بعد أن أعلنت رئاسة الوزراء عن سماحها باستخدام الفحم كوقود للصناعة، ضمن مزيج الطاقة الجديد المستخدم فى مصر، أبدى كثير من المستثمرين فى مجالات الطاقة والأسمنت، ارتياحهم للقرار، خاصة وأن الأسمنت كانت أهم الصناعات التى دعت إلى إدخال الفحم إلى مزيج الطاقة المصرى. والتقت «الشروق» بثلاثة من رجال الصناعة والطاقة، لتستوضح منهم أسباب حماسهم لاستخدام هذا الوقود الذى ظل لعقود طويلة غير مطروح استخدامه. تامر أبوبكر، رئيس لجنة الطاقة فى اتحاد الصناعات، ومحمد شعيب، العضو المنتدب لقطاع الطاقة فى مجموعة «القلعة»، والرئيس السابق للشركة المصرية للغاز الطبيعى، ومدحت اسطفانوس، رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات، ورئيس القطاع التجارى بمجموعة «تيتان» اليونانية للأسمنت، والتى تتبعها فى مصر شركتا «بنى سويف»، و«الاسكندرية» للأسمنت، تحدثوا مع «الشروق» عن الأسباب الاقتصادية للجوء للفحم، والتى تتعلق بأزمة الطاقة التى تتعرض لها مصر وتجعل من الفحم بديلا «حتميا».
مدحت استفانوس: مصر تواجه أزمة طاقة.. وصناعة الأسمنت كانت كاشفة لها • إذا خيرتنى بين أن يموت المواطن الآن من البطالة والجوع أم يموت من الفحم بعد 40 سنة.. أقول يموت من الفحم بعد 40 سنة أفضل • أتحدى أى جهاز من أجهزة الدولة أن يبرز ورقة بحثية معتمدة من أى مكتب استشارى محلى أو عالمى تفيد بضرورة تجنب استخدام الفحم الفحم ليس به زئبق او رصاص والكلام الذى يقال من تأثيراته السلبية غير علمى تركيا من أكثر عشر دول مستخدمة للفحم، وإسبانيا تستورد 60 مليون طن من الفحم وهما من اهم المقاصد السياحية «هناك ازمة طاقة واضحة، وصناعة الاسمنت ليست السبب فيها لكنها كانت كاشفة لها»، هذا ما بدأ كلامه مدحت استفانوس، مشددا على ضرورة الإسراع فى استخدام الفحم لمعالجة هذه الأزمة. «كفاية تهريج البلد تغرق فى أزمة طاقة والحكومة تماطل فى اتخاذ القرار السليم الذى يحل الأزمة وهو استخدام الفحم. والسبب «مجهول». شركات الأسمنت، والصناعة بصفة عامة، هى أول من يدفع فاتورة نقص الطاقة، لا سيما أنه «اتضحك علينا فى فترات سابقة بكلام عن احتياطات هائلة من الغاز، واتضح الآن ان هذا الكلام غير صحيح». ويقول استفانوس، لماذا يرفض البعض استخدام الفحم، بسبب ادعاءات عن أضراره الصحية والبيئية، فهذا غير صحيح، لأن عملية إنتاج الأسمنت تحرق كل الانبعاثات الضارة، وحقيقة الأمر «إذا خيرتنى بين أن يموت المواطن الآن من البطالة والجوع، أم يموت من الفحم بعد 40 سنة، أقول يموت من الفحم بعد 40 سنة أفضل»، مشيرا إلى أن البطالة التى قد تنتج عن توقف المصانع، قد تتسبب فى قتل الآلاف الذين سيفقدون عملهم. وينتقد استفانوس «ادعاءات» وزارة البيئة التى تتعلق بأضرار استخدام الفحم على السياحة، وتعطيلها للقرار، «الوزير لم يكن فى يده القرار وإنما لجأ أن يؤجل القرار»، متحديا أن يبرز أى جهاز من أجهزة الدولة ورقة بحثية، معتمدة من أى مكتب استشارى محلى أو عالمى تفيد بضرورة تجنب استخدام الفحم. ويضيف «المفارقة أن جميع مسئولى وزارة البيئة قد وافقوا فى العام الماضى على استخدام الفحم مع التأكيد على عدم وجود أضرار بيئية أو صحية له». ويؤكد استفانوس، أن مصانع الاسمنت تلتزم بالمعايير البيئية، «بقياس الانبعاثات داخل أحد مصانعنا فى الاسكندرية، وجدت أن معدل التلوث على الكورنيش خارج المصنع أعلى منه داخل المصنع»، منتقدا دور الدولة فى عدم التزامها بدورها من حيث معاقبة الشركات التى لا تلتزم بالمعايير البيئية. «ليس من المفترض أن نقوم بدور الدولة أيضا». كما يرى استفانوس أن هناك مقولات غير علمية يتم اطلاقها