رغم المساحات الشاسعة بين المراكز الانتخابية ومحال إقامة المواطنين الذين يسكنون داخل الدروب الصحراوية والتى تبعد أحيانا عشرات الكيلو مترات داخل الصحراء؛ إلا أن نسبة المشاركة فى انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة فى مثلث حلايب وشلاتين بلغت 29.5%، بعد أن حرص 3 آلاف مواطن (من بين 10 آلاف ممن لهم حق الانتخاب والإدلاء بصوته) على الإدلاء بأصواتهم، وهو ما لم يحدث فى أية انتخابات سابقة. فرغم أن آلاف المواطنين من سكان المثلث الذى يضم مدينتى حلايب وشلاتين وقرية أبورماد وتوابعها يعيشون حياة بدائية داخل منازلهم البسيطة، فى ظل غياب الخدمات، إلا أنهم حرصوا على المشاركة فى الحياة السياسية وهو ما دفعهم للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية، رافعين راية الأمل مطالبين بتحسين أوضاعهم وبحياة كريمة لأبنائهم. وقد رصدت «الشروق» آراء مشايخ وشباب المثلث، وطموحاتهم للمستقبل وما يحلمون به لتحقيق التنمية. حلايب «مدينة» على بعد 125 كم من مدينة شلاتين وقبل الحدود السودانية ب20 كم تقع حلايب، التى أصبحت حديثا تحمل لقب مدينة بعد أن كانت قرية تابعة لمدينة شلاتين، وذلك بعد أن قدم أهلها عدة طلبات لجميع الحكومات السابقة بتحويل القرية لمدينة إلا أن طلبهم كان يقابل بالرفض، حتى تولى المستشار عدلى منصور، منصب رئيس الجمهورية، ووافق عليه. «حلايب لها أهمية خاصة وهى منطقة تجارية منذ قديم الزمان، وقد طالبنا بتحويلها لمدينة بقرار سياسى وليس قرار بناء على عدد السكان»، هذا ما يشير إليه الشيخ حسن هدل، شيخ مشايخ قبائل حلايب، موضحا أن تعداد سكانها 5 آلاف نسمة موزعين على المدينة وقرية أبورماد وقرية حدربة التى تقع على الحدود السودانية، وجميع أهلها يعملون فى رعى الاغنام ويستفيدون من منتجاتها، والبعض الآخر يمتهن الصيد أو شحن وتفريغ سيارات البضائع بميناء حدربة البرى بين مصر والسودان. ويتابع: «المنطقة أمن قومى، نعمل على حمايته، ونعمل كجزء من الدولة لأننا ابناؤها، ولا بد من التنمية الحقيقية لهذه المنطقة». ويطالب شيخ مشايخ حلايب الرئيس الجديد بمواصلة خطة تنمية المدينة الحدودية، خاصة أنها تمثل منفذا تجاريا كبيرا بين مصر والسودان من الممكن استغلاله لتوفير فرص عمل للشباب لا تقل عن ألف فرصة عمل مبدئية، مضيفا أن عملية التنمية بالمنطقة بطيئة للغاية من حيث التعليم والصحة، مطالبا بالاهتمام بالتعليم والصحة، «فأجهزة الدولة لم تقم حتى الآن بإنشاء أى من المبانى الإدارية الخاصة بالمدينة، ومازالت الوحدة الصحية تعمل بغير كفاءة منذ سنوات، كما نطالب أن يكون هناك مستشفى يضم عددا كبيرا من الأطباء، نظرا لأهمية المنطقة». وأشار هدل إلى أن حلايب تقع مباشرة أمام مدينة جدة السعودية وبها ميناء منذ قديم الزمان كان يستخدم فى نقل الحجيج إلى جدة، ومن الممكن بناؤه من جديد واستخدامه مما يكون سببا فى النهوض تنمويا بالمدينة. وأضاف أن مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد تبلغ مساحته 20 كم مربع جميعها تصلح للزراعة بدون استخدام أية أسمدة، موضحا أن المشكلة الأساسية لعدم الزراعة هى ندرة المياه، حيث إنه لا توجد مياه متوافرة للزراعة سوى من الآبار. وحول الانتخابات الرئاسية، أوضح هدل أن مشاركة المواطنين فى الانتخابات الرئاسية تختلف عن جميع المشاركات السابقة، سواء فى الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات البرلمانية والاستفتاءات. وأوضح هدل أن تحديث قاعدة بيانات الناخبين فى الكشوف الانتخابية لم يتم منذ عام 2000، فخلال ال14 عاما الماضية توفى عدد كبير المسجلين فى الكشوف، بالإضافة لسفر البعض خارج البلاد، مؤكدا على تقديم العديد من طلبات تحديث البيانات للجهات المسئولة وتم وعده بأنها ستحدث فى أقرب وقت. «نحن كتيبة تابعة للقوات المسلحة»، بهذه العبارة بدأ حديثه مع «الشروق» الشيخ محمد حسن، شيخ قرية أبورماد، مؤكدا على مصرية أبناء المثلث ردا على المشككين فى مصريتهم ومن يدعى تبعيتهم للسودان. ويشير إلى أن معظم أبناء القبيلة يعملون بمهنة رعى الأغنام والبعض الآخر يعمل بمنفذ حدربة. التجارة والزراعة والبنية التحتية من أهم ما يطالب به أبناء المثلث توسيع دائرة التبادل التجارى بين مصر والسودان للحد من مشكلة البطالة، كون التجارة بين الجانبين تزيد