- 300 فدان تضم نحو 1200 محل لبيع الخضروات والفاكهة والأسماك - السوق تبيع 361 طنا كل ساعة وتستوعب 6500 تاجر وتخدم 8 ملايين شخص - التجار: الطلب على الخضروات فى الصيف أكثر من الشتاء.. والشرقية والمنوفية والفيوم أفضل الموردين - جزء كبير من التصدير ضربته الأحداث فى ليبيا وسوريا.. وحركة البيع تتأثر بأقل تظاهرة - السوق خفضت فاقد الخضروات والفاكهة من 60 % بروض الفرج إلى المعدل العالمى 5 % على طريق «مصر إسماعيلية الصحراوي»، يحيط سور بمئات الأفدنة، يتجمع داخلها غذاء قطاع كبير من المصريين، فى حركة بيع وشراء يومية، تتأثر صعودا وهبوطا بما يدور فى بر مصر من أحداث سياسية واقتصادية.. هنا سوق «العبور»، أكبر ممر، تعبر منه الخضروات والفواكه والأسماك، إلى بطون الملايين فى القاهرة الكبرى. ترصد «الشروق» فى معايشة صحفية طبيعة الحياة داخل السوق، وكيف يدير تجاره عملية البيع والشراء، كاشفة عن معاناة بعض العاملين فى أكبر سوق بمصر. قبل أكثر من عشرين عاما، وتحديدا فى السادس من أكتوبر 1994، بدأ العمل فى سوق العبور رسميا، وانتقل إليها الحاج فتح الله جاد، تاجر خضروات، قادما من سوق روض الفرج، مع كثير من التجار، تنفيذا لخطة حكومية لحل مشاكل الأسواق القديمة فى روض الفرج وغمرة. ويقع سوق العبور على طريق مصر إسماعيلية الصحراوى، عند الكيلو 25، على بعد 4 كيلو مترات من الطريق الدائرى، ومساحتها الإجمالية نحو 300 فدان، وقد تكلف بناؤها 229 مليون جنيه. يقول الحاج فتح الله: إن طبيعة عمله تفرض عليه فتح محل الخضروات 24 ساعة، ليستطيع استقبال أى بضائع قادمة من الموردين فى أى وقت، وكذلك تلبية احتياجات تجار القطاعى، الذين يشترون منه للبيع فى محالهم المنتشرة فى شوارع القاهرة الكبرى. ويوضح، الرجل الأربعينى، أن محافظاتالشرقية والإسماعيلية والفيوم، هى الأكثر توريدا لاحتياجاته من الطماطم والخيار والفاصوليا الخضراء، مضيفا أنه يعتمد على فكرة الاتفاق المسبق مع أصحاب الأراضى لشراء انتاجهم، ويدفع مقدما من الثمن، ليتمكن المزارع من شراء البذور أو المبيدات الحشرية، اللازمة لحماية المحصول. وبينما كان دخان الموقد، الذى أشعله العمال للتدفئة، يحيط بنا، استكمل الحاج فتح الله حديثه، قائلا: السحب على الخضروات فى الصيف يكون أكثر مقارنة بالشتاء. ويوضح أنه يستقبل يوميا من 8 إلى 10 سيارات نقل، تشترى منه بضائع خلال الموسم الصيفى، بينما لا يتجاوز الأمر ربع هذا العدد فى الموسم الشتوى. ويضيف فتح الله أن معدل شراء المستهلك الأخير للسلعة، يؤثر على حركة البيع فى سوق الجملة بالعبور، إذ أن تراجع مستوى الدخل يدفع الأسرة إلى شراء احتياجاتها بطريقة يومية وبالكيلو، وهو ما يؤثر سلبا على حركة البيع وسرعتها، مدللا على ذلك بقوله: تلقيت العام الماضى من المزارعين 10 سيارات كبيرة محملة بالفاصوليا وتمكنت من بيعها، لكن هذا العام لم أستقبل إلا سيارتين. تفرض إدارة سوق العبور، رسوما على دخول السيارات إلى السوق، مقسمة إلى نوعين، الأول: السيارات الفارغة بأنواعها حيث تدفع السيارات الملاكى، ونصف النقل حمولة طن، 50 قرشا كرسم دخول، بينما تسدد السيارة النقل أكثر من 2 طن جنيها واحدا، وتدفع السيارة النقل «مقطورة – تريلا» جنيهين. والثانى: السيارات المحملة بمنتجات «خضار فاكهة موز» حيث تدفع رسم دخول يقدر بجنيهين عن كل طن، بالإضافة إلى جنيه واحد مصاريف إدارية، ورسم خروج يقدر ب5 جنيهات، فيما تدفع السيارات المحملة بالأسماك 4 جنيهات عن كل طن، بالإضافة إلى جنيه واحد مصاريف إدارية، ورسم خروج 6 جنيهات للطن. وتبلغ المساحات المخصصة لانتظار الشاحنات والسيارات نحو 16.5 فدان، من إجمالى المساحة الإجمالية للسوق . ممر الخضر ممر طويل، خافت الضوء، تتمكن أشعة الشمس من اختراقه بين