يظل الغذاء مرادفا للدواء داعما لدوره حينما يطال الأمر أحد أهم أعضاء الجسم وأكثرها ذكاء: الكبد. يلعب الغذاء دورا مهما فى إعادة التوازن لخلايا الكبد ومعاونتها على التجدد وبناء الأنسجة التى دمرها الداء. لذا كان من الضرورى أن يلقى علم التغذية الطبية الضوء على أطياف الغذاء المختلفة ليختار الكبد منها أصدقاءه ويستبعد أعداءه. •الكبد: السهل الممتنع يعد الكبد المصنع الرئيسى لجسم الإنسان ففيه تتم آلاف العمليات الكيميائية المعقدة بسهولة مذهلة فى تناغم بديع حتى أن محاولة حصرها مازالت تحير العلم الحديث. يختزن الكبد الطاقة فى الجسم فى شكل سكر معقد يطلق عليه اسم الجليكوجين: يطلقه فى الدم بعد تكسيره إلى الصورة الأبسط: سكر الجلوكوز عند الحاجة للطاقة ثم يعيد تحويل الجلوكوز الممتص من الطعام إلى جليكوجين مدخر لوقت الحاجة. لذا إذا ما تعرض الإنسان لإصابة الكبد كتليف لسبب أو لآخر فإن فشله فى إدخار الطاقة أو إطلاقها يعرض الإنسان لما يوصف ب«الدوخة». يفرز الكبد السائل المرارى الذى يساعد على هضم الطعام وامتصاص الفيتامينات التى تذوب فى الدهون (أ، ك، د، ه). يصنع الكبد بروتين الألبيومن المسئول عن بناء وتجديد خلايا الجسم. بعد هضم البروتينات تنطلق منها مركبات الأمونيا السامة ليلتقطها الكبد ليحولها إلى مادة البولينا التى يحملها الدم إلى الكليتين ليتم إفرازها فى البول. تلف خليا الكبد يجعلها عاجزة عن تصنيع الأمونيا التى تتراكم فى الدم لتسبب الغيبوبة الكبدية. يفرز الكبد عناصر تجلط الدم التى إذا فشل فى مهمته هاجم النزيف المفاجئ المريض. للكبد دور مهم فى المناعة ومقاومة الميكروبات إذ يفرز مواد مناعية وخلايا متمركزة فى الكبد لها دور فعال فى دعم مقاومة الإنسان للأمراض. يفرز الكبد 80٪ من الكوليستيرول فى الدم ويقوم بتخزين الحديد الذى يحتاجه الجسم لتكوين خلايا الدم، بينما هو المصدر الوحيد فى البداية لتكوين كريات الدم لدى الأجنة فى رحم الأمهات قبل الولادة. يحافظ الكبد على التوازن الهرمونى للجسم فإذا اختل الميزان تعرض الإنسان لتغيرات خطيرة وفقا لوظيفة الهرمون. يتعامل الكبد مع كل الأدوية التى تتناولها إما بتنشيطها أو إبطال مفعولها لتفادى آثارها الجانبية. إذا تلف الكبد أصبح الإنسان عرضة لمضاعفات عديدة. يقاوم الكبد مفعول السموم وملوثات البيئة والكحوليات لذا فتلف خلايا الكبد معه تنحسر تلك المقاومة. مقابل كل تلك المخاطر تنجم عن تلف خلايا الكبد فإن قدرته على التجدد مذهلة حتى أنه إذا استئصل ثلاثة أرباعه فإن الربع المتبقى يمكنه التجدد ليعود إلى حجمه فى وقت نسبيا قصير! •لماذا نلجأ لصيغة غذائية خاصة بمريض الكبد؟ لا تقل أهمية الغذاء عن الدواء فى علاج أمراض الكبد بل منها ما لا يحتاج للعلاج بالأدوية إلا فى حدود علاج الأعراض كما يجب فى علاج إلتهاب الكبد الفيروسى (أ) أو أمراض الكبد الدهنى. أما فى حالة إلتهاب الكبد الفيروسى ب، سى الحادة أو المزمنة المصحوبة بتليف فإن الدواء والغذاء لا غنى عن أحدهما فهما العلاج الواجب. الصيغة الغذائية الفاعلة التى يجب أن يلجأ إليها مريض الكبد عامة تستهدف: الوقاية من أعراض سوء التغذية الذى غالبا ما تصاحب تلف خلايا الكبد وانحسار قدراتها على أداء وظائفها الحيوية المتعددة خاصة التهاب الكبد المزمن والذى يصاحبه التليف بدرجات مختلفة. دعم خلايا الكبد لاستعادة حيويتها وقدراتها على التجدد وبناء أنسجة جديدة بديلة حتى لا يلم موات الخلايا بانحسار الوظائف الحيوية المهمة التى يقوم بها الكبد. يتعرض