فى هذا المجال، منها ان الفحم به زئبق ورصاص، وهذا الكلام غير علمى، لأن الفحم ليس به رصاص أو زئبق.. والأهم من ذلك أن الفحم أكثر تلوثا فى عملية استخراجه وليس عند نقله كما يقال، وهو لن يتم استخراجه فى مصر، ومن هنا تكون أيضا الادعاءات غير سليمة»، مشيرا إلى أن المازوت مثلا أكثر تلويثا من الفحم. وفيما يتعلق بأضرار استخدام الفحم على السياحة، يقول استيفانوس إن تركيا، التى تعد مقصد سياحيا هاما فى العالم، هى من أكثر عشر دول مستخدمة للفحم، حيث تستورد 75 مليون طن من الفحم سنويا. فى الوقت نفسه، تستورد اسبانيا وهى مقصد سياحى مهم جدا فى العالم 60 مليون طن من الفحم. تحويل المعدات فى المصانع لاستخدام الفحم، سيكون مفيدا على المدى الأبعد، كما يقول رئيس شعبة الأسمنت، لأن «عندنا احتياطى من الطفلة البترولية فى منطقة المثلث الذهبى للتعدين، وأبوطرطور، وهذه كلها بدائل للطاقة تعامل معاملة الفحم، وبالتالى ستكون البنية التحتية مؤهلة لاستخدام تلك البدائل فى المستقبل بعد البدء فى استخدام الفحم فى المصانع، وسيكون هدف كل مصنع أن يلجأ لهذه الأنواع البترولية الجديدة لا سيما أنها محلية»، بحسب قوله، مضيفا أن المعلومات المتاحة لا تكشف بعد عن النسب المستهدفة لهذه البدائل، والوفر الذى يتنج عن استخدامها. وعن الفترة التى تحتاج إليها المصانع للتحول للعمل بالفحم، يقول استفانوس «إذا بدأنا فى استخدام الفحم حاليا، سيتم العمل به فى 50% من مصانع الاسمنت بنهاية العام الجارى.. الصيف القادم ضلمة، وهذا بسبب تأخير بدء عملية التنفيذ»، بحسب قوله، مشيرا إلى أن الغاز الذى سيتم توفيره من مصانع الأسمنت، يوفر الغاز لأربع محطات كهرباء.
تامر أبوبكر: تنويع مصادر الطاقة وإدخال الفحم ضرورة مع تزايد عجز الطاقة • خطأ أن نقول «ولا تقربوا الصلاة».. والأصح أن نسمح باستخدام الفحم ونضع المعايير لضمان سلامة البيئة وصحة المواطن استهلاك مصر المتزايد من الغاز والزيت الخام، الذى يبلغ حاليا 74 مليون طن، بحسب تامر أبوبكر، مع ثبات الإنتاج المحلى، الذى يبلغ بدوره 46 مليون طن حاليا، أو «زيادته بنسبة ضئيلة»، يجعل من عجز الطاقة الذى تواجهه البلاد، خطرا حقيقيا يهدد الصناعة والاقتصاد القومى فى البلاد. ووفقا لدراسة اعدها اتحاد الصناعات، يتوقع أبوبكر أن يصل هذا العجز، مع نمو سنوى تقدر قيمته ب6%، إلى ما يقرب من 96 مليون طن سنويا فى عام 2030، و«هذه كارثة يجب تداركها على الفور، والحل الأمثل لذلك هو تنويع مصادر الطاقة، والفحم يجب أن يكون بندا أساسيا فى الخليط الجدى»، «الصناعة تستحوذ بمفردها على ما يقرب من 37% من إجمالى استهلاك الطاقة فى مصر، ومن ثم فإن إحلال الفحم كبديل فى مصانع الاسمنت بات ضروريا، كخطة أولى لتوفير كميات هائلة من الغاز يمكن توجيهها إلى احتياجات الكهرباء». «أزمة الطاقة تفاقمت، ولم يعد هناك مجال للتأخير فى إيجاد مزيج للطاقة، والعمل به، ليس فقط فى إطار خطة قصيرة الأجل، وإنما من خلال تحديد خطة طويلة الأجل تمتد إلى 2030 أو 2035، مثل جميع دول العالم». فى هذا الإطار، يقترح اتحاد الصناعات تصورا لمزيج الطاقة فى 2030، يتكون من 50% غاز، 4% بترول، 2.6% مائى، 6% نووى، 6% حيوى، 6% فحم، 8% رياح. ولكن «حاليا وعلى المدى القصير لابد من العمل بالفحم، ولقد تأخرنا طويلا فى تطبيق هذا القرار، بسبب أعذار غير علمية وغير مقبولة.. فليس من الطبيعى التعميم فى عدم استخدامه بسبب أضراره، فأنا لا أستطيع أن أقول «ولا تقربوا الصلاة»، وإنما من الممكن الموافقة على استخدام الفحم، مع اعتماد المعايير والاساليب التى تحافظ على سلامة البيئة والمواطن».
