• مخاوف من «النووية» وارتفاع تكلفة «المتجددة» وكارثية «الفحم» وإهمال المخلفات • لا يمكن لأى دولة الاعتماد على نوع واحد من الطاقة تمر مصر بأسوأ وأطول أزمة طاقة فى تاريخها، ورغم أن الأزمة ليست جديدة، إلا أن حلها واجه تجاذبات عدة بين خبراء الطاقة، وفى ظل قيام الحكومة حاليا بإعداد استراتيجية الطاقة حتى عام 2035، تتجه الدولة - وفق خطتها- لتنويع مصادر التوليد، كالإنتاج من الغاز والفحم والشمس والرياح، فوفقا لمحمد شاكر، وزير الكهرباء، تستهدف الدولة الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 20%، بينما ظهرت الطاقة النووية، فى خليط الطاقة المصرى المستهدف عام 2020، وفق الخطة التى عرضتها الوزارة فى افتتاح الملتقى العالمى للطاقة الجديدة والمتجددة بالقاهرة، والذى نظمته الغرفة التجارية الصينية، منتصف ديسمبر الماضى. «الشروق» تحاول الإجابة عن سؤال الطاقة، عبر تقصى آراء خبراء القطاع، للوصول إلى المزيج الأفضل من الطاقات، وفقا للإمكانيات المصرية الواقعية. ووفقا للخبراء تتراوح تكلفة توليد الطاقة من الغاز الطبيعى بين 67 و130 دولار لكل ميجاوات/ساعة طبقا لوسائل الإنتاج، بينما تقدر بما يتراوح بين 100 و135 دولار للتوليد من الفحم، حسب كيفية الإنتاج ومدى تنقية الانبعاثات، وتصل تكلفة إنتاج الطاقة النووية إلى 108 دولارات، بينما تبلغ تكلفة إنتاج الطاقة من الرياح نحو 86 دولارا من الطوربيدات الهوائية التقليدية و221 دولارا من الطوربيدات البحرية، وتتراوح قيمة توليد الطاقة الشمسية بين 144 و261 دولار للميجا، حسب كيفية التوليد. الطاقة النووية.. مخاوف وتساؤلات على عبدالنبى، نائب رئيس هيئة الطاقة النووية، أكد أن الطاقة النووية هى البديل الوحيد للطاقة التقليدية، والتى يمكن الاعتماد عليها كركيزة أساسية بجانب مصادر الطاقة الأخرى. وتواجه الطاقة النووية أسئلة عدة حول كونها بديلا آمنا ومنخفضا التكلفة للطاقة التقليدية، وما يتعلق بمخاطر المحطات النووية وكيفية التخلص من نفاياتها وتوفير وقودها النووى، وما إذا كانت تشكل نقطة ضعف للأمن القومى إذا ما تم استهدافها، لاسيما فى ظل وضع الدولة المصرية وما تواجهه من تهديدات داخلية وخارجية. «مشروع المحطة النووية هو فى الأساس أمن قومى تكنولوجى، كما أنه مشروع استثمارى، فالعائد من بيع الكهرباء المولدة نوويا يستطيع أن يغطى تكاليف المحطة النووية خلال سنوات قليلة، كما يمكن تغطية التكاليف من فارق سعر الوقود النووى عن سعر الوقود الأحفورى غاز أو بترول، فمن خلال حسبة بسيطة، نجد أن سعر الوقود النووى الناتج عن محطة نووية قدرتها 1200 ميجا وات هو 40 مليون دولار فى السنة، بينما نجد أن سعر الغاز (2.5 مليار متر مكعب فى السنة) المطلوب لتشغيل محطة قدرتها 1200 ميجا وات هو 400 مليون دولار فى السنة، وبالتالى فإننا سنوفر نحو 360 مليون دولار سنويا». ووفقا لنائب رئيس هيئة الطاقة النووية، لا يمكن احتساب تكلفة المحطات الكهربية من خلال تكلفة الطاقة المنتجة منها فقط، بل يجب احتسابها من خلال ما يسمى «التكلفة المسوّاة أوlevelized cost» والتى وفقا لها، سنجد أن الفحم والغاز (بدون تنقية الانبعاثات)، وطاقة المياه والطاقة الحرارية الأرضية هما أرخص أنواع الطاقات الأساسية، إما بإضافة وحدات تنقية لمحطات توليد الفحم والغاز فسترتفع تكلفة إنتاج الميجاوات/ساعة بأكثر من 30 دولارا، ما يجعل الطاقة النووية أكثر توفيرا. «التهديد بضرب المحطة النووية لا يقل فى الأهمية عن التهديد بضرب السد العالى»، كما أكد عبد النبى، مضيفا أن الدمار الذى سيصيب مصر من ضرب السد العالى يفوق الدمار الناتج من ضرب محطة نووية، فوفقا لرؤيته، كلاهما منشآت حيوية لابد من تأمينها داخليا من قبل الشرطة وخارجيا من قبل الجيش. أما عن تصنيع الوقود النووى، فقال عبدالنبى إن المادة الرابعة من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية تبيح وتشجع على الاستخدام السلمى للطاقة النووية بما فيها دورة الوقود النووى، وبالتالى فمن حق دول العالم إنشاء مصانع لإنتاج الوقود النووى السلمى، على ألا تزيد نسبة التخصيب عن 20%. إلا أن وائل