عندما كتبت فى الرسالة السابقة ان شاشة مهرجان برلين السينمائى الدولى ال64 كشفت عن مناهج سينمائية تفوق الخيال فى صورتها وتتجاوز التصورات فى افكارها، بالقطع كنت اقصد افلاما مثل «نيمفومنينيك» أو الشهوانية «او بمعنى اخر» «الشبق»، للمخرج الدنماركى الكبير والمثير للجدل لارس فون ترير، والذى يأتى بعد فيلمى (المسيح الدجال) و«ميلانكوليا»..وكأنه يريد ان يكمل تلك الثلاثية النفسية المركبة. الفيلم عرض جزؤه الاول فى بيرلينال بو تسدام خارج المسابقة، وهو ما يدعو للدهشة فهو يغوص فى عالم الشبق الجنسى عبر دراما تتعلق بتطور مفهوم البلوغ والرشد والرغبات المكبوتة، ويحتوى على مشاهد حميمية صريحة يلعب بطولتها على مدار ساعتين ونصف ستاسى مارتن وشارلوت جينسبورج فى دورى بطلة الفيلم «جو» فى مرحلتى الشباب والكبر، إلى جانب عدد من نجوم السينما مثل أوما ثورمان وشيا لابوف ووليام ديفوا. بدون شك يحمل الفيلم عناصر جذب كبيرة وهو ما بدا واضحا من الأعداد الكبيرة من الرواد أمام دور السينما واعتقد ان هذا الجذب ليست وراءه سخونة المشاهد وجرأة ابطاله، ولكن ايضا لهذه الطريقة من السرد السينمائى المشوق والسيناريو المقنع بتوالى الاحداث وتعليقاتها بل وربطه احيانا بين الشبق الجنسى والشهوة الجنسية، حيث يعتمد على الحكى وكذلك الصورة التى مزجت بين الابيض والاسود والالوان، فى البداية نرى الفتاة المراهقة تبدى استعدادا لخوض هذه التجربة مع العالم الحسى، ثم نرى مشهد الفتاة وقد كبرت ملقاة على الارض فى الشارع بحالة يرثى لها ، ويلتقطها رجل عجوز يعطف عليها ويأخذها إلى بيته بعاطفة أب، وفى المنزل وبينما يعطيها فنجانا من الشاى يسألها: ما حكايتك، وترد بنظرة عميقة تأخذنا إلى المشوار، هى تروى والرجل يعلق والمشاهد يكتم انفاسه وبداخله شعور بأقصى درجات الاندهاش مما يقدمه المخرج من صورة غير متوقعة لواقع حياة فتاة لديها كل هذه الرغبة الجنسية بصراحة، حتى دون ان تتفاعل الشخصية مع ما تفعله بمشاعر متعة حقيقية وكأنها تهرب من شىء ما أو تعيش فى اللاوعى. تروى الفتاة انها وصديقتها كانتا تتراهنان على جذب اكبر كم من الرجال اثناء رحلة قطار، وتستعرض انواع وصفات الرجال ما بين طيب وشرس وقبيح وهم على الفراش، وفى كل مرة يقدم المخرج الماضى بالابيض والاسود، ثم يعود إلى تساؤلات العجوز بالالوان والتى كانت تساؤلات مدهشة لاندماجه فى قصة حياتها. الفيلم بحق اثار اعجابى كثيرا لتجاوزه كل ما هو متخيل من مخرج كبير مثل ترير، لكن ولِمَ لا وقد اعترف انه يعانى من كآبة ويريد ان يدهش العالم بأفكار جديدة ، وهو ما اطلقت عليه وسائل الإعلام ب«ملحمة جنسية جديدة»، بتقديمه «امرأة تروى قصة حياتها الشهوانية، ومغامراتها الجنسية، ورجل ينقذها من حادث اعتداء.، والمخرج لا يتخلى عن استفزاز الجمهور، سواء فى مواقفه الحياتية، كما فعل فى مهرجان كان السينمائى منذ عامين، الذى اضطر إلى طرده بسبب تصريحاته حول هتلر وإسرائيل، أو فى أفلامه التى غالبا ما تتناول موضوعات شائكة مُعقدة..فهناك جدل دائم حول مسيرته فى عالم السينما. وقد رفض الدنماركى لارس فون ترير «57عاما» حضور المؤتمر الصحفى الخاص بفيلمه وبدلا من ذلك، ظهر فقط أمام المصورين يرتدى تى شيرتا يحمل شعار مهرجان كان السينمائى مكتوبا عليه عبارة: «نفس الشخص غير المرغوب فيه»، حيث كان قد جرى إعلان ان فون ترير «شخص غير مرغوب فيه» من قبل مهرجان كان فى عام 2011 بعد أن أطلق مزحة بشأن هتلر وبدا انه أدلى بتعليقات معادية لإسرائيل فى المؤتمر الصحفى لفيلمه الأخير «ميلانكوليا» (أو الكآبة) الذى يدور حول نهاية العالم. والواقع انه لم تقل تصرفات النجم شيالابوف غرابة عن تصرفات مخرج فيلمه، فقد دخل قصر المهرجان وعلى رأسه «كيس» ورقى يغطى وجهه، ومكتوب عليه «لم أعد مشهورا من الآن». وعندما حضر المؤتمر انصرف فجأة بعد عشر دقائق من دون سبب واضح على الرغم من الجدل الكبير الذى أثاره فيلم المخرج الكبير لارس فون ترير الجديد «Nymphomaniac»، منذ أعلن عن نيته لصنعه، إلا أن إدارة مهرجان برلين السينمائى الدولى، وهو من أعرق المهرجانات والأحداث السينمائية فى العالم، قد قررت عرض الفيلم كاملا وبدون حذف ضمن الفاعليات وهو امر بحق جيد. اقرأ أيضاً : حنان عبدالله تلفت أنظار مهرجان برلين السينمائي بفيلمها «القاهرة.. الثابت والمتغير»