محمد شعيب: الحمل الإجمالى للكهرباء فى مصر يزيد عن الكهرباء المتاحة بما يعادل 12 ساعة متصلة • الموارد المالية محدودة وعلينا اختيار مزيج طاقة يتماشى مع قدراتنا تنويع مصادر الطاقة فى مصر أصبح مسألة «أمن قومى» ولا يحتمل أى تأخير لو اعترفت الحكومة بالتكلفة الحقيقية للطاقة التقليدية ستصبح الطاقة البديلة مجدية اقتصاديا «أزمة الطاقة فى مصر باتت خطيرة»، هذا ما بدأ به كلامه محمد شعيب، مشيرا إلى أن الحمل الإجمالى للكهرباء فى مصر يزيد عن الكهرباء المتاحة بما يعادل 12 ساعة متصلة، لذلك بات ضروريا إيجاد خطة لتأمين موارد الطاقة على المدى الطويل، وأن تكون هذه الخطة قابلة للتنفيذ. «لضمان تحقيق ذلك لابد أن نتحرك من واقع الموارد المتاحة فى مصر، فلابد من ربط الطاقة بالاقتصاد ومعدلات النمو فى كل دولة، ومن هنا نستطيع أن نتعرف قدرة كل دولة على توفير السيولة اللازمة لاستيراد الطاقة التى تحتاجها من عدمه، فمصر لا تستطيع أن توفر التمويل اللازم لاستيراد احتياجاتها من الطاقة لا سيما مع فاتورة الدعم الكبيرة التى تتحملها». اليوم لا يوجد مشكلة فى البنزين، أو السولار ولكن ذلك بسبب أن الدول العربية مدت مصر بكميات إضافية، ولكن هل ستظل الدول العربية تفعل ذلك بصورة مستمرة! لقد انخفض ما يتم استخراجه من غاز طبيعى فى مصر من 6 آلاف مليون قدم مكعب قبل 5 سنوات، إلى 5 آلاف مليون قدم مكعب اليوم، كما يوضح شعيب بسبب توقف الشركاء الأجانب عن عمليات البحث والاستكشاف لتراكم مديونية الحكومة لهم، وذلك بسبب توجيه كل الموارد المالية المتاحة لدى الوزارة للاستيراد لتلبية احتياجات السوق. «الموارد المالية المتاحة لدى الحكومة المصرية باتت إذن محدودة ومن ثم يجب أن تأخذ الحكومة فى الاعتبار عند اختيارها مزيج الطاقة التى ستعمل به تحقيق معادلة سعرية تتماشى مع قدراتها المالية». ويضرب شعيب مثال اليابان التى رغم قدراتها المالية المرتفعة، قررت عند استيراد حاجاتها من الطاقة، ألا تعتمد على مصدر واحد، بل قامت بتنويع وارداتها من الطاقة ما بين فحم، وغاز، وبترول، فتنويع مصادر الطاقة اتجاه عالمى، وفى حالة مصر هو «أمن قومي»، يقول شعيب. ووفقا لآخر تقرير احصائى عالمى، بلغ استهلاك العالم من مصادر الطاقة فى 2012، 12.5 مليار طن بترول مكافئ منها، 34% زيت خام ومشتقات بترولية، و30% فحم، 24% غاز، 6% نووى، و2% متجددة، والباقى مائى. ويقول شعيب «استخدام الفحم بات خيارا عالميا»، فاستهلاك العالم منه زاد 2.5% فى 2012، مقارنة ب2011. الجدل الدائر بين أطراف الحكومة لم يكن من المفترض أن يؤجل قرار استخدام الفحم كل ذلك، بل بالعكس كان من المفروض أن ينتج عنه قرارات وتشريعات تقلل من أى أضرار ناتجة عن