مريض الكبد لنوبات من الإسهال الدهنى معها يفقد كل الفيتامينات التى تذوب فى الدهون. لذا يجب تعويض تلك الفيتامينات إلى جانب تزويد المريض بجرعات من فيتامين ج، مجموعة ب المركب، إلى جانب المعادن والأملاح المهمة لتحفيز عمل خلال الكبد مثل الكالسيوم، الماغنسيوم، الزنك والسيلنيوم. • يتم تفصيل نظام غذائى لكل مريض كبد خاصة الحالات المزمنة. يتطور هذا النظام ويتغير وفقا لتطور وتغير حالة المريض فى متابعة مستمرة. يتضمن هذا النظام الغذائى كل العناصر الغذائية الطبيعية التى يمكنها ان تدعم خلايا الكبد كمضادات الأكسدة القوية والتى يطلق عليها «أصدقاء الكبد» ويغيب عنه كل العناصر التى قد تدمر خلايا الكبد وتنال من حيويتها وتعد «أعداء» للكبد والتى تبدأ بالكحوليات مرورا بالدهون الرديئة والملح والأطعمة المحفوظة وسابقة التجهيز. النظام الغذائى الذى يتم تفصيله لكل مريض على حدة لا يخضع فقط لاختيار أنواع الطعام من «الأصدقاء» واستبعاد «الأعداء» بل يخضع أيضا لمعايير الطاقة. يحدد لكل مريض قدرا من السعرات الحرارية التى يعاد تفسيمها بين مصادر الطعام بصورة عامة: الدهون، الكربوهيدرات البروتينات ثم يضاف إليها المكملات الغذائية من فيتامينات ومعادن. • النظام الغذائى لمريض التهاب الكبد الحاد يفضل فى غذاء مريض التهاب الكبد الحاد مع اختلاف الأسباب أن يكون الطعام خفيفا قدر الإمكان موزعا على أربعة أو ستة أكلات صغيرة يتم تحضيرها مسلوقة أو مشوية. عكس الاعتقاد السائد أنه يجب الاعتماد فقط على السكريات خاصة العسل الأبيض والأسود الأمر الذى يؤدى إلى حرمان الجسم من بقية العناصر الغذائية المهمة وزيادة الإحساس بالرغبة فى القىء فإنه يجب تنويع مصادر الغذاء والاهتمام بتناول الماء والعصائر المختلفة. ينصح بتناول القدر اليسير من الدهون الجيدة 40 50 جراما فقط يوميا، مثل زيت الزيتون، الذرة، الكانولا والابتعاد تماما عن الدهون الحيوانية. الامتناع الكامل عن الدهون يجبر الجسم على حرق البروتينات طلبا للطاقة الأمر الذى ينتهى إلى الهزال وضعف العضلات. ينصح دائما بتناول النشويات المركبة كالأرز والبطاطس المسلوقة والبطاطا وأنواع المخبوزات من الحبوب الكاملة والباستا فكلها تضمن توفير الطاقة للجسم فى صورة سكريات معقدة تتكسر لسكريات أبسط فى صورة تضمن ألا يرتفع مستوى السكر فى الدم أو ينخفض بصورة مفاجئة. يمكن للنشويات أن تتراوح بين 50 55٪ من السعرات الحرارية المحسوبة للمريض يوميا. للبروتينات أهمية خاصة فى عملية إعادة بناء الخلايا لذا لمريض الالتهاب الكبدى الحاد أن يتناول 1.5 جرام من البروتين مقابل كل كيلوجرام من وزنه. يجب أن يتناول البروتين من مصادر حيوانية قليلة الدهن أو أخرى نباتية. لحم البتلو، الأرانب، الدجاج دون أى جلد، الأسماك ثم الفول والفاصوليا واللوبيا وعيش الغراب. تناول أنواع الخضروات والفاكهة الطازجة وفقا للرغبة قد يجعل المريض يستغنى عن المكملات الغذائية فى صورة أدوية مصنعة. إذا كانت الرغبة فى القىء مستمرة وكان المريض عازفا عن الطعام يمكن الاستغناء عنها بكل أنواع الفاكهة والخضروات فى صورة عصائر. عصير التفاح والجزر والطماطم والبرتقال والكرفس. إلى جانب ما لا يقل عن 23 لترات من المياه يوميا، تعويضا عن ما يفقده الجسم بالعرق أو استمرار حالة الإسهال. الإفطار وجبة مهمة يبدأ بها المريض يومه. إضافة القليل من اللبن خالى الدسم لطبق من السيريال (كورن فليكس) وبعض قطع الفاكهة وملعقة عسل بعد إفطار مثالى لمريض التهاب الكبد الحاد. • ماذا يأكل مريض التهاب الكبد المزمن مع التليف؟ تعانى نسبة لا تقل عن أربعين بالمائة من مرضى التهاب وتليف الكبد المزمن من أمراض سوء التغذية لسبب أو لآخر نتيجة ما يلحق بخلايا الكبد من ضرر نتيجة للإصابة بالالتهاب المزمن وما يلى ذلك من تليف يفقد ما يصب منها به حيويتها اللازمة لأداء وظائفها المختلفة. تناول السكريات البسيطة مثل الجلوكوز أو سكر الفراكتوز فى المشروبات المحلاة إنما يتحول بسهولة إلى دهون تتراكم فى الكبد وتعد طاقة تمد الجسم بسعرات حرارية عديمة القيمة لذا ينصح بتناول النشويات المقررة فى الأرز والمكرونة والبطاطس والبطاطا والخبز الأسمر. مرضى تليف الكبد غير المتكافئ (المصابون بالاستسقاء وتورم القدمين) يمكنهم تناول البروتينات فى حرص. من أمثلة ذلك اللحم البتلو، الدجاج دون جلد، الأسماك، اللبن والزبادى قليل الدسم، البيض نصف سلق، ومن الخضروات البسلة وغيرها وفقا للرغبة، إضافة للنشويات مع الامتناع عن الملح والتوابل والحمضيات إلى جانب المكملات الغذائية وفقا للاحتياج. • إذا ما بدأت أعراض الغيبوبة الكبدية فى الظهور كالتعثر فى الحديث وثقل اللسان ورعشة اليدين وقلة التركيز فيجب الامتناع تماما عن البروتينات الحيوانية كاللحوم بأنواعها واستبدالها بالبروتينات النباتية كالفول والبسلة وعش الغراب كما يمكن تناول اللبن الزبادى قليل الدسم. البروتين هو حجر الزاوية فى تغذية مريض الكبد خاصة المزمنة منها. الإكثار من البروتين فى مرحلة الكبد غير المتكافئ تزيد من تركيز الأمونيا السامة فى الدم الأمر الذى ينتهى إلى الغيبوبة الكبدية، كما أن الإقلال منه فى حالات الكبد المتكافئة لا يساعد على تعافى الكبد لذا يجب على الطبيب تحديد كميةالبروتين بدقة متناهية. يعانى بعض مرضى التليف من تجمع السوائل فى جدار البطن فيما يوصف بالاستسقاء يحدث ذلك أيضا فى القدمين وأسفل الظهر حينما يرتفع الضغط فى الوريد البابى وينخفض مستوى بروتين الألبيومن فى الدم. فى تلك الأحوال ينبغى عدم استخدام الملح فى الطعام والاستعاضة عنه بقطرات من عصير الليمون أو بعضا من القرفة والزنجبيل أو الكسبرة والكمون وفقا للرغبة يجب أيضا تفادى كل أنواع الطعام المحفوظ واللحوم سابقة التجهيز كاللانشون أو الوجبات السريعة. ينصح أيضا بالإكثار من تناول الأطعمة النباتية قليلة المحتوى من الصوديوم والتى تساعد على إدرار البول مثل الخس والكرفس والهليون. الحديد أحد المعادن التى لا يجب السعى إليها خاصة لمرضى الكبد، نظرا لأنه يختزن فى خلايا الكبد ويساهم فى تحفيز نشاط الفيروسات فيها. لذا ينصح بتجنب كل ما يحتوى على نسب عالية من الحديد من طعام: اللحوم الحمراء، الكبد والكلاوى، البروكلى، السبانخ والعسل الأسود والفواكه المجففة. قائمة طعام مريض الكبد خاصة فى حالات التهاب الكبد المزمن الذى يصاحبه التليف يجب أن يتم التحضير لها بعناية. ان تختار الطعام دائما من القائمة «الصديقة» وان تراعى فيها السعرات الحرارية المسموح بها ومصادرها وفقا لحالة المريض. تتغير تلك القائمة دائما وفقا لما يطرأ على المريض من تحسن أو تراجع. لكن الثابت فيها أنه من الأفضل أن يتناول المريض وجبات صغيرة على مدى النهار، منها واحدة قبل النوم حتى لا يهبط معدل السكر فى الدم فجأة أثناء النوم. الثابت أيضا أن الطعام يفضل أن يتم طهيه على البخار، مسلوقا أو مشويا وأن يظل متوازنا قدر الاستطاعة، يضم النشويات والفيتامينات والمعادن اللازمة، لا يخلو من القدر اليسير من الدهون الجيدة والقدر المحسوب من البروتينات.