عادت عمليات التشويش المتعمدة التى ظهرت أمس الاول على قنوات «النهار» و ال «سى بى سى» و«المحور» لتفجر من جديد العديد من التساؤلات حول المصدر المجهول وراء تلك الاعمال والهدف منها خاصة بعد أن أكدت مصادر رسمية بالقمر الصناعى «النايل سات» وجود تشويش متعمد من خارج مصر من المرجح أنه قادم من الأردن. لم تكن تلك هى الحالات الاولى للتشويش فى الفترة الاخيرة والتى بدأت منذ عمليات التشويش التى طالت برنامج «البرنامج» للمذيع الساخر، باسم يوسف، على مدار اسبوعين متواصلين، التى حظيت باهتمام اعلامى كبير، وسط اتهامات متبادلة حول مرتكب التشويش بين اتهام قناة ام بى سى بالتشويش عن نفسها واخرى تتهم جهات سيادية بينما خرجت مجموعة من الشباب لقبوا انفسهم بجيش مصر الالكترونى أعلنوا مسئوليتهم عن القيام بعمليات التشويش. «الشروق» حاولت الاجابة على تلك التساؤلات والبحث عن اسباب حدوث عمليات التشويش وانواعها. • كيف يتم التشويش؟ حسب عدد من الدراسات العلمية ينقسم التشويش إلى نوعين رئيسين، التشويش المدارى وهو الاكثر استخداما بين طرق التشويش، حيث بوسعك التشويش على الهدف الذى تقصده، وأيضا يمكن من خلاله بث إرسال مضاد يظهر على القناة المشوش عليها. ويعتمد التشويش المدارى على إرسال تردد القناة المراد التشويش عليها لنفس القمر الصناعى الذى يبث القناة، ولكن يكون تردد التشويش أكثر قوة حتى يستطيع أن يسبق التردد الحقيقى للقمر الصناعى، الذى بطبيعة الحال يقوم ببث التردد القادم لجميع الاطباق فى البيوت، مثلما فعلت إسرائيل فى حرب لبنان فى 2006 عندما استولت على ارسال قناة المنار التابعة لحزب الله، وأعادت بث مقاطع مصورة مضادة للحزب تدعو إلى الانسحاب من الحرب. التشويش الأرضى يختلف التشويش الارضى عن المدارى فى انه ينتظر بث القمر الصناعى لتردد القناة المراد التشويش عليها إلى الأرض، ليتم تشويه التردد أثناء عودته حيث تستقبله الاقمار فى البيوت عبر إرسال موجات مضادة على مساحة معينه، وبحسب قوة جهاز التشويش ومداه، تشكل سحابة كهرومغناطيسية تصيب التردد القادم من القمر الصناعى، فتجعل الصورة غير واضحة ومتقطعة، مثلما حدث مع برنامج «البرنامج». ولا يستطيع مستخدم التشويش الارضى إعادة بث مقاطع اخرى لأنه لا يعتمد على الوصول للقمر الصناعى الذى يحول إشارة البث إلى مختلف الاماكن. فى حين نشرت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» تقريرا مصورا على موقعها الإلكترونى حول كيفية التشويش على القنوات الفضائية، معتبرة أن التشويش بشكل عام، هو نوع من الحرب الإعلامية التى برزت مؤخرا، وخاصة بين الدول العربية التى تخاصمت بعد اندلاع ثورات «الربيع العربى». ويوضح التقرير أن التشويش يحدث عندما ترسل قنوات البث الإشارات إلى قمر صناعى فى الفضاء، ويعيد القمر بثها إلى المشاهدين، ولو أرسلت جهات التشويش ملايين الإشارات إلى القمر الصناعى فى نفس الوقت، تقل جودة الإشارات التى يستقبلها المشاهدون، مما يؤدى إلى قلة وضوح الصورة أو تجمدها عشوائيا أو فقدانها تماما. وأضاف التقرير: «من الممكن التعرف على جهات التشويش باستخدام قنوات صناعية أخرى، ومقارنة الإشارات، لكن عادة السلاح الحقيقى الوحيد ضد التشويش هو الضغط الدولى»، مشيرا إلى أن التشويش ممنوع قانونا طبقا للاتفاقات الدولية، ولكن لا تزال بعض الدول تمارسه، وتتهم إيران بتشويش عدة قنوات دولية، وكذلك تتهم دول أخرى مثل الصينسوريا وإثيوبيا. وقدمت «بى بى سى» الحكومة الإيرانية كمثال لعمليات التشويش للدول، خاصة بعد أن رصدت العديد من الابحاث خروج الموجات من داخل إيران للتشويش على القنوات وفرض رقابة عليها، وفى المقابل أكد التقرير أن ايران اتهمت الفنيين البريطانيين بتشويش قنواتها فى البحرين. من هو المشوش؟ ترددت تساؤلات عديدة بعد حادثة التشويش على برنامج باسم يوسف، عن مصدره ومرتكبه، فى ظل شائعات متناقضة حول الجانى، ويقول استاذ كلية الإعلام وخبير تجديد وسائل الاتصال والاعلام، دكتور أيمن صلاح، أن أغلب ما نشر وقيل حول ظواهر التشويه عار من الصحة، موضحا أنه لكى يتم إرسال الإشارة من القمر الصناعى يجب تحديد مجموعة من العوامل، منها التردد والإشارة إلى المنطقة المراد تغطيتها، ويتم بث كل إشارة بقوة محددة حتى تصل من القمر الصناعى إلى الأرض، ويتم التحكم فى شدة الإشارة من المراكز الأرضية. يضيف صلاح: «إذا أردنا التشويش على قناة محددة، فالموضوع سهل جدا فنيا وصعب جدا عمليا، حيث أن الأمر يحتاج إلى مولد للإشارات يتم ضبطه على نفس تردد القناة، وتبدأ عملية التحكم فى حجم التشويش عبر قوة الإشارة، فإذا اردت مجرد التشويش تعطى أمرا برفع 80% من شدة الإشارة، أما إذا أردت أن تقطع الارسال تماما ترفع قوة الاشارة لنهايتها». ويشير الخبير إلى أنه لجعل التشويش صعبا، يجب الحصول على «هوائى» (Antenna)، ومن خلاله ترسل إشارات تغطى مساحة كبيرة بحجم القاهرة الكبرى على سبيل المثال، وهو أمر تعجيزى لأن فى تلك الظروف ستحتاج إلى مقدار من طاقة عالى للغاية يصعب توفيره. ويؤكد أنه لم ير اجهزة تشويش بهذه الفاعلية فى مصر نظرا لصعوبة الحصول عليها، فضلا عن ثمنها الباهظ الذى يجعل من المستحيل أن يكون الفاعل مجموعة من الافراد العاديين، قائلا: «اجهزة التشويش دى مستحيل تدخل مصر بسهولة». ويختم حديثه: «هذا تفسير يعطى معانى واضحة ودقيقة بأن هناك 4 أماكن فى مصر فقط قادرة على التشويش، هى «اتحاد الإذاعة والتليفزيون، مدينة الإنتاج الإعلامى، إضافة إلى محطة القمر الصناعى بالمعادى والجهات العسكرية. أجهزة التشويش تختلف اجهزة التشويش بحسب الحجم والشكل وقوة التأثير، فيمكن لجهاز أن يكون تأثيره ممتدا لآلاف الكيلومترات، واخرى إلى بضعة مئات، وهناك من يكون تأثيره مترا واحدا، وبحسب خبير الاتصالات المهندس رءوف قدرى الذى يقول: «كلنا معرضون للتشويش اليومى دون أن نلاحظ، فأحيانا كثيرة اثناء السير بالسيارة والاستماع إلى الراديو على تردد محطة معينة، تتفاجأ بحدوث تشويش، وتظهر اصوات اخرى لأغانٍ أو غيرها. ويوضح قدرى أن هذا يحدث نتيجة لمرور السيارة بجوار سيارة اخرى تستخدم الموجة المغناطيسية modulator»، ويمكن شراء هذا الجهاز من الباعة الجائلين ب10 جنيهات، ليقوم المشترى بتوصيله بالسيارة وضبطه على أى تردد يريد لسماع اغانٍ خاصة به، فيكون له تأثير التشويش على من حوله إذا ما تصادف تردد المحول مع تردد محطة إذاعية. وحسب موقع «نورث فيجين»، أحد اشهر مواقع بيع الالكترونيات فى العالم، هناك العديد من اجهزة التشويش فى العالم، بعضها مطروح للبيع على الانترنت، والآخر يعتبر سريا للغاية وتمتلكه اجهزة المخابرات الكبرى فقط. ويعتبر جهاز «808 ك أى» أصغر وأقل أجهزة التشويش سعرا على الإطلاق، حيث يمتد مداه ل5 مترات فقط بقوة 1600 ميجا هيرتز، بسعر يتراوح من 70 إلى 100 دولار، ويتميز الجهاز بانخفاض سعره بسبب صناعته الصينية. فى حين يعرض الموقع جهاز «25 دبليو» ضمن أجهزة التشويش الحديثة التى يمتد تأثيرها ل300 متر، ويمكن استخدام بطاريات السيارات كمصدر طاقة له، يأتى جهاز «100 واى سوبر» فى المراتب المتقدمة لأجهزة التشويش، حيث يعمل بطاقة كهربائية قليلة ويمتد مداره من 500 إلى 1000 متر، ويعمل على كل الانظمة الالكترونية. قوانين التشويش: جرمت أغلب دول العالم عمليات التشويش بعد أن اعتبرها عدد كبير من الدول ضمن جرائم الجاسوسية، بينما يجرم الاتحاد الدولى للاتصالات التابع للأمم المتحدة، الذى يضم عضوية 193 دولة، التشويش باعتباره انتهاكا لخصوصية وحرية الرأى فى العالم. فى حين تفرض الولاياتالمتحدة قوانين غليظة على مرتكب جرم التشويش، حيث تصل العقوبة بالحبس ل10 أعوام وغرامات تصل ل100 ألف دولار، بينما ينص القانون الكندى على أن يسجن المشوش مدة لا تزيد على عام وغرامة تصل ل25 ألف دولار. اقرأ ايضا أشهر 7 «شوشروا» على العالم