أثار اختيار فيلم «المسافر» للمشاركة فى المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائى الدولى الجدل من جديد حول دور الدولة فى الإنتاج السينمائى، خصوصا أن «المسافر» جاء بعد سنوات طويلة من توقف الدولة عن الإنتاج قبل أن تعود بقوة لتنفق 18 مليون جنيه على الفيلم. وفى الوقت الذى اعتبر فيه البعض وجود فيلم مصرى فى المسابقة الرسمية لمهرجان دولى خطوة نحو العالمية تشجع الدولة على الاستمرار فى دعم السينما، قلل آخرون من أهمية الحدث، وحذروا من أن عودة الدولة للإنتاج ستكون محصلتها مزيدا من الأفلام الهابطة. الفنان محمود ياسين كان من أكثر المتحمسين لعودة الدولة للإنتاج السينمائى، معتبرا أن أخطر ما فعلته الدولة هو رفع يدها عن الإنتاج ودور العرض واتجاهها للاقتصاد الحر مما خلق حالة من الركود أدت فى بعض الفترات إلى اكتفاء السينما المصرية بإنتاج فيلم واحد عام 1999. وقال ياسين إن كل الدول الأوروبية التى تبنت الاقتصاد الحر تدعم السينما وتعتبرها صناعة قائمة بذاتها تحتاج للدعم والتمويل، ومن هنا كان من الواجب عودة الدولة، خصوصا فى ظل الأزمة المالية الحالية، لأن عودة الدولة ستنشط السينما وتعيد إليها بريقها وتضعها فى مكانها الطبيعى حيث كانت فى بعض الفترات ثانى مصدر للدخل بعد القطن وكانت تنتج 120 فيلما فى العام. غير أن ياسين شدد على ضرورة أن تحرص الوزارة على اختيار ما تنتجه بعناية كما هو الحال مع فيلم «المسافر»، مضيفا: المخرج الراحل يوسف شاهين صنع أقوى أفلامه من إنتاج وزارة الثقافة. الموقف نفسه تبنته المنتجة الفنانة إسعاد يونس، لكنها حددت فى الوقت نفسه مجموعة من المعايير التى يتعين على وزارة الثقافة اتباعها كى تكون عودتها للإنتاج السينمائى مفيدة للصناعة، وقالت: إذا كانت الدولة ستعمل وفق إطار المنتج الخاص وبعقليته فهذا جيد ومثمر، أما إذا صنعوا أفلاما «سبوبة» للموظفين فهذا مرفوض. ورأت أن دعم الدولة للأفلام مهم وضرورى لخلق تكامل فى السوق، فالمنتج الفرد لا يقوى على خوض بعض التجارب منها مثلا الأفلام الحربية والتاريخية، وإذا عادت الدولة تستطيع اختزال تلك المصروفات وتصنع المشاريع التى يعجز المنتج الفرد حتى الآن عن الخوض فيها. وأضافت أن الدولة تستطيع تحمل مخاطرات الخوض فى الأفلام الضخمة لأن الفن وليس الربح هو هدفها الأساسى. وقالت: «احنا اتربينا على أن الدولة اعتمدت على السينما كثانى مصدر للدخل بعد القطن، ولذلك لابد أن يُنظر للسينما من هذا المنظور لأن السينما صناعة مهمة قائمة بذاتها». وشددت يونس على أن الدولة يمكن أن تلعب دورا مهما فى دعم السينما والاشتراك بأفلام مصرية فى مهرجانات دولية كما حدث فى دورة مهرجان «كان» الماضية. واعتبر المخرج مجدى أحمد على أن مشاركة مصر فى المسابقة الرسمية بمهرجان فينيسيا هو طفرة بالفعل، وقال إن الأفلام الخمسة التى تدعمها وزارة الثقافة ومنها فيلمه «عصافير النيل» دليل على العودة لما وصفها ب«السينما الفنية»، لأن السينما التجارية موجودة ولكن ينقصها التوازن مع السينما الفنية. ودعا إلى التصدى للمشكلات البيروقراطية التى واجهتهم، وقال: إن الاستمرار فى الدعم مهم للغاية بغض النظر عن انتظار النتائج، فكلما سألت أحدا فى الوزارة عن الخطوة القادمة يكون الجواب بعد تقييم التجربة، من الضرورى تجاوز تلك المرحلة وأن يكون هذا الدعم دوريا وموسميا. وأضاف أن عالم السينما بأكمله يدور فى فلك 250 مليون جنيه وهذا يكشف أن السينما الآن صناعة صغيرة مقارنة بما كانت عليه فى الماضى، ولذلك يجب على الدولة أن تضع فى اعتبارها تنشيط تلك الصناعة والوصول إلى ما تستحقه لأنها صناعة كبيرة تدور فى فلكها صناعات كثيرة صغيرة. وعلى الجانب الآخر قلل الناقد السينمائى مصطفى درويش من أهمية مشاركة «المسافر» فى مهرجان فينيسيا، وقال: لو عادت وزارة الثقافة للإنتاج مرة أخرى ستكون كارثه كبيرة للصناعة، لأنها ستنتج أفلاما «ساقطة وهابطة» وإذا حقق فيلم «المسافر» شيئا سيكون استثناء وليس قاعدة. وانتقد درويش ارتفاع تكلفة الفيلم.. «الفيلم تكلف ما يقرب من 20 مليون جنيه وهذا رقم كبير على مخرج شاب مثل مخرج العمل وأيضا بالنسبة لأبطال الفيلم، وإذا اعتبرنا مشاركته فى فينيسا انتصارا فهو يدل على مركبات نقص شديدة». ورأى أن اشتراك الأفلام المصرية فى مهرجانات دولية مجرد «فرقعة وشو إعلامى» لا نجنى منه شيئا، وقال إن يوسف شاهين حصل على جائزة برلين، ولكن ماذا حدث بعدها؟ لم تتقدم السينما كما توقعنا فى ذلك الوقت. وأضاف درويش: لدينا مقومات الصناعة الجيدة ولدينا دول تحتاج لصناعتنا ولكن الرقابة المتخلفة لدينا تعرقل نمو هذه الصناعة، ولو فتح باب الحرية على مصراعية سنصنع أفلاما قوية وندخل بها مهرجانات كبرى ونجنى من ورائها إيرادات ضخمة كما كان الحال فى السابق.