النشار، رئيس مجلس إدارة شركة «أونيرا سيستيمز» للطاقة المتجددة، يرى أن مسألة تخصيب الوقود النووى قد تتسبب فى نوع من الضغوط على الدولة، بجانب أنه سيظل سلعة يتم استيرادها من الخارج «اليورانيوم». وعن المخلفات النووية، أكد عبدالنبى، أن التخلص منها يكمن فى 3 مراحل، تكون الأولى منها داخل المفاعل النووى نفسه فى أحواض مائية تقوم بتخفيف شدة الإشعاعات الصادرة عنها طوال مدة التخزين والتى تصل إلى 20 عاما، أما المرحلة الثانية، فتكون من خلال تخزينها فى أماكن مخصصة فى المفاعل النووى فى هيئة مادة صلبة، وتصل فترة تخزينها إلى 50 عاما، أما المرحلة الثالثة - والتى لم تصل إليها أية دولة حتى الآن - فتتلخص فى خلط النفايات وتغليفها بمواد خرسانية وأسمنتية ومن ثم التخلص منها عن طريق تخزينها فى الجبال أو فى أعماق ملحية تضمن عدم تلويث البيئة.. الطاقة الشمسية.. أنظف الطاقات يفرض الاتجاه العالمى نحو الطاقة الجديدة والمتجددة على مصر، زيادة اعتمادها على هذا النوع من مصادر الطاقة بنسبة 50%، وليس فقط 20%، وأوضح أن إصدار الدولة لتعريفات الطاقة المتجددة خطوة إيجابية وإن كانت «متواضعة» مقارنة بالمأمول، بحسب رئيس «أونيرا سيستيمز». وعلى النقيض يرى صلاح الحجار، أستاذ الطاقة فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن التوجه للطاقة المتجددة «حل اضطرارى»، وأكد أن طاقة الشمس، التى اتجهت إليها الحكومة بشدة فى الفترة السابقة، تعد خطوة إيجابية لموازنة الطاقة الشمسية بطاقة الرياح «المنتشرة بشكل أكبر» حسب قوله، لكنه أشار إلى أن الطاقة المتجددة ستكون حلا مثاليا، إذا ما نجحت مساعى العلماء فى صناعة وحدات لتخزين الطاقة «باستخدام تكنولوجيا النانو الحديثة». طاقة المخلفات.. مهملة الحجار أكد، خلال حديثه، أن مصر أهملت توليد الطاقة من المخلفات الحيوية، وأوضح أن حجم المخلفات فى مصر يتراوح بين 70 و100 مليون طن من المخلفات العضوية سنويا، ما يسمح بإنتاج العديد من أنواع الوقود بجانب استخدامها لتوليد الكهرباء، مشيرا لوجود بعض الهيئات التى تعمل فى هذا المجال «لكن بشكل عشوائى غير منظم»، فتطوير توليد الطاقة من المخلفات العضوية، وفق رأى الحجار، يعد خطوة نحو المستقبل أهملتها الحكومة. لكن جلال عثمان، الخبير فى مجال الطاقة، شكك فى جدوى الاعتماد على طاقة المخلفات، وأوضح أن نوعية المخلفات التى تنتجها مصر مقارنة بالدول التى تعتمد منظومة المخلفات فى إنتاج الطاقة، مختلفة، فالمواد العضوية فى مخلفاتنا تعتبر قليلة نسبيا مقارنة بالدول الغنية، وبالتالى هناك صعوبة فى الاعتماد عليها بشكل موسع فى مصر، بحسب قوله. إجماع على كارثية طاقة الفحم «اتجاه الدولة للفحم أمر خاطئ ولا مبرر له، فلا يجب الاتجاه لبناء محطات لا موارد لها فى مصر»، وفقا لنائب رئيس هيئة الطاقة النووية. فيما أكد النشار، أن اللجوء لطاقة الفحم يعد «أمرا كارثيا بكل المقاييس»، لأن الفحم بجانب تأثيراته على البيئة، إلا أن مصر لا تمتلكه من الأساس، الأمر الذى يراه النشار «خطوة من الماضى». ورغم كونه من مصادر الطاقة الرخيصة، اتفق الحجار أيضا مع نفس وجهات النظر السابقة، مؤكدا أن للفحم آثارا مدمرة على البيئة بسبب انبعاثات الكبريت ذات الآثار شديدة الخطورة على صحة السكان، إلا أن التلوث ليس المانع الوحيد، فبحسب قوله، يعتبر نقل الفحم واحدة من المشكلات التى ستواجهها مصر اذا ما اعتمدت عليه، موضحا أن نقل كميات كبيرة من الفحم يحتاج لعدد كبير من سيارات النقل الضخمة، ما يزيد من حدة مشكلة المرور التى تعانى منها مصر، بجانب أن نقل الفحم عن طريق القطارات سيضيف أعباء مالية على الدولة. لا حل أمثل لأزمة الطاقة ويرى عثمان أن كل صوت يطالب بالاعتماد على نوع محدد من الطاقة كحل أساسى لأزمة الطاقة، مدفوع فى الغالب من أصحاب شركات ومؤسسات وذوى مصالح، وأكد أن لكل مجال مميزاته وعيوبه، كما شكك فى الأرقام والمعلومات الموجودة، مؤكدا أنه لا يمكن الاعتماد عليها فى ظل وجود صراع عالمى حول هذا الملف. «التنوع فى كل المجالات هو الحل المثالى»، كما أضاف عثمان، مؤكدا عدم قدرة أى دولة على الاعتماد على نوع واحد من الطاقة.