استخدام الفحم، يقول شعيب. ومن جهة اخرى ينتقد شعيب تجاهل الحكومات المصرية لمصدر طاقة غير ناضب بل متجدد ولم يستخدمه حتى الآن وهو الشمس، رغم ان «مصر من أحسن الدول على مستوى العالم التى تتمتع بالشمس على مدار أيام السنة». ويرى شعيب أن نصيب الطاقة الشمسية يجب أن يتجاوز 50% فى مزيج الطاقة المصرى فى عام 2030، على أن يتراوح الفحم بين 20 إلى 25%، وألا يزيد الغاز على 30%. ويقول شعيب إن الحكومة لو اعترفت بالتكلفة الحقيقية للطاقة التقليدية ستصبح الطاقة البديلة مجدية أكثر، فما تقوله وزارة الكهرباء عن أن تكلفة الكيلو وات/ساعة للطاقة التى تذهب إلى المصانع ما بين 40و 42 قرشا، لا يحسب التكلفة الحقيقية للغاز الذى تحصل عليه الكهرباء مدعوما لانتاج تلك الطاقة، فقد كانت حتى شهور قليلة تحصل على الغاز ب85 سنتا للمليون وحدة حرارية، تم رفعها الى 1.75 دولار، بينما لو تم حسابها على أن الغاز ب6 دولارات فإن سعر الكيلووات سيقفز إلى 80 سنتا وهنا سيكون مقاربا لسعر انتاجه من الطاقة الشمسية. ومن «هنا يجب على الدولة أن تحدد التكلفة الحقيقية لكل مصادر الطاقة لتحدد الطاقة الامثل التى يجب أن تستخدمها»
كيف يتم حل أزمة الطاقة؟ طرح محمد شعيب تصورًا لحل أزمة الطاقة من عدة خطوات على المدى القصيرة 1 البدء فورا فى استخدام التسخين الشمسى، حتى 70 درجة مئوية، فى المنازل والصناعة والمحال التجارية، وهذا يمكن ان ينعكس مبدئيا على توفير الطاقة الكهربائية المستخدمة خلال 3 إلى 5 شهور، ويظهر أثره الكامل خلال ما يتراوح بين 3 إلى 5 سنوات بتوفير نحو 25% من الطاقة الكهربائية التى تستهلكها مصر. وتتحمل الدولة بموجب هذه الخطة تكلفة السخان الشمسى للمنازل، ثم تسترد قيمته على أقساط من الوفر المتحقق فى استهلاك الكهرباء على المستهلك، دون تحميله أى عبء مالى اضافى. 2 بدء رفع كفاءة المعدات فى الصناعة لترشيد الطاقة التى يتم اهدارها، وإذا كانت الدولة لا تسطيع تمويل هذه العملية يمكنها طرحها على مستثمرين عرب ومحليين وأجانب، على أن يستردوا التكاليف أيضا من الوفر المتحقق فى فاتورة الكهرباء للصناعة، على عدد من السنوات، وهذه العملية يمكن أن تؤتى ثمارها وتنعكس على توفير الطاقة خلال 6 إلى 8 أشهر. 3 تنويع مصادر الطاقة وتشغيل مصانع الاسمنت بالفحم بنسبة 80% كبداية مقابل 20% للمخلفات، تزيد 5% تدريجيا حتى تصل خلال 10 سنوات إلى 50% من الوقود المستخدم فى تلك الصناعة. 4 تحويل كافة الإضاءة فى الشوارع والإعلانات وأبراج الاتصالات للعمل بالطاقة الشمسية، بالإضافة لتحويل نظم الإضاءة المختلفة للعمل بلمبات ال«إل إى دى LED» خلال فترة زمنية لا تزيد على سنة، وهذا يحقق وفرا فى الإضاءة نسبة تزيد على 80%.