• «محطات الصليب» تحفة سينمائية تنتظر التتويج بالدب ويمنح الافضلية لألمانيا • درس فى الأداء لممثلين عجوزين من النرويج فى فيلم «حسب ترتيب الاختفاء» «ديننا هو السينما... وهذا ما نفعله يوم الاحد. أولا نذهب إلى الكنيسة ثم نستمتع بوقتنا».. هكذا قال المخرج ديتريتش بروجيمان قبل عرض فيلمه الالمانى المؤثر «محطات من الصليب» الذى ينافس على جائزة الدب الذهبى فى مسابقة مهرجان برلين السينمائى. تلك هى نظرة السينما الالمانية لنفسها، بل ويلخص فلسفتها المعاصرة التى تجسدت فى الدفع بأربعة افلام فى المسابقة لأول مرة وكأنها تريد توصيل رسالة مهمة للعالم، بأن ألمانيا ليست مجرد مهرجان كبير، لكن وسينما كبيرة ايضا. ووصف بروجيمان للسينما بالدين يؤكد ايمانهم الكامل بما يقدمونه، وهم على يقين بأنهم سيصلون للعالم، فالاقبال الجماهيرى داخل العاصمة الالمانية تجاوز العشرين ألفا فى اليوم، فمشاهد الافلام وندواتها امامهم فى كل مكان فى الميادين والشوارع ومحطات المترو، بل وداخل المترو نفسه، فقد فوجئت وانا بداخل المترو وبينما كنت اتناقش مع زميل حول فيلم شاهدناه فى الصباح، لأجد نفس مشهد النقاش يعرض امامى على شاشة داخل المترو، فى اطار مشاهد لافلام اليوم، فهناك حب وشغف بالسينما أكثر من ذلك!. اعود لفيلم «محطات الصليب» فهو يصور فتاة تحيا حياة معذبة داخل أسرة كاثوليكية تعيش فى جنوبالمانيا الآن حيث تقوم تلك الاسرة بتربية ابنتها فى بيئة دينية صارمة ربما تشعر معها احيانا بوصولها لدرجة التطرف.. ويعرض الفيلم الالمانى الصراع الذى تقع فيه فتاة حسناء صغيرة السن بين تعاليم رجل دين صارم وبين صبى يدعوها للتدريب على الموسيقى فى كنيسة أكثر انفتاحا، وذلك عبر اكثر من عشر محطات أو مشاهد مطولة استعرض فيها السيناريو الخلاف بين ما تريده الام لأبنتها من حياة كلاسيكية معقدة وملتزمة، وبين رغبة الفتاة فى ان تعيش بمشاعرها حياة طبيعية مثل كل البنات، وتكون الصدمة ان يقوى شعور الرفض داخل الفتاة لتموت فى النهاية التى تشكل بحق صدمة للمجتمع، والرسالة الانسانية تتضح معالمها عبر سلوك سينمائى قوى، وايقاع بطىء مقصود حتى يمنحك فرصة للتأمل فيما تسمع من حوار وتشاهد من مواقف. وهى الرسالة التى تتجلى بشكل آخر فى تصريح المخرج نفسه «نذهب إلى الكنيسة ثم نستمتع بحياتنا ووقتنا». جسدت فصول الفيلم لغة سينمائية محبوكة دراميا وأداء غلب عليه الطابع النفسى بين وعظ الأم وتساؤلات المدرس حول الحياة ورفض البنت للتقاليد، كلها عناصر امتزجت بصورة سينمائية معبرة عن صراع عادات الاجيال، وهو ما تجسد فى رفض الابنة ان تبتسم فى الصورة الجماعية للاسرة التى ارادتها الام، وكأنها ترفض الانخراط فى واقع اسرتها. بدون شك الفيلم الذى يعد تحفة سينمائية سينافس بقوة على الجائزة، وان فعلها سيشكل محطة مهمة للسينما الالمانية وقد تصدر بالفعل الاستفتاء اليومى لمجلة «سكرين إنترناشيونال» ل7 نقاد من بريطانياوألمانيا والدنمارك وصربيا والبرازيل والمكسيك،حيث منحوه الافضلية وهو مؤشر جدير بالاعتبار. والواقع انه يظن كثير من النقاد أن القصص والحكايات الانسانية التى تطرحها الاعمال السينمائية اصبحت شىء لا يهم،، واراهم مخطئون فى ذلك.. واتساءل كيف، وتلك المشاهد واللقطات والصور والحوار والسرد ما هى الا انعكاس