نظرات سريعة لا تحمل أي دهشة، كان المارة بشارع طلعت حرب في وسط البلد، يوجهونها لحشد الصحفيين المتجمع أمام مسرح راديو، حيث انعقاد المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلامي الساخر باسم يوسف، ففي النهاية «مجرد حلقة يصورها باسم». «سياسة ساخرة» في ساحة المسرح، المقابلة للقاعة المغلقة التي كان يتم فيها تصوير الحلقات، لا تزال لافتات البرنامج الضخمة مثبتة على الأرض، خلفيتها مطلية باللون الأحمر القاتم، إحداها تستقبل ضيوف البرنامج بكلمات «سياسة ساخرة جمهور حقيقي»، وأخرى تحمل اسم البرنامج، الذي كان ينتظره ملايين المصريين في كل جمعة من مؤيديه ومعارضيه. «أهلا بكم في البرنامج» قبل أن يبدأ «يوسف» مؤتمره الصحفي، بدا كل شيء متجمدًا داخل قاعة المسرح، نفس الخلفية التي كان يخرج من أمامها «باسم» كل أسبوع، وهو يقول ضاحكًا بصوت عالٍ: «أهلا بكم في برنامج البرنامج، ثم يلقي إحدى عباراته الضاحكة فيضحك الجميع». الصفوف الأولى ليست كالمعتاد، فالمسرح الذي كان شاهدًا على صفوف أمامية يزينها حضور الفنانين والسياسيين، سيطر عليها صحفيون معلقة كاميراتهم فوق أكتافهم، الحديث يدور ما بين عرض جديد أو قناة مختلفة أو مد لفترة الإجازة، لكن كلمات باسم يوسف لم تكن متوقعة. «أنا تعبت» تأخر المؤتمر ساعة كاملة، توقع الصحفيون أن المؤتمر سيتم تأجيله، لكن شيئًا بدأ يتسرب في نفوس الجميع، بأن البرنامج لن يستمر، لم تكن الورود تفترش طريقه منذ البداية، واليوم الأشواك تنتشر في كل مكان لتضع نقطة النهاية. «أنا تعبت م المعافرة ومن الخوف على نفسي وعيلتي».. بهذه الكلمات أطلق باسم يوسف «رصاصة الرحمة» على برنامجه ابن السنوات الثلاث.. صحيح البداية صادمة، ولكنها قالت كل شيء، ولم يكن الحضور في حاجة إلى معرفة المزيد للتأكد من أن البرنامج توقف ولن يعود مرة أخرى. «مش قادر أديك» فضول الصحفيين، دفعهم سريعًا لمعرفة كل شيء، وبمجرد فتح الباب لأسئلتهم، بدا باسم برغم كل المرارة التي تضمنها حديثه، يستعيد بعض روحه المرحة التي اشتهر بها طيلة حلقاته. سريعًا، سأله أحد الصحفيين إذا كان سيقدم برامج أخرى، فأجاب «يوسف» ساخرًا: «أنا مش قادر اديك»، لم تمر لحظات حتى اكتست ملامح باسم بالحزن مرة أخرى، ليقول: «أنا عايز أعمل شغلي بس مش عارف». صحفي آخر سأله: «هل تعتبر توقف برنامجك إقصاء للمعارضة في مصر؟».. أجاب باسم باختصار ساخرا: «نحن نعيش في أزهى عصور الديمقراطية». «اشتباك خفيف» ثم تناول أحمد سميح مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ونبذ العنف «المايك»، قائلا: «موقفك لا يليق بثوري»، فرد «باسم»: "أنا مش هسمح بالمزايدة"، حينها قاطعه سميح محاولا شرح موقفه: «لا أقصد مزايدة، ولكن قد يعتبره البعض انسحابًا».. فرد الإعلامي الساخر سريعًا: «الثوار أكتر ناس زايدوا على بعض». «النهاية» بعد انتهائه من حديثه، دعا باسم يوسف جميع فريق البرنامج إلى الصعود معه على المنصة التي طالما قدم حلقاته من عليها، وقفوا جميعًا إلى جوار بعضهم، وفجأة رفع باسم لافتة بيضاء مكتوبا عليها «النهاية»، وكأنه آخر مشاهد الأفلام العربية القديمة، فرد جمهور الصحفيين بضحكة.. ليعلق أحدهم «لا يزال باسم قادرًا على الاحتفاظ بسخريته برغم كل شيء».