مؤتمرات لمسئولين ملأت الدنيا، نقاشات هنا وهناك، كل ذلك وأزمة "النوبة" لا تزال مشتعلة أقصى جنوب مصر، وأصوات تشعر بالمظلومية والتهميش، فمشكلة التهجير لا تزال الشغل الشاغل لأهلها منذ عام 1963 أثناء إقامة مشروع السد العالي. الأزمة تجددت مؤخرًا مع تصريحات وزير العدالة الانتقالية المستشار إبراهيم الهنيدي، الذي قال خلالها إن جهات أمنية ومجلس الوزراء يرفضون تنفيذ مطالب النوبيين بتملك أراضيهم بدعوى أن هناك تجربة سابقة منذ سنوات تم فيها تمليك أراضٍ للنوبيين، وباعها أغلبهم. حق يكفله الدستور بعد الاستفتاء على دستور 2014 تم إقرار المادة "236"، التي تكفل فيها الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية، والاستفادة منها، وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية. عبدالظاهر: نعامل كالعبيد "لم نعد نعلم إذا كنا مواطنوم من الدرجة الأولى أم أننا عبيد".. هكذا بدأ الحاج عوض عبد الظاهر أحد أهالي النوبة، ورئيس حركة شباب النوب "كتلة نوبية" سابقًا حديثه ل"الشروق"، مشيرًا إلى قصة معاناة أهالي النوبة مع الدولة منذ 60 عامًا. وقال عبدالظاهر: "كنا مقدرين ظروف الوطن وتحملنا واجبتنا تجاه مصر فمنذ 63 عامًا، تم تهجيرنا قسريًا من أماكن موطننا الأصلي بعد تشييد السد العالي وخزان أسوان". وأضاف: "بعد شوق وعطش.. كنا متوسمين خيرًا في استعادة حقوقنا بعد أن منحتنا الدولة قبلة الحياة بالذهاب إلى مدينة كركر الواقعة بعد محافظة أسوان لكننا اصطدمنا بالواقع المرير فوجدنا أن المدينة تبعد عن المحافظة بمسافة 30 كيلومترًا، فضلا عن أن البنية التحتية غير جيدة ولا توجد مصالح حكومية أو مصانع لتكون بمثابة سبل للإعاشة للأهالي النوبة الذين تحملوا الكثير في سبيل الاستقرار في موطن حقيقي لهم". وذكر رئيس حركة شباب النوبة: "في مدينة كركر مساحة كل منزل تصل إلى 220 مترًا على الطراز النوبي لكن ليس لنا الحق في استصلاح الأراضي بجوار منازلنا، رغم أن حكومات ما بعد ثورة 25 يناير، وتحديدًا في عهد الجنزوري وعصام شرف خصصوا لأهل النوبة 18 ألف فدان في هذه المدينة". وأوضح أن أهالي النوبة جمعوا 5 ملايين جنيه بجهود ذاتية لاستصلاح حوالي 4 مليون فدان في وادي الأمل بمدينة كركر، وبفضل آبار المياه الجوفية التي تم حفرها بسواعد الأهالي هناك تم ري الأرض وكسب مصدر للرزق لتخفيف العبئ من على كاهل الحكومة ومحافظ أسوان". وأوضح أن أجهزة مسئولة منعت استكمال المشروع، مشيرًا إلى حقهم في هذا لكون تلك الأراضي تخضع للجيش المصري والقوات المسلحة، وبالتأكيد هم يعملون لصالح الأمن القومي واعتباراته، مشيرًا إلى أن السبب في كل هذا هو محافظ أسوان مصطفى السيد، الذي لم يعلم من الأساس أن تلك الأراضي تابعة للقوات المسلحة ولا يجوز التصرف فيها. استكمال سيناريو التهميش الحاج عبد الظاهر واصل حديثه مشيرًا إلى أن المستشار إبراهيم الهنيدي يستكمل سيناريو التهميش وضياع حقوق أهل النوبة الذي بدأ منذ عشرينات القرن الماضي، موضحًا أنه عين نوبيين مقيمين في القاهرة في اللجنة المشرفة على إعداد قانون تملك النوبيين لأراضيهم، وأن عددًا ليس بالقليل من المنتمين لتلك اللجنة لا يعرف الحقيقية كاملة