أرجو أن تتنبه مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء وجميع الأجهزة الحكومية إلى ظاهرة فى غاية الأهمية والخطورة، وهى أن القلق بشأن الغد والمستقبل يتزايد ونسبة مؤيدى الحكومة تتراجع. لا أتحدث بطبيعة الحال عن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو أنصارهم أو المتعاطفين معهم، فهؤلاء «لن يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب أو أى شهر آخر»، هم يعارضون أى شىء يفعله السيسى والحكومة حتى لو كان فى غاية الإيجابية، ويتفنون فى البحث عن السلبيات فى أى شىء. لا أتحدث أيضا عن معسكر الليبراليين فهؤلاء أيضا مثل الإخوان مع الفارق الكبير بينهم صاروا يعارضون غالبية السياسات الحكومية لأسباب مختلفة، بعضهم يفعل ذلك بطريقة مبدئية محترمة تتفق مع أفكاره، وبعضهم لا يختلف عن الإخوان فى مسألة المعارضة للمعارضة. ما أقصده اليوم هو القلق داخل معسكر 30 يونيو، بل ولدى قطاعات وشخصيات لعبت دورا محوريا فى إزاحة الإخوان وتأييد السيسى. لا أتحدث عن تهيؤات أو تخمينات أو أحاسيس بل عن أشخاص فعليين من لحم ودم. مساء الجمعة كنت أؤدى واجب العزاء فى والدة الأستاذين مصطفى ومحمود بكرى رحمها الله فى مسجد عمر مكرم بميدان التحرير. العزاء كان يعج بمئات الشخصيات العامة من كل الأطياف السياسية. فى السرادق قابلت شخصية عامة مهمة جدا، أيدت وتؤيد الرئيس السيسى بلا تحفظ، وتعارض الإخوان بلا تحفظ. سألته عن أحواله، فقال لى إنه منزعج من الأداء العام وقلق بشأن المستقبل، ويخشى حدوث انتكاسات إذا استمر الأداء بالشكل الراهن، خصوصا فى مجال مكافحة الإرهاب. لم يكن ما قاله لى هذا الرجل الذى أعتقد أنه أكثر من يؤيد السيسى جديدا، فهذه النغمة أسمعها لدى كثيرين فى الأيام الأخيرة. لا ينكر إلا جاحد أو أعمى أن الحكومة والرئيس السيسى حققوا إنجازات على الأرض، خصوصا فى شأن المشروعات الكبرى التى يتم تنفيذها الآن مثل القناة الجديدة وشبكة الطرق ومنظومة الخبز وإصلاح الدعم، لكن فى المقابل هناك قصور سياسى كبير يكاد يجمع عليه غالبية المراقبين للأوضاع الراهنة. الذى تابع حوارات الحكومة مع الأحزاب أصيب بصدمة كبيرة سواء فيما يتعلق بالشكل أو المضمون، فإذا كانت الحكومة قد اصطدمت بغالبية الأحزاب المدنية الكبرى التى وقفت معها فى خندق 30 يونيو فماذا نتوقع أن يكون عليه شكل البرلمان المقبل؟. قضية الحريات وحقوق الإنسان صارت أيضا محل جدل كبير، بعد أن تأخر تنفيذ العديد من الوعود الحكومية بشأن حدوث انفراجة فى هذا الملف، خصوصا إطلاق سراح من تثبت براءته من المقبوض عليهم أو إطلاق سراح المسجونين على ذمة قانون التظاهر. أما المشكلة الكبرى فهى الشعور العام بعدم الأمان بشأن الغد لدى قطاعات اجتماعية واسعة سواء كانوا فقراء ومعدمين، أو حتى من هم يقعون اجتماعيا قبل الطبقة الوسطى مباشرة، هؤلاء لا تشغلهم قضية الحريات كثيرا، لكن يشغلهم أكثر مستوى الأسعار وتدنى الخدمات. مرة أخرى تبذل الحكومة ورئيسها المهندس إبراهيم محلب جهدا كبيرا للغاية فى مجالات عدة، لكنها تحتاج فى الفترة المقبلة إلى تحقيق قصص نجاح صغيرة فى العديد من المجالات خصوصا ما يتعلق بالخدمات العامة واحترام كرامة المواطنين وعودة الأمن الجنائى والاستقرار العام. أسوأ ما يمكن أن يواجه حكومة إبراهيم محلب ليس جماعة الإخوان والإرهابيين، لكن أن يتسرب اليأس إلى نفوس الناس خصوصا أولئك المؤيدين التقليديين للحكومة والرئيس. وإذا حدث ذلك فهو أفضل هدية تقدمها الحكومة لجماعة الإخوان. وإذا صح أن القلق يتزايد فى أوساط العديد من الطبقات الاجتماعية بشأن المستقبل، فعلى الحكومة أن تبدأ القلق، أو أن تبادر إلى إصلاح هذا الخلل أو على الأقل تصحيح الصورة.