يعيش المخرج مجدى أحمد على حالة من النشاط الفنى المكثف، فبعد انتهائه من تصوير فيلم «عصافير النيل» يستعد لفيلم جديد يرصد نشأة الجماعات الدينية فى مصر حتى تغلغلها فى جميع نواحى المجتمع.. وفى نفس الوقت كانت الدراما التليفزيونية حاضرة فى خريطته الإبداعية، حيث يقدم قصة حياة الموسيقار الراحل بليغ حمدى فى مسلسل «مداح القمر». وفى هذا الحوار يفتح مجدى النار على صناعة السينما المصرية حاليا، ويعتبر أن 90% من أفلامها مسروقة من أفلام أجنبية، ويكشف عن رفضه إخراج أفلام لتحسين صورة السجون لأنها من إنتاج وزارة الداخلية، ويشكك فى مصادر تمويل بعض المنتجين، الذين يواصلون الإنتاج رغم خسائرهم المتوالية. يعترف مجدى بأن إنتاجه الفنى قليل، غير أنه يشعر أنه تخلص من تلك المشكلة مؤخرا، حيث تشهد الفترة المقبلة ظهور أكثر من عمل فنى له يقول عنها: انتهيت من تصوير فيلم «عصافير النيل»، وهو عن رواية للأديب الكبير إبراهيم أصلان وعدت من خلاله إلى كتابة السيناريو مرة أخرى، وأُحضر لفيلم سيكون مفاجأة للجميع، حيث يتناول التطرف الدينى ونشأة وسيطرة الجماعات الدينية فى مصر وسأبدأ تصويره بعد «عصافير النيل»، فضلا عن مسلسل «مداح القمر»، الذى سنبدأ تصويره الشهر القادم بعد تأجيله أكثر من مرة، وأحاول أن أنجز العديد من الأعمال لأنه لم يعد فى العمر بقية. كيف ستتناول تغلغل الجماعات المتطرفة داخل المجتمع؟ لا أريد الكشف عن تفاصيل الفيلم فى الوقت الراهن لأنه فى طور الإعداد، لكننى أكتفى بالقول إن السيناريو يكتبه محمد الرفاعى عن رواية أثارت جدلا بالمجتمع المصرى لدى صدورها. وكيف ترى قدرات السينما على التصدى للتطرف؟ إحنا كفنانين «غلابة».. وبنقول كلمتنا وبنمشى لكن الوضع منهار.. لأن الفنان لا يملك وسيلة للتعير عن موقفه سوى الأعمال الفنية.. وكل التيارات المعارضة تتعرض للقمع الشديد، وتقف منها الدولة موقفا عدائيا، وأظن أن القمع الحكومى للمعارضة بشكل عام ساهم فى تقوية التيار الدينى المتطرف. كيف؟ عندما تدعى الدولة الحرية والليبرالية لابد أن تحمى تلك الحرية، ولكن النظام الحالى لا يدافع عن مثقفيه فأصبحوا حفنة جبناء، والنظام فى المجمل مع التطرف الدينى ولا أملك دليلا على ذلك، ولكن نجاح الاتجاهات الدينية بمجلس الشعب كان بمساعدة الحكومة وتم ضرب الاتجاهات الليبرالية لصالحهم. هل تعتبر ذلك تواطؤا من الحكومة؟ بالفعل هو تواطئ سلبى وأحيانا إيجابى، لكنه فى النهاية يكشف عن اختراق الاتجاهات المحافظة للمجتمع وتكاد تكون رجعية، لأجنحة النظام، وللأسف الاختراق وصل إلى مدى بعيد. فكرة تحويل الروايات إلى أفلام.. لماذا اختفت فترة قبل أن تعود الآن على استحياء؟ معنى أن تبتعد السينما عن الرواية أنك تعتمد على نفسك ويوجد ما يسمى سينما المؤلف، وهو ما ثبت فشله، وكل ما يوجد حاليا فى مصر هو سينما رديئة جدا يكتبها أناس فى منتهى الرداءة وأكاد أجزم بأن 90% من الأفلام مسروقة من أفلام أجنبية.. أحيانا فكرة وأحيانا قصة وهكذا بمنتهى البجاحة، لأننا مجتمع بلا رقابة سواء نقدية أو مجتمعية أو ذوقية.. وما يحدث حرام وعيب.. لكن الآن السينما تعود للرواية فبعض الروايات الجيدة يتهافت عليها صناع السينما الآن. لماذا تأجل تصوير فيلم «عصافير النيل» عدة مرات؟ «عصافير النيل» لم يجد من يتحمس له لأنه فيلم له خصوصية شديدة ولا يحمل الطابع التجارى وعندما فاز بجائزة وزارة الثقافة تحمست له إسعاد يونس لأن الفيلم غير تجارى، وحتى لا يلتبس الأمر على أحد هناك فارق بين غير التجارى والجماهيرى لأنى أزعم أن «البوسطجى» و«السقا مات» و«الزوجة الثانية» أفلام جماهيرية، ولكن غير تجارية لأن الناس تشاهدها دون ملل، ولكن سقطوا فى شباك التذاكر. وكيف تعاملت مع الرواية؟ ركزت على شخصيتين فقط رغم احتواء الرواية على العديد من الشخصيات الثرية ولكننى اخترت الشخصيتين لتعلقهم بخط درامى ثرى ومبدع، ففتحى يلعب دور «عبدالرحيم» وتلعب عبير صبرى دور «بسيمة الموضة» وعبدالرحيم هو قروى يأتى من الريف إلى أخته وزوجها اللذين يعيشان فى القاهرة، ويعيش مفارقات القروى النازح للمدينة. عرض عليك سيناريست كبير تقديم فيلم عن «السجون».. فلماذ رفضت؟ كانت أفلاما تسجيلية عن السجون ورفضتها لأنى لا أستطيع صناعة أفلام عن جمال السجون، لأننى سأكون مطالبا بعرض وجهة نظر وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المنتجة للأعمال. البعض يحذر من «خلجنة» الفن المصرى.. هل لديك نفس المخاوف؟ صحيح وأرى أن المخطط وصل لنصفه.. والآن أنت لا تستطيع كسينمائى أن تتحدث عن تصرفات مرفوضة من البعض الآخر فى أى عمل فنى باسم احترام حريته الشخصية.. وأصحاب هذا المخطط يحاولون فرض حرية أن يمشى أى شخص «ملثم» فى الشارع، وهى سلوكيات غريبة على مجتمعنا ظهرت خلال السنوات الأخيرة. كيف تنظر إلى ظاهرة سينما العشوائيات التى غزت الموسم الحالى؟ أولا أنا أرى أن مصطلح «سينما العشوائيات» شديد الانحطاط لأنه يتعامل مع البشر كأنهم «ديدان»، والذى تسبب فى ذلك هو التعامل مع هؤلاء البسطاء وكأنهم مستودع للأمراض.. وأنا كنت حريصا مثلا فى فيلم «خلطة فوزية» على التعامل مع سكان العشوائيات ككائنات حية، تحمل كثيرا من قيم الطبقة الوسطى وأراهم نتيجة طبيعة لانسحاق الطبقة الوسطى المصرية وهجرتها للأطراف. وأقول إنهم ليسوا نباتات شيطانية وليسوا أولاد زنى تنتشر بينهم الدعارة والأمراض والمخدرات، ولكنهم أناس خلقوا لأنفسهم مكان يعيشون فيه بعد أن تخلت عنهم الحكومة.. هم ليسوا عشوائيين بل الوضع هو العشوائى، وللأسف هناك أشخاص تتاجر بالأحداث وتتعامل مع القشور. هل يغضبك مشاهدة بعض الأفلام؟ كلها تقريبا.. وصار عندى «خنقة».. وأنا الآن لا أستطيع مشاهده فيلم مصرى لأكثر من نص ساعة لأنها تشعرك بأنها تستهين بعقلك وطوال الوقت أشعر وأنا أشاهدها أننى «انضرب على قفايا».. وأن صناع هذه الأفلام لا يحترمون عقلى على الإطلاق، وأصبحت لا أدخل السينما إلا عندما يؤكد لى عدد كبير من الأصدقاء أن هذا فيلم يستحق المشاهدة. هل تحمل المنتجين المسئولية فى ظل التكتلات الحالية؟ هذا مرهون بذوق الشركات الاحتكارية، لكن ما يحدث الآن أن الشركات التى تحتكر الإنتاج «ذوقها هابط للغاية»، وحارب الموزعون إلهام شاهين كثيرا حتى يكون فيلم «خلطة فوزية» آخر تجاربها الإنتاجية، وأنا أرى أن المنتج المستقل مطلوب ضربه، وأنا أطالب هذه الاحتكارات أن تلعب على التنويع.. لكن أن تحاول تغييب الوعى وتقدم لنا سينما رديئة فهذا مرفوض، وبعض شركات الإنتاج تكرر تجارب رديئة رغم خسارتها، وهو ما يثير الدهشة والعجب.. وأنا لا أريد أن اتهم أحد بغسل الأموال ولكن ما أراه مخيف وغير مفهوم وهو أن هناك إفساد السوق وأصبح المناخ لا يشجع الفن بل الإسراف والبلاهة. مارأيك فى تجربة الأفلام القصيرة وازدهارها بمصر الآن؟ أنا عن نفسى أفكر جديا الآن بعمل أفلام قصيرة لأن لدىّ العديد من الموضوعات لا تصلح لأن تكون فيلما طويلا، فلذلك الفكرة تلح على بشدة، خصوصا أن العديد من المهرجانات باتت تستقبل تلك الأفلام وتقدرها. إذا تحدثنا عن «مداح القمر» هل ترى فى حياته ما يستحق مسلسلا كاملا؟ أولا ليس كل فنان صالح لتقديم حياته فى عمل درامى لأنه لابد أن تكون حياة الفنان بها دراما وبها رؤية، فمثلا حياة محمد عبدالوهاب لا تصلح لتقديمها فى مسلسل لأنه تفادى أن يكون بحياته دراما، وعاش حياته للفن فقط فلم يعاد أحد أو يثير دراما فى حياته.. أما بليغ فحياته مليئة بالدراما والمآسى وحملت جروح وطن وآلامه.. وأنا مع تقديم الفنان كإنسان فى جميع الأحوال بدون تشويه وبدون تقديم صورة ملائكية، ولذلك يجب أن أكون صادقا فى نقل الفنان لأنه لحم ودم وإنسان بفنه وأخطائه.. ولابد أن تحب الآخر بما هو عليه. البعض لديه فضول شديد لمعرفة كيف ستتناول واقعة اتهامه فى قضية مقتل سميرة مليان؟ بليغ حياته كانت مأساة وطن فى انتصاره وانكساره، وكان بسيطا للغاية، وكان يكره الألحان التى يصنعها ولا يرددها الناس.. وسيتم تقديم العمل كحلقات منفصلة متصلة وسيكون بكل حلقة موضوع متكامل فى حياة بليغ، وأما سميرة مليان فسنقدم قصتها الحقيقية.. ومن المعروف أن بليغ لا علاقة له بذلك الموضوع ولكن سنظهر عيوب شخصية بليغ التى أوقعته فى تلك الأزمة، والعمل يشارك فيه أكثر من 400 فنان. ومن سيقدم أغنيات وردة بالمسلسل؟ ممثله من تونس اسمها سناء يوسف وستقدم بروفات وردة.. أما الأغانى الحقيقية لورده فسنأخذها كما هى، وسأستعين أيضا بوعد البحرى لأداء دور ميادة الحناوى.. ولكن فى النهاية سيكون هناك العديد من المفاجآت. ألم تواجه مشكلات مع الورثة؟ على العكس كل ورثة بليغ حمدى فى غاية الرقة واللطف ووافقوا على أن نتناول حياة بليغ حمدى باعتباره بشرا من لحم ودم.