لاقت تصريحات مسؤول عسكري أميركي عن رغبة بلاده في شن القوات العراقية عملية بحلول مايو لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم "داعش"، انتقادات عراقية وتشكيك خبراء في إمكان حصول ذلك قريبًا. وتحظى الموصل، كبرى مدن شمال العراق وأولى المناطق التي سقطت في وجه هجوم التنظيم في يونيو، برمزية بالغة في قلب "الخلافة" التي أعلن التنظيم إقامتها في مناطق سيطرته في سورياوالعراق. وشهدت المدينة الظهور العلني الأول ل"الخليفة إبراهيم"، زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وسقطت المدينة في يد التنظيم دون قتال يذكر بعد انهيار قطعات الجيش، وترك الضباط والجنود أسلحتهم الثقيلة ومواقعهم صيدًا سهلاً للجهاديين. وبينما يفرض التنظيم سلطته المطلقة على المدينة، تمكنت قوات البشمركة الكردية مؤخرًا من استعادة بعض المناطق المحيطة بالموصل، وقطع بعض طرق الإمداد، بدعم من غارات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وعلى رغم أن المنسق الأميركي للتحالف الجنرال المتقاعد جون آلن، أعلن في أكتوبر أن بدء عملية الموصل يحتاج إلى نحو عام، كشف مسؤول في القيادة الوسطى للجيش الأميركي الأسبوع الماضي رغبة بلاده في شن القوات العراقية هذه العملية في أبريل أو مايو. وعلل المسؤول هذا المدى الزمني باستباق حلول شهر رمضان في يونيو، وبدء فصل الصيف الشديد الحرارة في العراق، معتبرًا أنه بعد ذلك "ستكون هناك صعوبة في شن الهجوم". ولاقت هذه التصريحات انتقادات وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي. وقال الأخير في مؤتمر صحفي الأحد "المسؤول العسكري من المفترض ألا يكشف عن موعد الهجوم"، معتبرًا الأمر "من أسرار" العسكريين. وجزم أن "معركة الموصل وأي معركة أخرى تبدأ عندما تكتمل المستلزمات ومتطلبات المعركة، واختيار الوقت هذا يعود إلى القادة (العراقيين)"، مضيفًا "أما المسؤول الأميركي فمن أين استقى هذه المعلومات؟ أنا أجهل". وأكد أن الأميركيين "غير مطلعين على الإطلاق على هذا الموضوع". وحذفت تصريحات العبيدي من شريط المؤتمر الذي عرضته وزارة الدفاع العراقية على موقعها الالكتروني وقناتها الرسمية على موقع "يوتيوب". وخلال الأشهر الماضية، حظي العراق بدعم واسع في مواجهة الجهاديين الذين سيطروا على نحو ثلث مساحة البلاد. وينفذ التحالف ضربات جوية ويوفر أسلحة وتدريبًا للجيش العراقي، كما تقدم إيران أسلحة للحكومة، وتدعم الفصائل الشيعية التي تقاتل إلى جانب القوات الرسمية. وفي حين يؤكد مسؤولون عراقيون رغبتهم في استعادة الموصل، يشددون على أن قواتهم ما زالت في حاجة إلى تدريب وتسليح قبل تنفيذ ذلك. ويقول رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي، لوكالة فرانس برس، "نحن بحاجة إلى وقت أكثر.. ربما قبل نهاية العام الحالي"، مضيفًا "الجيش بحاجة إلى تدريب أكثر ومعدات وأسلحة ليستطيع أن يقوم بذلك". يضيف "نعم نحن مع تحرير الموصل ونؤيد تحريرها لكن هناك قواطع مهمة وساخنة تحتاج إلى مسك ونحتاج إلى عدم تشتيت جهد الجيش والدولة"، في إشارة إلى محافظات تشهد معارك مع تنظيم داعش، لا سيما الأنبار (غرب) وصلاح الدين شمال بغداد. وتعد الموصل ثاني كبرى مدن العراق، وتبعد 340 كلم عن العاصمة. وكان تعداد سكانها يقارب مليوني نسمة عندما سيطر عليها التنظيم المتطرف. ويقول نايت رابكين، مدير تحرير نشرة "انسايد ايراكي بوليتيكس" المعنية بالشؤون العراقية، إن معركة الموصل "تحدٍ هائل، وستكون أكبر من أي عملية عسكرية نفذها الجيش العراقي في مرحلة ما بعد (الرئيس السابق) صدام حسين" الذي أسقطه الغزو الأميركي في العام 2003. وعلى سبيل المقارنة، احتاج الجيش الأميركي إلى عشرة آلاف عنصر من مشاة البحرية "المارينز" قبل عشرة أعوام لتطهير الفلوجة (غرب)، التي تعد مدينة صغيرة الحجم إذا ما قورنت بالموصل، من عناصر تنظيم "القاعدة". ورجح المسؤول العسكري الأميركي أن تتطلب معركة الموصل ما بين 20 و25 ألف جندي عراقي، في مواجهة ما بين ألف وألفي عنصر من التنظيم تقدر واشنطن أنهم يمسكون بالمدينة. ويرى مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه "سيكون من الصعب جدًا توفير هذه الأعداد من القوات المسلحة العراقية أو القوات التابعة لوزارة الداخلية، للموصل بحلول صيف 2015". ويتواجد حاليًا في العراق مئات الجنود الأميركيين، غالبيتهم يقدمون استشارات وتدريبًا للقوات العراقية والكردية. كما أرسلت دول أخرى من التحالف، بينها فرنسا وكندا واستراليا، مدربين. إلا أن هذه الدول أكدت أكثر من مرة أن جنودها لن يشاركوا في أي مهمات قتالية. ويرى رابكين، أن أي عملية لاستعادة الموصل "غير ممكنة من دون تعاون بين القوات الكردية والحكومية". وسبق لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أن أكد أن قوات البشمركة مستعدة للمشاركة في هذه المعركة، إلا أنها لن تكون رأس الحربة فيها. وشهدت العلاقات بين بغداد وآربيل تحسنًا منذ تولي رئيس الوزراء حيدر العبادي مسؤولياته الصيف الماضي. إلا أن القضايا الخلافية بين الطرفين لا تزال متعددة، أبرزها تطبيق بنود الاتفاق النفطي الموقع نهاية 2014. وفي ظل هذه التباينات، يرى نايتس أن التصريحات الأميركية ربما كانت أقرب إلى رسالة سياسية مغلفة بإطار عسكري. ويقول "أعتقد أنها تقديم خاطئ للسياسة الأميركية"، معتبرًا أن ما تحاول واشنطن القيام به هو إرجاء العملية بدلاً من التسريع في حدوثها. يضيف "ربما العراقيون يريدون القيام بذلك (عملية الموصل) الأسبوع المقبل، وهذه طريقتنا لنقول لهم أرجئوا الأمر حتى وقت لاحق".