• الأهالى يتجمعون فى دار ضيافة نوبى.. وكبار القبيلة ينصحون الشباب بعدم الاحتكاك بالقبيلة الأخرى يخطو عبدالله الدابودى، هكذا عرف نفسه، بين حوارى السيل الريفى، ميدان المعركة القبلية بين الهلايل والدابودية شرق أسوان، غير عابئ بالأمتار القليلة التى تفصله عن أقرب منازل الهلالية المحترقة فى «فتنة العبارات المسيئة»، ويقول: «لم أعد خائفا، بعد الهدنة كل واحد عايش فى حاله». عبدالله يدرس بالمرحلة الثانوية، ويأمل بأن تفى الحكومة بوعودها بعودة الدراسة الأسبوع المقبل، وإعادة فتح المدارس التى تقع فى خور عواضة، معقل الهلايلة، حتى يعاود ممارسة حياته بشكلها المعتاد، ورؤية اصدقاء الدراسة الذين انقطعوا عنه بعد الفتنة، يضيف: «هروح المدرسة وأعيش عادى ومش خايف من ابناء الهلايلة». يشارك الدابودى، ذو ال 16 ربيعا، أولاد عمه فى استقبال الإعاشة اليومية التى تمد دار الضيافة النوبى، الذى يجمع بين جنباته الأسر النوبية المشردة بعد احتراق منازلها فى «خور عواضة»، وذلك لسيطرة الهلايلة على المخابز الواقعة بمنطقة السيل الشعبى، يقول الصبى: «حصة الخبز تأتى لنا مرة واحد عصر كل يوم، لخوفنا من مغامرة الانتقال إلى مخابز الهلايلة». على أبواب دار ضيافة النوبى، يجلس شباب الدابودية فى حضرة كبار عائلاتهم ينصتون لنصائحهم حول تداعيات الفتنة، وضرورة النأى بالنفس عن الخوض فى معارك طائشة، قد تنجم خطرا داهما عقب الانتهاء من الهدنة. الدار تقع فى منتصف القرية، يتوافد عليها النوبيون من أبناء الدابودية من كل حدب وصوب، فى الصباح يخرجون إلى أعمالهم فى مجموعات صغيرة، تجنبا للاحتكاك، وفى المساء يتسامرون حول الأوضاع، ما يعكس الحال التى بدا عليها المعسكر النوبى. فى ركن منزو بدار ايواء الدابودية، يجلس صلاح الدين بحر، على أحد المقاعد الخشبية القديمة، يندب حظه العاثر بعد احتراق 3 محال لأسرته بين منازل الهلايلة اثناء الاشتباكات، يقول: «العلاقات الأسرية القديمة قضت عليها الفتنة الصبيانية، واستحالة أن أجد عملا جديدا وسط الهلالية». بحر يعمل فى مجال الإكسسوارات ولم يخطر على باله يوما أن يسلك النشاط السياحى، الذى يعمل به أغلبية ابناء القبائل النوبية بأسوان، ومازال أمره معلقا حتى الآن بين الحصار الثأرى وقلة حيلته فى عمل جديد. حاول الشاب أن يجس نبض الهلايلة تجاه عودته لعمله دون أن يمسه مكروه، إلا أنه قوبل بالرفض الشديد وكاد أن يدفع حياته ثمنا لذلك الطلب: «ذهبت إلى جيران المحل لتجديد محالى المحترقة وفوجئت بأحدهم يندفع نحوى بسلاحه الأبيض للقصاص منى، وأنقذنى أبناء قبيلتى من الموت المحقق»، فى إشارة إلى تفتيت العلاقات بين ابناء القبيلتين. الصوت المسيطر على أبناء دابود فى دار الضيافة هو «النوبة أسياد البلد.. والهلايلة إما أن يلتزموا الصمت أو يعودوا كما جاءوا إلى الصعيد»، يقول بحر بغضب شديد: «لم يعد أمامهم سوى الرحيل للصعيد». بلحية كثة تكاد تخفى معالم وجهه، وقف حجاج الشحات، يترقب المواكب الرسمية التى تصل إلى موقع الأحداث، ينطق عجاج بلغة تسمعها بالكاد: «نأمل ان تظل فى سلامة، والمصالحة ستفصل بيننا وبينهم».