الحين والآخر. تنتشر الحمال على جانبيه، ويعج بأقفاص الخضروات المرصوصة بجوار كل محل، الذى يجلس أمامه أحدهم غالبا ما يكون صاحب المكان يدخن «الشيشة». يتكرر هذا المشهد بشكل متطابق أمام كل محال السوق، المقسم إلى 548 وحدة بيع خضار، 50 وحدة بيع بصل وثوم وزيتون. الحاج محمد حامد، 59 عاما، أحد تجار السوق، يؤكد أن أبسط الأخبار السياسية، يؤثر سلبا على سوق العبار، موضحا: فى الفترة التى أعقبت ثورة يناير وحتى الآن، كلما سمعنا عن تنظيم تظاهرة رأينا تأثيرها السلبى على السوق، من حيث قلة عدد الواردين إليه. ويضيف «حامد»، أن تراجع المستوى المادى للأسر، أثر بشكل أكبر على حركة البيع والشراء فى السوق، وبعدما كانت ربة المنزل تشترى الخضروات بكميات كبيرة، أصبحت تشترى ما يكفيها استهلاك يوم أو يومين. وبحسب البيانات الرسمية للجهاز التنفيذى لسوق العبور، فإن حجم التعامل فى السوق يدور حول بيع وشراء 361 طن منتجات غذائية فى الساعة الواحدة، فيما تستوعب السوق نشاط 6500 تاجر، وتخدم أكثر من 8 ملايين مواطن، ويبلغ عدد المشترين 80 ألف مشترٍ. ويضم سوق العبور مجمع بنوك، مكون من 5 فروع لبنوك مختلفة، لتسهيل عمليات البيع والشراء وتحويل الأموال، فيما توجد شبكة اتصالات بها 2000 خط تليفون محلى ودولى وفاكس، ومكتب بريد وتليفون وتلغراف. وكان من بين أسباب إنشاء سوق العبور تقليل نسبة الفاقد من الخضر والفاكهة، والتى كانت تصل إلى 5060% من بعض الأصناف فى سوق روض الفرج، أى ما يعادل 1.2 مليار جنيه سنويا، وبالفعل تراجعت هذه النسبة كثيرا، بعد إنشاء سوق العبور، وأصبحت من 3 إلى 5%، وهى النسبة المتعارف عليها فى أحدث الأسواق العالمية. ويعتبر بعض التجار أن عملية بيع وشراء الخضروات معقدة جدا، وترتبط بعوامل داخلية وخارجية كثيرة، لا تقف عند حدود المستوى المعيشى للأسر، ويقول الحاج فرغلى صابر، أحد تجار السوق: عملية البيع والشراء ليست سهلة، حيث تبدأ من الفلاح، الذى يسوق منتجه قبل زراعته، ليستطيع الإنفاق عليه، خاصة لشراء المبيدات الكيماوية التى يستخدمها، وهى غالبا ما تكون أسعارها مرتفعة، لو كانت مستوردة ولا تدعمها الدولة. ويضيف: يلجأ المزارع لتجار سوق العبور، ليعقد اتفاق مع أحدهم، ويحصل «على ربط كلام» أى مقدم مالى لشراء المحصول، موضحا أن هذه العملية فى أحيان كثيرة مهددة، لأن المحصول قد يتعرض لأى طارئ مثل الأمطار، أو عدم وصول المياه للأراضى الزراعية، ما يعنى تلفه أو تأخر عملية التوريد. وأشار إلى أن الظروف السياسية تتسبب فى تراجع عملية البيع، مؤكدا أن تجار العبور كانوا يعتمدون على الطلبيات الخاصة بالفنادق السياحية، ومع تراجع حركة السياحة تراجع بيع الخضروات، هذا بالإضافة إلى أزمة التصدير، حيث كانوا يستهدفون السوق الليبية، لكن تفجر الوضع هناك، وتعرض كثير من المصريين إلى الخطف والقتل، أوقف التصدير إليها. ويقول صابر: هناك ظاهرة نعرفها نحن ب»تجار الشلايش»، وهى المحال التى يتم فتحها داخل التجمعات السكنية، ويشترى أصحابها من المزارعين مباشرة، للبيع لصغار التجار، بعيدا عن السوق، وهو ما يخلق سوقا موازيا ل»العبور»، لا يدفع أصحابه ضرائب ولا رسوم مثلنا. ويوضح صابر أن كل تاجر عليه التزامات لا يمكنه تجاهلها مهما كانت الظروف، وأهمها العمال الذين يساعدونه فى إدارة المحل، ويتراوح عددهم ما بين 8 و10 عمال، متوسط أجر الواحد منهم 50 جنيها يوميا، ويسكن أغلبهم فى مدينتى السلام والنهضة القريبتين من سوق العبور، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أن يقلل عددهم مع تراجع البيع، لأنهم جميعا وقفوا بجواره فى أيام إزدهار، حركة البيع. شادر السمك بعيدا عن مبنى سوق الخضروات، كان صوت سيارة «رش الناموس» يدوى فى أرجاء المكان، ودخان الكيماويات المنبعث