيره يكتب الخواطر. مجموعة من الأصدقاء هذه كانت نماذج مختلفة من الجماعات الأدبية التى تعمل الآن فى الساحة الأدبية، أما النقاد فلم يتغير رأيهم حيالهم، فإلى جانب الناقد «أمجد ريان» الذى سبق وأعلن اضمحلال وانتهاء الجماعات الأدبية مستغرقا فى المقارنة بين النماذج الحالية للجماعات والجماعات الأسبق والأشهر. فإن الناقد الشاب «أحمد الصغير» جدد الهجوم الذى سبق وبدأه فى الملتقى الأول لقصيدة النثر على هذه الجماعات، حيث وصف أعضاءها بمجموعة من الأصدقاء المنفصلين عن الواقع الثقافى المصرى، ولا يزالون يكتبون أصواتا تقليدية عالجها الشعراء قبل أربعين عاما. وقال «الصغير» إن هذه الجماعات لا يجمعها أى فكر أو ثقافة أو تيار، وكل مايهمهم أن يكون لهم كتاب دون انشغال بما بعد الكتاب أو قيمة مايحوى هذا الكتاب. أسر جامعية اتفق معه الناقد «عمر شهريار» الذى اعتبرهم مجموعة من الأصدقاء يجمعهم الرغبة فى الظهور والشهرة أكثر من الهم الأدبى أو الرغبة فى الوصول لشكل جمالى محدد، ولا يملك أغلبهم مشروعا إبداعيا حقيقيا، ربما يتوفر ذلك لأفراد قلائل لكن ليس لجماعة. وقال «شهريار» إن الجماعات الأدبية الآن أقرب إلى أسر الجامعة، وأزمتهم الكبرى أنهم لا يمنحون أنفسهم فرصة الاحتكاك والتعايش والاستفادة من الآخرين. لكن ذلك ليس كل المشهد، فإذا كانت المؤسسات الرسمية قد لفظت هذه الجماعات، ومن ورائها النقاد، فإن مؤسسات أخرى قد تبنتهم، ووفرت لهم أماكن الاجتماع وفرص النشر، بل وتستعد لمركزتهم ثقافيا عبر مجلة ثقافية يكونون فى القلب منها. إذ اعتبرهم الناشر «فريد زهران» صاحب دار المحروسة مجموعة من الشباب الموهوب والمتحمس الذى يضحى لنشر أعماله، فبادر هو بتحقيق هذا الحلم من خلال مؤسستيه مكتبة البلد ودار المحروسة للنشر، مشيرا إلى أن رأى النقاد فى أعمال هؤلاء الكتاب ليس هو المحك وإنما ما أحدثوه من حراك ثقافى.