إذا كانت الدولة الوطنية العادلة والقوية التى نبحث عن الانتصار لها، هى نقيض دولة العصف بسيادة القانون، وانتهاكات الحقوق والحريات، ونقيض دولة حكم الفرد، ونقيض دولة «الأسرار الكبرى» التى تغيب الحقائق والمعلومات عن المواطن، وتستخف بمقتضيات الشفافية والمشاركة الشعبية، وتتورط فى الاستعلاء على قواعد مساءلة ومحاسبة شاغلى المنصب العام؛ فإنها أيضا دولة الحياد إزاء تمايزات المواطنات والمواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وهوياتهم الدينية والمناطقية، وتفضيلاتهم وآرائهم فى الحياة الخاصة والمجال العام، وتمايزاتهم المرتبطة بالنوع. وإذا كانت قطاعات شعبية واسعة قد رفضت، من بين أمور أخرى، عصف الرئاسة المنتخبة للدكتور محمد مرسى بمبدأ حياد الدولة وتورطها فى الترويج لخطاب إقصائى بامتياز لم يتردد فى توظيف تمايزات الهوية الدينية والمذهبية وخروجها على القواعد الدستورية والقانونية لتمرير استبعاد شاغلى المنصب العام المختلفين معها وللعبث ببعض مؤسسات وأجهزة الدولة، فإن تراكم المظالم والانتهاكات اليوم باتجاه المختلفين مع منظومة الحكم / السلطة وتعميم هيستيريا التصنيف والتخوين والعقاب الجماعى ورفض جر الخطوط الفاصلة بين المعارضة السلمية وبين ممارسة العنف وحمل السلاح يباعد أيضا يين الدولة وبين الالتزام بمبدأ الحياد ويعيد فى أوساط شعبية غير معدومة الأهمية إحياء الصورة النمطية السلبية عن الدولة «الظالمة» التى تميز ضدهم. هنا تتمثل مسئولية المواطن فى المعارضة السلمية والعلنية لزج منظومة الحكم / السلطة للدولة ومؤسساتها وأجهزتها إلى التخلى عن فريضة الحياد، وفى العمل المستمر للانتصار لحقوق وحريات ضحايا الظلم والتمييز والمطالبة وجبر الضرر عنهم، وفى الضغط من أجل إقرار الدولة لعدالة انتقالية تحاسب على الانتهاكات وممارسات التمييز فى الماضى القريب والحاضر دون معايير مزدوجة أو تجزئة وتضع ضمانات واضحة لعدم تكررها ولعدم تكرر الإفلات من العقاب فى المستقبل. الدولة الوطنية العادلة والقوية هى، أخيرا، دولة تمتنع عن التغول على مبادرات المواطن الطوعية التى تشغل فضاء المجتمع المدنى والقطاع الخاص، وتدرك أن دورها الأساسى بجانب احتكار الاستخدام المشروع للقوة الجبرية لتمكين الناس من الحياة والمجتمع من التعايش السلمى يتمثل فى صناعة الشروط العامة للتقدم وللتنمية المستدامة ومن ثم تحفيز المجتمع المدنى والقطاع الخاص على إنجازهما ودفع البلاد إلى الأمام. هى، إذن، ليست دولة فرض القيود السلطوية على المنظمات غير الحكومية وفاعلى المجتمع المدنى المتنوعين، وليست دولة استتباع القطاع الخاص عبر ثنائيات تأييد الحكم نظير الحماية والعوائد، وبكل تأكيد هى ليست دولة محاباة رؤوس الأموال الكبيرة على حساب أصحاب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة أو التمييز ضد المشاركين فى القطاع الخاص دون ثنائيات التأييد نظير الحماية والعوائد. بل هى دولة تشجع نشاط المجتمع المدنى وتضع قواعد شفافة ونزيهة للمنافسة فى القطاع الخاص، وتكثف جهودها فى ضبط اختلالات اقتصاد السوق عبر آليات وإجراءات العدالة الاجتماعية وفى الارتقاء بمستويات التعليم والرعاية الصحية وشبكات الضمان وفى مكافحة الفقر والعوز والتهميش والبطالة وفى الالتحاق علميا وتكنولوجيا بالبشرية المعاصرة، وفى التطوير والتحديث والإصلاح الهيكلى المتواصل لمؤسساتها وأجهزتها وتحصينها ضد الفساد والبيروقراطية وسوء استغلال المنصب العام هنا الشروط العامة للتقدم وللتنمية المستدامة التى تقع مسئوليتها على الدولة وليس الإعلانات المتواترة عن مشروعات كبرى، وهنا مسئوليتنا فى الضغط السلمى والعلنى على منظومة الحكم / السلطة لكى تتراجع عن تغولها على المواطن والمجتمع وتتحرك بجدية باتجاه الشراكة الحقيقية مع المجتمع المدنى والقطاع الخاص. غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.