من تحسن العلاقات بين البلدين، ومن ناحية أخرى تعزز من رفع الاقتصاد المصرى، ويطالب أهالى المثلث بتحديث الاتفاقيات التجارية الخاصة مع الجانب السودانى حتى يتسنى لهم العمل فى إطار شركات مصرية تعمل فى هذا المجال تحت إشراف وزارة التجارة، حيث ان املهم مازال مستمرا لتحقيق مطالبهم لينعموا بحياة كريمة توفر على العشرات منهم عدم اللجوء للطرق غير المشروعة للتجارة. كما يطالب الاهالى بتوسيع مجال تجارة الجمال، باعتبارها أهم سلع التبادل التجارى بين مصر والسودان، كما تحتاج المنطقة بحسبهم إلى مجزر آلى لذبح تلك الجمال وادخالها للأراضى المصرية. يقول محمود على حسن، أحد الأهالى، إن تاريخ تجارة الجمال يعود لعشرات السنوات ويتم استيرادها عبر منفذ حدربة، حيث تدخل تلك الجمال إلى الأراضى المصرية بعد الكشف عليها واستخراج بطاقة صحية لكل جمل، مؤكدا أنهم تلقوا وعودا كثيرة بإنشاء مجزر آلى لتسويق اللحوم داخل مصر، وخاصة القرى السياحية ولم يتم تنفيذه حتى الآن. أما الصالح على باقر، أحد شباب مدينة شلاتين، فيوضح أن أهالى المثلث يعيشون دون أى مقومات اساسية للحياة، فنقص الجهد الكهربى وخطوط المياة الصالحة للشرب وإهمال الحكومات السابقة فى القطاع الصحى والتعليمى جعلت من بعضهم مواطنين بلا اى اهداف فى الحياة. «قبل الحديث عن التنمية لا بد من وجود بنية تحتية سليمة»، يضيف باقر الذى يعمل فى مجال شحن وتفريغ السيارات التى تنقل البضائع للجانب السودانى، مشيرا إلى وجود محطة كهرباء واحدة تعمل بطريقة بدائية بها محولان للكهرباء يعملان بالسولار ويغذان المدينة بأكملها بالكهرباء، ولا يكفيان احتياجات اهالى المدينة، كما يؤكد على أنه لا وجود لشبكات مياه صالحة للشرب، فأهالى المدينة يعتمدون على المياه القادمة من محافظة أسوان والتى يتم نقلها عبر سيارات نقل المياه والتى تقوم ببيع 200 لتر مياه بمبلغ 30 جنيها، تكفى الفرد الواحد لمدة 15 يوما وربما أقل من ذلك. قاطع حديث باقر الشيخ على حسن، أحد أبناء قبيله العبابدة، قائلا: «من السهل الحصول على مياه صالحة للشرب باستخدام طلمبات استخراج المياه من الأرض، والتى من الممكن ان توفرها الحكومة، حيث سيستفيد منها ابناء المدينة لاستخدامها للشرب او للاستصلاح الأراضى». ويتابع: «عندنا أراض بكر لم تستخدم فى الزراعة من قبل ويطلع منها خير كثير»، موضحا أن أراضى المثلث، والتى يبلغ مساحتها 27 كم مربع، تصلح للاستصلاح والزراعة والعقبة الوحيدة عدم وجود مياه، مطالبا بتوفير المعدات اللزمة لاستخدام الاراضى الشاسعة فى توفير الملايين من أطنان المحاصيل الزراعية سنويا، مما يجعل الدولة بأكملها تستغنى عن استيراد الكثير من المنتجات الزراعية، ومن ناحية أخرى الاستفادة من تلك الأراضى. «نريد خدمة طبية، كثيرون يموتون منا»، هذا ما قاله أحمد عوز محمد، أحد شباب مدينة حلايب، مؤكدا على تردى الأوضاع داخل الوحدات الصحية ونقص الأطباء والأدوية، فطبيعة البلاد الصحراوية توجد الكثير من الزواحف القاتلة والتى تهاجم الأهالى والكثير منهم لا يتم انقاذه بسبب عدم وجود الكثير من الامصال المضادة لسم الزواحف وخاصة العقارب السوداء التى تتكاثر فى موسم الصيف. صياد يأتى برزقه لغيره الصيد يعد أيضا مهنة أساسية لأبناء المنطقة، فمدة رحلة الصيد ربما تقارب 10 أيام داخل البحر الأحمر، حيث يبحث الصيادون عن رزقهم وسط الأمواج الشديدة، ولكن فور عودتهم يفاجأون بموظفى البيئة فى انتظارهم ومصادرة ما رزقوا به، حيث يجمع عدد من الصيادين على أنه أثناء عودتهم وفرزهم للأسماك يعترض موظفو حماية البيئة عن أنواع السمك التى استخرجوها من البحر بحجة أنها معرضة للانقراض ويقومون بمصادرة الاسماك وعرضها فى مزاد علنى بمجلس المدينة وبيعها للتجار وهو ما يهدر حقوقهم. أحد الصيادين، طلب عدم نشر اسمه، أكد انه فى معظم الأحيان تتم مصادرة رزقهم من الأسماك وبيعها لغيرهم من التجار الذين يأتون من محافظات أخرى، مطالبا الأجهزة الرقابية بعدم مصادرة الاسماك منهم منذ البداية حتى لا يهدر حقه ومجهوده فى صيد تلك الأسماك وغربته داخل عرض البحر وتعرضه لمخاطر الصيد لعدة أيام. ويطالب آدم حسين، صياد، بأن يتم السماح لهم باستخدام وسائل صيد حديثة مثل استخدام الشباك فى الصيد، حيث ان وسيلة الصيد المسموح هى الوسائل البدائية مثل السنارة والشباك القديمة.