لحكايات بشر سواء يؤمنون بأنفسم ووجودهم ام لا يؤمنون، لكنهم جزء من العالم الكبير نفسه، ففى النهاية يبقى الفيلم البديع وتقاس مكانته بجانب حرفية صنعته من ديكور وتصوير وموسيقى ومونتاج وسيناريو ومونتاج، بماذا يطرح ايضا، فكل هذه المفردات تستلهم ابداعها من رحم القصة الانسانية التى يطرحا الفيلم، وصاغها سيناريست وجسد ملاحها كصورة المخرج. اتحدث عن نقاش طويل دار بينى وبين بعض النقاد، كانت الجلسة حول فيلم بديع هو النرويجى السويدى الدنمارك المشترك «حسب ترتيب الاختفاء» In Order of Disappearance بموضوعه المثير واسلوب إخراجه الواثق المتمكن وسخريته اللاذعة وابتكاراته فى تنفيذ مشاهده وله جاذبية خاصة رغم ان فكرته ليست جديدة، وهو من إخراج المخرج النرويجى هانز بيتر مولاند وبطولة الممثل السويدى ستيلان سكارسجارد. للوهلة الاولى تدرك انك امام عمل اكشن مثير على طريقة الاب الروحى او بعض افلام كلينت ايستوود، لكن مع مرور بضع دقائق تشعر بقمة أداء البطلة، وإبداع صوره لمجتمع ثلجى تماما رغم الحاله الدامية الساخنة، السيناريو الذكى بدأ الحكاية بمنطق شبه تقليدى، فنحن فى بلدة صغيرة فى حيث تغطى الثلوج كل شىء الشتاء اب يدعى نيلس (ساكارسجارد) فى الستين من عمره، يعمل سائقا على عربة عملاقة لازاحة الثلوج يعيش حياة مستقرة هادئة فى منزله المنعزل مع زوجته يعرف ان ابنه قتل من عصابة تتاجر فى الهيروين، ولم يستطع نيلس ان يتحمل مشاعر ولوم زوجته ونظرتها القاسية تجاه صمته على تلك الجريمة وكيف انتهت حياة ابنتها هكذا لدرجة انها تسأله «من انت»؟ وهنا يقرر البحث عن قتلة ابنه وتصفيتهم بنفسه بطريقة عنيفة وبلا رحمة ومع تطور سردى رائع ممزوج بموسيقى كلاسيكية تعزف على اوتار انتقام قادم لا محالة، يبدأ الأب رحلته للوصول إلى الحقيقة وكلما يمسك بشخص من عصابة الهيروين يسأله من المسئول المباشر عن قتل ابنى ثم يقتله. وكلما قتل نيلس شخصا من أفراد العصابة يقوم باسقاطه من أعلى قمة شلالات هادرة، ليظهر اسم الضحية على الشاشة مع علامة الصليب، ثم يبدأ فى تعقب الضحية التالية.الى ان يصل إلى ان رئيس تلك العصابة وهو شاب يدعى الكونت عصبى للغاية ويبكى كلما قتل شخصا، هو من قتل ابنه، وفى الوقت نفسه يقتل الكونت العنصرى ابن وحيد لرئيس عصابة اخرى صربيا وهو تاجر عجوز منافس بدا اداؤه وكأنه مارلون براندو وصوت باتشينو، وفى ذروة الاحداث يلتقى الرجلان «نيس وزعيم عصابة الصرب» على هدف واحد كل منهما يريد ان ينتقم لابنه، والقاتل واحد، وفى مشهد شديد الروعة فى الاداء من كلا العجوزين يجمعهما القدر فى مكان الخلاص، وينظر كل منهما للآخر بعد اخذ الثأر، وقد اعادا إلى شاشة السينما بريق اداء الكبار البعيد عن «دنجوانة» ابطال اغرقتنا بها الكثير من الاعمال دون روح حقيقية للاداء. واقع الامر أن مشاهد العنف والدموية التى امتلأ بها الفيلم، لم تثر فينا سوى اعجاب وهدوء واستمتاع بمفردات فنية، وروح اكثر فنية وطزاجة من افلام امريكية كبيرة، وكأن للمخرج هانز بيتر مولان اراد لصناع السينما فى هوليوود «هذه هى صورتنا عندما نقدم هذا النوع من القصص».. عمق فى الاداء، صورة طازجة لخصوصية المكان والبشر، حيث لا صوت يعلو فوق انفاس اناس لا تهمل من يسرق جزءا من حياتها، حتى لو كان مجرد عقاب من الدنيا.