عن أهالي النوبة وأزماتهم في السكن والمعيشة ونقص الموارد، بالاضافة إلى أن هؤلاء لا يعلمون لغة أهل النوبة الأصلية، فكيف يمكنهم التواصل معنا ويتعرفون على أزمتنا الحقيقية. وأضاف أن مشروع القانون المعد من قبل وزير العدالة الانتقالية بخصوص تملك أهل النوبة لأراضيهم "مرفوض جملة وتفصيلا" لأنه تم إعداده خلال 15 يومًا دون أخذ مشورة أهالي النوبة الحقيقيين الذين يتذوقون يوميًا مرارة المعيشة، وعدم الاستقرار. وردًا على ما جاء في تصريحات الوزير بخصوص خوف الدولة من إعطاء الأراضي لأهل النوبة خشية من بيعها مجددًا، قال رئيس حركة شباب النوبة: "من المؤكد عندما ترى أن هناك ظلم في الحصول على حقك من عدم وجود أي سبل للمعيشة وابتعاد المصالح الحكومية ومصادر كسب العيش عنك فإنك تصبح في حالة اضطرار لبيع منزلك، الذي يمثل قيمة مادية أقل بكثير من قيمته الحقيقية". وتمسك بأن أهل النوبة "لا يريدون الدخول في صدام مع الدولة، فنحن نقدر طبيعة الظروف غير المستقرة، وحالة الإرهاب التي تتعرض لها عدة محافظات، وعلى رأسها سيناء لكن كل ما نطالب به هو المساواة مع أهالي سيناء الذين تم تعويضهم بمنازل كانت قيمتها المادية 450 ألف جنيه بعد القرار الجمهوري بإخلاء أماكن إقامتهم على النقاط الحدودية ومنزالنا تقدر قيمتها المادية ب125 ألف جنيه". بشير: الأولوية لرجال الأعمال بدوره، قال منير بشير رئيس جمعية محامي النوبة إن قانون تملك النوبيين لأراضيهم لم يصدر بعد، لافتًا إلى أن الأمر يقتصر على مجرد لجنة فنية قانونية تناقش داخل جدران مجلس الشورى مشروع القانون الذي أعدته وزارة العدالة الانتقالية برئاسة المستشار إبراهيم الهنيدي بين مجموعة تمثل أهل النوبة وبين مجموعة ممثلة للأجهزة الأمنية في الدولة. واعتبر بشير أن كافة الأطراف لم تصل إلى مسودة نهائية خاصة بمشروع القانون؛ نظرًا لوجود نقاط اختلاف كثيرة مع مؤسسات الدولة الراعية للمشروع، مشيرًا إلى أن مضمون المشروع كان قائمًا على فكرة التنمية والتعمير في بلاد النوبة، وعلى ضفاف البحيرة لكن أهل النوبة يرون أن عملية التوطين أهم من عملية التنمية من منطلق أنه حق تاريخي ومشروع لأهل النوبة في هذا المكان، ولا يوجد مانع أن تتم عملية التنمية والتعمير على التوازي. وأكد منير بشير أن أهالي النوبة يريدون أن يكونوا في المقدمة في أخذ الحقوق، وأن تكون لهم الأولوية عن رجال الأعمال والمستثمرين وجهات أخرى "تريد أن تأخذ أراضينا ومنازلنا وتستفيد منها". وحدد النوبيون، في بيان صادر عنهم نوفمبر الماضي، 3 مطالب، وهي صدور قرار جمهوري ينص على عودة النوبيين لمناطقهم الأصلية، وإنشاء الهيئة العليا لإعادة توطين النوبين، وإعمار وتنمية بلادهم الأصلية بمشاركة جميع أبناء النوبة. العشماوي: إشكالية النوبيين في طريقها للحل من جهته، قال المستشار أشرف العشماوي مساعد وزير العدالة الإنتقالية، في تصريحات صحفية، إن الإشكالية الخاصة بتملك النوبيين للأراضي في طريقها للحل، خصوصًا بعد تقدم ممثل اللجنة عن وزارة الثقافة، أحمد عواض، باقتراح مفاده التنسيق مع الجمعيات الإسكانية والزراعية لوضع ضوابط لنقل الملكية إلى النوبيين، وهو الذي لاقى قبولا من جانب النوبيين.