فى فجر ال29 من ديسمبر 2013 تلقى الكلب «جاتسبى»، طلقة أثناء دفاعه عن صاحبه، باهر محمد، أثناء القبض عليه بتهمة الانضمام لما أطلق عليه فيما بعد «خلية الماريوت». ورغم مرور أكثر من عام على الحادث إلا أن نباح «جاتسبى» يتعالى كلما اقترب أى غريب من المنزل، وهو ما حدث مع «الشروق» عندما ذهبت لإجراء حوار مع باهر، عقب الإفراج عنه. باهر تحدث عما وصفه ب«نصف الحرية» التى حصل عليها بعد 412 يوما فى السجن، لكونه صحفيا بقناة الجزيرة الإنجليزية، وعن تفاصيل هذه الفترة منذ القبض عليه وحتى الإفراج عنه بضمان محل إقامته مع استمرار القضية فى المحاكم. • منذ متى عملت بالجزيرة؟ - عملت بالجزيرة الإنجليزية مارس 2013، أى قبل 30 يونيو بثلاثة أشهر، ولكننى عملت معها كصحفى حر، وكنت أعمل قبلها فى وكالة يابانية، وغطيت أغلب ثورات الربيع العربى. • كيف كانت سياستها التحريرية خاصة بعد 30 يونيو وفض رابعة؟ - نعمل بمهنية ونأتى بمحللين من جميع الأطراف، ونتناول جميع الأحداث كأى مؤسسة إعلامية، مثل سد النهضة وأزمة القطن المصرى، وكل الأحداث الجارية وقتها وليس فض الاعتصامين فقط. • قيل إنكم استأجرتم جناحين بفندق الماريوت، كمركز إعلامى لخدمة التنظيم؟ - كأى وسيلة أجنبية تبث مباشرة من أماكن الأحداث استأجرنا الجناحين، مثلما كانت جميع المحطات والصحف تستأجر شققا مطلة على ميدان التحرير وقت الاشتباكات، وكل تصاريحنا موجودة وسارية قانونا حتى يوم القبض. ويتابع: «رغم أن المحكمة لديها حرز (هارد ديسك) يحمل المواد المصورة للقناة منذ ثلاث سنوات من قيام الثورة، إلا أنها لم تعرضها وطلبنا من المحكمة إحضار الأخبار التى ادعت النيابة أنها كاذبة، وكنا نتمنى أن يعرضوا الصور والفيديوهات ليروا موضوعية القناة فى عرض الأحداث». • هل تم القبض عليك من الفندق؟ - لم يتم القبض على من الفندق، ولكن من المنزل بعد اقتحام قوات الأمن بالقوة وكسر الباب الحديدى، وإطلاق النار على كلبى الخاص، وعندما سألت عن إذن النيابة قالوا «مش مهم». • أين ذهبت بعدها ؟ - قضيت ليلة فى معسكر الأمن المركزى، وبعدها ليلة أخرى فى معسكر الكيلو 10 ونصف، ثم سجن العقرب لمدة شهرين، ولم أعرف تهمتى وقتها، ولم يحضر معى محام، وعندما أتى المحامى حضر معى مرتين فقط وانقطع بعدها حتى بداية جلسات المحكمة ولم أعرف السبب. *هل وكلت لك الجزيرة الانجليزية المحامى؟ - أهلى من وكلوه، والقناة ساندتهم وكانت على اتصال دائم معهم. • هل تعرضت لمضايقات داخل السجن؟ - لم نتعرض لمضايقات أو تعذيب داخل السجن، ولكن الأوضاع داخل سجن العقرب سيئة للغاية، فكنا ننام على الأرض، وأعطونا بطانيتين فقط، فى شدة البرد، ودرجة حرارة الغرفة 17، ومليئة بالحشرات، فضلا عن صعوبة الزيارات، وعندما كانت تحدث يكون عبر الحاجز الزجاجى. *يقطع الحديث حازم وفيروز صغيرا باهر ذوا الأربعة والثلاثة أعوام تقريبا، قائلا «كنت بزور بابا وهو فى الشغل، بحبك يا باهر»، ليرد الأب «وأنا كمان بحبك يا حازم انت وفيروز»، يكمل بعدها أجواء الزيارة. «يوم الزيارة بالنسبة لى يوم حلو كنت أنتظر أولادى فى لهفة، ولكن بمجرد انتهاء موعدها يصبح الموقف معقدا، فزوجتى تكذب عليهم وتقول لهم إننى فى العمل وهم يريدون الانتظار معى، ويبدأون البكاء فكان الأمر ينتهى بشكل صعب ومؤلم النسبة لى». • هل كان ذلك شكل الزيارة دائما؟ - لا، فى سجن المزرعة وملحق المزرعة كنت أجلس معهم، حيث انتقلت لسجن ملحق المزرعة فى فبراير، لكن سجن المزرعة انتقلت له بعد الحكم يوم 24 يونيو. • وكيف كان يومك داخل السجن؟ - نجلس 23 ساعة فى الزنزانة التى تشبه دورات المياه، دون اصطحاب ساعات لمعرفة الوقت وكان التريض ساعة واحدة فقط فى اليوم بأكمله، وفى سجنى ملحق المزرعة والعقرب دخول ورقة وقلم أمر مستحيل ومحرم بالنسبة لهم، بينما بسجن المزرعة كان مسموحا ب3 كتب فقط، ويتم استبدالها، فضلا عن البيروقراطية فى التعامل من مصلحة السجن معنا، فمثلا فى سجن العقرب الجنائيون عندهم تلفزيونات لكن السياسيين لا. * ما نوعية الكتب التى كنت تقرؤها؟ - توفيق الحكيم كان صاحبى جوه السجن، رائع جدا، وشعرت أننا نحتاج مسرحا فى مصر، ونحتاج بشدة لمواهب تكتب قصصا حلوة عن حياة المصريين وتوصف مشاعرهم بدقة. • هل ستكتب قصتك وما مررت به من أحداث؟ - من الممكن أن أكتب أنا ومحمد فهمى زميلى بالقضية، ولكن لن تكون باللغة العربية. • ما أصعب اللحظات التى مرت عليك داخل السجن؟ - ولادة هارون طفلى الثالث، فعندما علمت بولادته اختلطت مشاعر السعادة بالحزن، فرحت لأن ربى رزقنى بمولود جديد، وحزنت أننى لست بجانب زوجتى، ولم أحمل صغيرى الجديد فور ولادته مثلما فعلت مع حازم وفيروز، فكان واقع الأمر على محزنا جدا. ويتابع بصوت مكتوم: لم أستطع أن أكون أول من يراه على السونار وقت ما كان جنينا، ولم أكن بجانب زوجتى أثناء تعبها فى حملها وأحمل عنها الأولاد الكبار، لم أستطع أن أحملهم وقت دخولها غرفة العمليات. • وكيف كانت حالتك النفسية قبل الحكم؟ - حالتى النفسية قبل الحكم كانت قوية، لأننى متأكد أننا لم نرتكب جرما وأن ما يحدث سينتهى، حيث لا يوجد شىء يديننا من الأساس، والذى صبرنى أن ما يحدث فى سبيل الدفاع عن حرية الصحافة وحرية التعبير، والأمر يستحق تضحيات أكثر من ذلك. • هل توقعت الحكم عليك بالسجن 10 سنوات؟ - لم أضع توقعات خلال فترة سجنى، ومن الخطأ أن أضع توقعات أو أتخيل شيئا سلبيا أو ايجابيا، فكنت أعيش اليوم بيومه، وما زلت متفائلا، فلا يوجد شىء يديننى على أى مستوى. • وبعد صدور الحكم؟ - تضايقت قليلا، صعب على أولادى وزوجتى التى كانت حاملا فى شهرها الثامن وقتها، خفت عليها، وفكرت فى أولادى لو قضيت 10 سنوات بالسجن، فطفلى حازم الذى تركته فى الرابعة من عمره عندما أخرج سيكون فى الرابعة عشرة، ومن كان جنينا فى بطن أمه سيكون عشر سنوات، لكن إيمانى بحرية الصحافة أعطانى القوة لأتحمل فى سبيلها، وما فعلته الجماعة الصحفية من التضامن مع قضيتنا على مستوى العالم أعطانى الأمل أن الأمر سيمر. • هل كانت تصل لكم ردود الأفعال العالمية والمحلية؟ - نعم كانت تصل لنا فى الزيارات وعن طريق المحامين، فالعالم كله دعمنا، بوقفات احتجاجية عند سفارات مصر فى الدول الاجنبية، فضلا عن وقفات من صحفيين فى محطات أجنبية منافسة للجزيرة الانجليزية، وأسعدنى أن صحفيين خارج مصر تحدثوا عن قضيتنا وتحدثوا مع اليابانيين الذين عملت معهم قبل الجزيرة ليعرفونى، على عكس موقف الإعلام المصرى. حزنت من موقف الإعلام المصرى فى تجاهل قضيتنا، وعندما بدأ الحديث عن العفو عن بيتر، بدأ الاهتمام أخيرا، فأحزننى أن أولاد بلدى وزملائى فى المهنة لم يساندونى ولم يفعلوا ما فعله الأجانب، فلميس الحديدى مثلا ذكرتنا فى برنامجها قائلة «بيتر وفهمى والصحفى المصرى ده». • ماذا شعرت بعد الأنباء عن العفو عن بيتر جريستى الاسترالى الجنسية وفهمى الكندى الجنسية، وهل ندمت لكونك مصريا؟ - سعدت جدا لخروج بيتر، وأن فهمى سيستفيد من القانون والجنسية الكندية، ولن أندم على كونى مصريا ولن أسمح أن يعاب فى صديقى محمد فهمى أو يزايد عليه، لكونه تنازل عن جنسيته المصرية مقابل الإفراج، فالتخيير بين حريتك وجنسيتك أمر موجع بشدة، وألتمس له 60 ألف عذر. وأتذكر موقفا عندما ترددت أنباء العفو عن بيتر وفهمى، سألت رئيس مباحث سجن المزرعة هل قرار العفو صحيحا، فأخفى على الحقيقة وأنهم يرحلونه لسجن الأجانب، حتى لا يحزننى، لكونى المصرى الموجود ولم يفرج عنى، وعندما قابلته بعدها شكرته على شعوره وموقفه الإنسانى، فكثير من الموجودين بالسجن تضايقوا لخروج الأجانب فقط آنذاك. • هل كانوا يعاملون الجميع بنفس الروح الطيبة؟ - لا نحن فقط، فعندما تتعامل باحترام ولطف سيتعامل من أمامك بنفس الطريقة. • لو سنحت الفرصة لشراء جنسية أخرى، هل ستشتريها؟ - من الممكن أن أشترى جنسية أخرى، لكننى لن أتنازل عن جنسيتى كمصرى، لأنها فى دمى وأفخر بكونى مصريا، وعلينا أن نفرق بين البلد ومن يحكمونها. • وكيف تعاملت مع الأمر الواقع وقتها؟ - قناعتى أن كل واحد منا سيدافع عن حرية الصحافة من موقعه، فأنا أفضل لى أن أكون فى السجن لخدمة القضية وهم من خارجه، وأسعدنى أن أول تصريحات لهم فور الخروج تحدثوا عن حرية الصحافة. • ألم تيأس تلك المدة كلها ؟ - قناعتى أن ما يحدث قضاء الله وقدره، ولن أيأس من رحمة الله، واتعامل معه على أنه ابتلاء، خاصة أن فى سبيل حرية الصحافة الأمر يستحق، وكيف أيأس ومعى كل هذه المساندة العالمية، فما بالك بالصحفيين الذى لم يعرفهم أحد. • ما تقيمك لحرية الصحافة بعد الثورة؟ - حرية الصحافة محبوسة ما دام هناك صحفيون محبوسون، وأود أن أرسل رسالة من خلال «الشروق» للمصور الصحفى محمود أبوزيد شوكان، الذى يظن أننى أخلى سبيلى لأن هناك مؤسسة إعلامية كبيرة تدافع عنى، «الذى دافع عنى الصحفيون فى العالم كله، وكلنا سندافع عنك وعن كل صحفى محبوس»، فعن طريق الصحفى يصل حق المعرفة للمواطن. • لكن بعض الأنظمة تقف أمام هذا الحق؟ - ليس من شأننا كيف تفكر أو ماذا تفعل هذه الأنظمة، فعلينا الدفاع عن حرية الصحافة، لأنها مهنة نبيلة وجميلة، وسأستمر فى العمل كصحفى، وسأدافع عن كل الصحفيين المحبوسين وسأزور أهاليهم. • أوصف لى شعورك بعد إخلاء سبيلك؟ - إحساس الحرية لا يوصف، أى نعم هى نصف حرية بإخلاء سبيل وليس براءة، ولكننى شعرت بأنى حر، فأثناء وجودى بعربة الترحيلات من قسم قصر النيل وحتى قسم الشيخ زايد كان وقت شروق الشمس الذى لم أشاهده منذ 411 يوما، نظرت وقتها لألوان الشفق بالسماء، وشعرت فعلا وقتها بالحرية الحقيقة، وأن مهما يحدث ومهما طالت الأزمات ستشرق الشمس. • وما أكثر الأشياء التى افتقدتها أثناء السجن؟ - عائلتى، أطفالى الذين استقبلونى على سلالم المنزل وكادوا أن يسقطوا على الدرج من شدة فرحتهم، وأبى الذى ارتميت فى حضنه وبكيت فلم أره من وقت القبض على. • تداول نشطاء على فيس بوك صورة لك مع كلبك فور عودتك للمنزل، ما قصته؟ - جاتسبى كلبى الذى أصبح عنيفا من وقت إطلاق النار عليه من قبل الأمن أثناء القبض على، وتذكرنى أمى بموقف له أثناء سجنى، أنه لم يلعب مع أى الموجودين بالمنزل وعندما نادى ابن عمى اسمى أمامه ظل يبكى، فضلا عن انتظاره زوجتى بعد كل زيارة ليشتم رائحتى منها. • هل ستعاود العمل بالجزيرة، أو العمل فى مصر من الأساس؟ - لم أفكر فى الأمر بعد، وسوف أقرر بعد براءتى الواثق منها بإذن الله، لكن أول خطوة سأفعلها أن أتنزه مع أولادى فى ديزنى لاند، وأذهب للبحر، والأكيد أننى سأكمل فى الصحافة لكننى لم أحسم بعد أن تكون فى مصر أم لا.