أحياناً.. يترك البنى آدم مِنَّا نفسه لمرجيحة الدنيا لتتلاعب به كيفما شاءت.. وهو الأمر الذى قد يفضى به إلى الجلوس على حافة زُحليقة الاكتئاب.. تلك الحافة التى لو لم يتدارك نفسه جيداً أثناء جلوسه عليها.. سوف يفاجأ بنفسه، وهو يرفع يديه لأعلى باستسلام تاركاً جسده لزحلقة مروعة تهبط به إلى أسفل هبوطاً ذريعاً عبر منحنيات حلزونية وملتوية على بعضها البعض.. ليصبح الوضع أشبه بكليب من الفيلم الأيقونة «The wall» لPink Floyed.. تلك الزحلقة لو لم يتدارك البنى آدم مِنَّا نفسه بسرعة إزاءها.. ويتشبث بجوانب الزحليقة مُفرملاً نفسه ومُوقفاً هبوطه المستمر لأسفل.. لن يكون أمامه بعدها عند نهاية الزحليقة سوى برميل الأيام السوداء فاغراً فاه فى انتظاره.. وعندها.. لا ينبغى على المرء أن يلوم إلاَّ نفسه! جميعنا.. سواء كنا أفراداً أم شعوباً.. متحضرين من ساكنى المدن أو بدائيين من ساكنى إحدى الجزر المجهولة فى المحيط الأطلنطى.. فقراء أو أغنياء.. أياً كنا وأياً كان شكل حياتنا.. جميعنا معرضون للشعور فى بعض الأوقات بالاكتئاب.. قد تختلف أسباب ذلك الاكتئاب من شخص لآخر.. ولكن.. جميعنا مُعَرضون له.. هذا ما نشترك فيه جميعاً كبشر.. أما بقى عن آلياتنا الدفاعية للتغلب على هذا الشعور الخانق والمقبض بالاكتئاب.. فهذا هو ما يجعلنا مختلفين عن بعضنا البعض.. تلك الآلية الدفاعية التى نواجه بها لحظاتنا السيئة فى الحياة هى الفرملة القادرة على إيقاف زحلقتنا المروعة.. وهى ضمانتنا الوحيدة لنجاتنا من الوقوع فى البرميل! ولكن.. هل الأمر بتلك السهولة؟! أكتئب وأصاب الإحباط.. فأفتح درج المكتب واستخرج منه آلية دفاعية ضد الاكتئاب.. وخلاص على كده؟! لأ طبعاً.. الأمر ليس بتلك السهولة.. فالآليات الدفاعية لا تُباع فى الأجزاخانات والسوبر ماركت.. ولا توضع فى دواليبنا وأدراج مكاتبنا.. الآليات الدفاعية لمواجهة أى أزمة أو عقبة فى الحياة موجودة بداخلنا.. وتحتاج لاستخراجها من داخلنا وتفعيل نشاطها وظبطها على الوضع activate إلى قرار.. قرار حاسم نتخذه بمنتهى الصرامة مع أنفسنا بعد أن نسألها.. «طب وبعدين»؟!. والإجابة هى.. ولا قبلين.. حنسيب نفسنا خالص.. واللى يحصل يحصل.. وإنشا الله تولع.. حنعمل إيه يعنى؟! تلك هى الإجابة التقليدية التى نعرفها جميعاً.. نكتئب ثم نفقد توازننا.. ثم ندع نفسنا بعدها لمرجيحة الأيام.. وزحليقة الاكتئاب!. طيب هل توجد إجابة أخرى؟! طبعاً توجد إجابة أخرى.. ولكنها أصعب بكثير من الإجابة السلبية الأولى.. الإجابة الإيجابية هى أن تحاول تخيل نفسك، وقد تخطيت تلك الحالة من الاكتئاب.. أن تحاول تخيل ما الذى يمكن أن يحدث إذا حاولت الاحتفاظ بتوازنك مرة أخرى؟! طبعاً عزيزى المكتئب سوف تجيب.. «وهو أنا لو قادر أتخيل حاجة.. كنت اكتأبت».. والآن اسمحلى أن أستعير من إجابتك إجابتى.. أنت مكتئب لأنك غير قادر على تخيل شىء.. اكتئابك أغلق خلايا الخيال فى عقلك.. فأصبحت غير قادر على رؤية شىء سوى اكتئابك.. وفقدت توازنك.. لو كنت لا تزال قادراً على الخيال.. لن تكتئب وسوف تستطيع الاحتفاظ بتوازنك.. لو أيقنت بينك وبين نفسك أن الاتزان صعب ويحمل فى داخله أوجاعاً كثيرة.. وأن ترك نفسك لزحليقة الاكتئاب سهلاً ويحمل فى داخله راحة كبيرة. لو أيقنت أن صعوبة الاتزان سوف تتحول إلى راحة فيما بعد تخلصك من اكتئابك.. وأن سهولة الوقوع سوف تتحول إلى صعوبة بعد ترك نفسك لبرميل الأيام السودا لتقع فيه.. لو أيقنت ذلك جيداً.. لاخترت الصعوبة التى تعقبها راحة.. ولابتعدت عن الراحة التى تعقبها الصعوبة.. لو أيقنت ذلك.. لعرفت جيداً أن الآلية الدفاعية تكمن فى ذلك التفنيط لأوراق موقفك الحياتى.. ذلك الموقف الذى ينبغى عليك ألا تدعه يفلت من بين يديك.. وإلا سوف تندم كثيراً بعدها! يقول المحلق الأعلى للقوات المحلقة.. الرابض فى أحراش الخيال.. المتحرش ببنات الأفكار.. الراكض عبر غابات الإبداع.. المتسلق بحبال الفكر.. القافز فوق سحابات اللا ممكن.. المحلق «وليد طاهر».. «يا تصبر على الاتزان وتعيش تعبان موجوع.. يا تختار الراحة وبهدلة الوقوع»!