منذ أن صدر كتاب «تاكسى حواديت المشاوير» لخالد الخميسى فى ديسمبر 2006، والاحتفاء العالمى به فى العديد من الصحف العربية والعالمية يتزايد، حتى أن «اللوموند» الفرنسية أرسلت أحد محرريها ليلتقى خالد الخميسى صاحب الكتاب، قبل ثلاثة أيام أطل علينا الخميسى بروايته الجديدة «سفينة نوح» التى تدور حول «محور» الهجرة من خلال 12 شخصية تتولى رواية الأحداث فهناك مثلا «أحمد عز الدين» خريج الحقوق، والذى نتابع معه كيف أجبرته ظروفه الاجتماعية على التعلق بوهم السفر الذى كان سببا فى قطع علاقته ب«هاجر مصطفى» حبيبته وبطلة الحكاية الثانية. سألنا الخميسى: هل شعرت بالقلق من ردود أفعالك قراءك وحكمهم، على الرواية الثانية بعد النجاح الكبير الذى حققه «تاكسى»؟ عندما كتبت «تاكسى» لم يكن لدى أى توقعات بشأن النجاح، الأمر نفسه أعيشه الآن مع «سفينة نوح» لا يوجد عندى أى توقع، لكن ما يمكن أن أقوله أننى كنت سعيدا أثناء كتابة تاكسى وسفينة نوح، وشعرت بقدر كبير من التحقق الذاتى لحظة كتابتهما. متى شرعت فى كتابة سفينة نوح؟ كان موضوع سفينة نوح يلاحقنى بشكل دائم منذ سنوات قبل كتابة تاكسى ولكننى لأسباب أجهلها بدأت فى تاكسى وعندما انتهيت شرعت مباشرة فى كتابة «سفينة نوح» حيث استغرقت كتابتها سنتين ونصف السنة وبعدها سلمتها لدار الشروق أوائل 2009، وسعدت بخبر صدورها. هل بدأت نسج خيوط لرواية جديدة؟ أكتب الآن رواية جديدة بعنوان «ثلاثون ليلة وليلة» تدور أحداثها حول عائلتين، زوجة وزوج «هبة ويسرى» و«حامد وزينب»، يمرون بأزمة شديدة التعقيد فى حياتهم وهى تعرض طرفا منهم للخيانة، مع وجود صداقة حميمة تجمع بين الزوجتين، ومن خلال هذه المشكلة الزوجية نتعرف على المجتمع وما حدث له خلال الأيام الثلاثين التى هى زمن الرواية. فى تاكسى انحزت للبسطاء لسائقى التاكسى، ولكن فى عملك الجديد «سفينة نوح» تهتم بقضية اجتماعية وهى الهجرة. ألا تعتقد أن تبنى قضايا سياسية كبرى قد يطغى على الإبداع الأدبى؟ ليس هناك إبداع أدبى فى المطلق، هناك موضوع يسيطر على ذهن الكاتب، وتولستوى عندما كتب «الحرب والسلام» كان قد تطوع فى الحرب، وقال من غير الممكن أن يكتب أحد عن أشياء لم يتعايش معها، وبهذا المنطق تعاملت، وذلك يرجع أيضا لأن عائلتى كلها كانت مقتنعة بذلك وتسخر مثلا من كاتب يكتب عن الهند دون أن يذهب إلى هناك. ويقولون إن الخيال لابد له من الاستناد على المعايشة والتى تمثل العجينة.. والخيال بعدها يلعب دوره فى تشكيل هذه العجينة، وإذا كان سائقو التاكسى هم قاهرتى التى عشتها، فإننى فى سفينة نوح لم أبدأ من الصفر، فما أكثر الذين أعرفهم وتعرضوا لتجربة الهجرة.. انقسمت الآراء حول تصنيف كتابك «تاكسى» ورفض كثيرون اعتباره رواية، فما هو تصنيفه عندك؟ تاكسى هو نص أدبى، له قانونه الخاص ومتسق مع ذاته وليست أكاديميا ولا ناقدا لكى أتكلم عن حكاية التصنيفات، إذ إن الأمر فى النهاية يتمثل فى أننى إنسان لدى هموم تدفعنى للكتابة لكى أعبر عنها، بالتالى فالموضوع فرض نفسه على بهذا الشكل، وانعكس ذلك فى كتابى الثانى «سفينة نوح»، فأنا أعرف الكثير عن مواجع الهجرة عند المصريين ولذلك كتبت الرواية. وقتك موزع بين الأدب ومقالات الرأى والأبحاث والسيناريو والكتابة للأطفال، والإنتاج والإخراج أحيانا، فهل يعد هذا التنوع إضافة لإبداعك أم معوقا لك؟ فى هذه اللحظة أمارس أعمالا مختلفة ولكن كلها متعلقة بالثقافة والإعلام، ولكن أمتعها الكتابة الموجهة للطفل فهم يمثلون أغلبية كبيرة، ولكن يظل أملى أن أتفرغ لكتابة الأدب. يرى بعض النقاد أنك وعلاء الأسوانى تمثلان ظاهرة، ولكما فضل استقطاب شريحة عريضة لم تألف القراءة من قبل إلى الأدب فما مدى صحة هذا الكلام بنظرك؟ لا أستطيع تحديد عدد القراء الذين قرأوا كتابى، ولكن استوقفتنى ردود فعل من بعض القراء، فمثلا قال لى أحد القراء إنه قرأ كتابى بعد توقف عن القراءة لمدة 15 سنة، وإحداهن قالت لى إنها لا تستطيع أن تكمل صفحة فى كتاب على عكس ما حدث مع «تاكسى» بمجرد قراءتها للصفحة الأولى لم تتوقف حتى نهاية الكتاب. ولا أرى أننى والأسوانى نشكل ظاهرة، لكن الظاهرة الحقيقة فى الحراك السياسى والاجتماعى والاقتصادى والظاهرة أيضا هى عدد المتظاهرين المتزايد والاحتجاجات والوقفات التى تضم أفرادا من مختلف المجالات وحالة الرفض من الناس التى راحت تخطو أولى خطواتها فى مجال المشاركة العامة وأصبحت تمارس همها العام، فى هذا الوقت تحديدا بدأ البعض يرى ما يمكن أن يقرأه فى الكتب التى تعبر عن حالته، هذه الحالة الرافضة للواقع، ووقتها تحديدا، رأى الناس أن كتابى يعبر عما يعتمل فى نفوسهم، أى إن الظاهرة ليست فى الأفراد وإنما فى مدى انعكاس هذه الكتابات على الحالة العامة باعتبارها مرآة لما يحدث فى المجتمع، وفى ذلك ما يبرر عدد الكتب وعدد المكتبات التى تم افتتاحها، وإقامة فاعليات بها مثل مكتبة ديوان والكتب خان وفيرجن والشروق، ذلك لم يحدث منذ عشرين عاما وقد عاصرت بنفسى بعض المكتبات وهى تغلق أبوابها. اللغة البسيطة السهلة التى استعملتها فى تاكسى وجلبت لك الشهرة الواسعة بين القراء هى نفسها التى صرفت عددا من متذوقى فن الرواية عن كتابك فما ردك؟ معهم حق، فعلا لغتى بسيطة وذلك لأنها كتبت بمستواها الأول، وبالتالى لم أبذل جهدا لغوىا على الإطلاق، ولكن الجهد جاء لمحاولة التعبير عن الشخصيات بشكل متمايز والتركيز على أن تظهر كل شخصية لتعبر عن ذاتها بشكل متمايز. ورغم أن الأدب قائم على اللغة فإن هدفى الرئيسى كان التعبير عن الشارع ورأيت أنه من الأفضل أن أكتب بلغة الشارع فى مستواها الأول وهذا قرارى لكننى فى الوقت نفسه عرضت الكتاب على الراحل د.عبدالوهاب المسيرى، ود. جلال أمين، وسمية رمضان، وأحمد الخميسى، أعطيتهم الكتاب وليس لدى أدنى فكرة بقيمته فهل أرميه فى «سلة المهملات» أم ماذا؟. ولكن فوجئت برد فعلهم جميعا، «رائع.. أرجوك لا تلمسه»، حيث كان تصورى أننى سأعيد كتابته بمستوى آخر، ولكن استمعت إليهم جميعا وأخرجت «تاكسى.. حواديت المشاوير» كما كتب. هل تظن أن الحكى العادى على ألسنة البسطاء يكفى لصناعة أدب أو تشكيل رأى غير مباشر فى الأوضاع العامة.. ألا تعقد أن حتى الكتابة العادية تحتاج لتقنيات؟ التخطيط الأدبى قمت به قبل أن أكتب أى سطر. لقد درست علوما سياسية فى الجامعة بشكل شديد التعقيد وكانت اللغة المستعملة من معظم أساتذتى معقدة وقد سماها خالى د. على الشوباشى: « لغة روسية بحروف عربية، وأن الواحد لابد أن يشقلب دماغة وهو يقرأها حيث يقرأها من الشمال إلى اليمين «وكان لهذا الرأى أثر كبير علىّ واكتشفت وأنا فى الأربعين أننى فى حاجة للكتابة عن المجتمع المصرى وأنا مدرك تماما أن الكتابة بلغة الشارع تعد أعمق تعبير عن المجتمع المصرى ووقع اختيارى على سائقى التاكسى لأنهم شخصيات غنية جدا تأتى من أماكن كثيرة متفرقة من أنحاء مصر، وهى ليست مهنة لها شروط معينة فهناك من يشتغل بها خارجا من البطالة أو موظف يريد تحسين دخله، وهى بلا شك شخصية روائية غنية جدا.