منها ينتشر فى سماء السوق. هنا يدفع صاحب المحل نحو ألف جنيه سنويا، رسوم نظافة لإدارة السوق. لا يحتاج الزائر إلى دليل حتى يصل إلى مقر «شادر السمك» فى سوق العبور، حيث تسبقه مطاعم صغيرة لشواء الأسماك، لخدمة العاملين فى المكان. فى الطريق إلى «الشادر» يبدو للغريب أنه يسير فى بركة من ماء غامق اللون، كريه الرائحة بالنسبة للغرباء، بينما يمارس العاملون بالمكان حياتهم بصورة طبيعية، بعدما تعودوا على المنظر وألفت أنوفهم الرائحة. بالقرب من محال بيع الأسماك تقف سيارات مخصصة لتكسير ألواح الثلج، يضع العمال أجولة تحت فوهتها لاستقبال الثلج المكسر لاستخدامه فى حفظ الأسماك. ينقسم شادر السمك، إلى 86 محلا، و3 معامل تشفية، و4 ثلاجات تبريد وتجميد، يبدأ العمل فيها مع الساعات الأولى لصباح كل يوم، وبعض المحال يبدأ العمل فى السابعة مساء وينتهى من البيع فى السابعة صباحا، كما هو الحال فى المحل الذى يمتلكه، سيد على، الذى يؤكد: أنه بحلول التاسعة صباحا يكون تجار الأسماء بسوق العبور انتهوا من بيع ما لديهم. ويقول على ل«الشروق» إنه يعمل وعائلته فى تجارة الأسماك منذ سنوات طويلة، فقد ورث المهنة «أبا عن جد»، مضيفا: الخبرة علمتنى أن كل مكان، له منتج يميزه من الأسماك، فالسويس تتمير بالجمبرى، وكفر الشيخ وبورسعيد الأفضل فى البلطى، بينما يتم استيراد سمك المكرونة والبربونى من السودان واريتريا، والجمبرى المجمد من فيتنام والهند. مزاد جمبرى أمام أحد محال السمك، تجمع العشرات، فى حلقة دائرية، غير مبالين بالمياه التى تغطى أقدامهم، بينما الأصوات تتزاحم فى صخب لا يليق بهدوء الصباح. وكل الأنظار تتجه إلى رجلين يقفان أعلى منضدة عالية، وبين اللحظة والأخرى يدخل أحمد العمال حاملا طاولة خشبية يضعها أمام الرجلان عن المنضدة، فيفحصها أحدهما ويقدر سعرا مبدئيا لها، وبمجرد أن ينطق به، يتنافس المجتمعون حوله على الشراء، ويزايد كل منهم على السعر الذى نطق به سابقوه، حتى يحصل عليها صاحب السعر الأعلى. وتدخل طاولة جديدة ليتكرر المشهد بكل تفاصيله. وبحسب أحد المشاركين فى المزاد فإن سعر طاولة الجمبرى يختلف باختلاف المشترى، فى الوقت الذى يستطيع أن يدفع أصحاب المحال فى الأماكن الراقية آلاف الجنيهات فى طاولة الجمبرى، وزن 30 كيلو جراما، يقدره صاحب المحل فى المنطقة المتوسط بسعر أقل، فزبائن الأول تستطيع أن تدفع أكثر بكثير فى الكيلو من زبائن الثانى. روائح الفاكهة من بعيد تخطفك روائح البرتقال، التى تنتشر فى المنطقة المخصصة لبيع الفاكهة بسوق العبور، ويصنع البرتقال بلونه الأصفر مع التفاح بلونه الأحمر، لوحة فنية، تبدو لأى زائر أنها صنعت بعناية، وطريقة «رص» الأنواع المختلفة من الفاكهة فى المحال، وتناسق أنواعها وأشكالها، تخلق حالة من النظام، تليق بجمال المعروض، فى 366 وحدة بيع، بالإضافة إلى 144 وحدة لبيع الموز مزودة بثلاجات لحفظه. بخبرة تجاوزت 30 عاما من العمل فى بيع الفاكهة يقول الحاج على كساب إنه يعلم أن الفاكهة ليست سلعة أساسية فى قائمة اهتمام المصريين، وأن مواسم بداية المدارس والامتحانات يسحب من دخل الأسرة، الذى يمكن أن توجهه لشراء الفاكهة، مضيفا: المدرس والدروس الخصوصية أهم من الأكل والشرب عند الناس.. فما بالنا بالفاكهة. ويشير الرجل الذى ينتمى لمحافظة سوهاج إلى أنه يبدأ عمله فى الخامسة صباحا، بمساعدة 4 عمال، متوسط أجرهم بين 80 و100 جنيه، خلال الوردية التى تصل إلى 12 ساعة. من جهته قال محمد إبراهيم، أحد تجار الفاكهة فى السوق، إن أكثر شخص يتعرض للظلم فى عملية زراعة وبيع الفاكهة، هو الفلاح المنتج الأول، وذلك لأن كل التغييرات والاضطرابات، تضره قبل غيره بداية من أسعار الكيماويات وارتفاع أسعار البنزين والسولار، التى تؤثر على نقله للبضائع.