طالب فرنسي يهاجم معلمته والدوافع مجهولة    حمدي فتحي: كولر لم يوافق على رحيلي.. وظُلمنا في نهائي دوري الأبطال 2022    أبرزها تطوير منظومة الدعم، أهم تصريحات رئيس الوزراء من الإسكندرية أمس (إنفوجراف)    خبير مجوهرات يكشف عن توقعاته لأسعار الذهب الفترة المقبلة    متحدث الحكومة: رئيس الوزراء يحرص خلال زيارته على مناقشة طلبات توسع المشروعات    وزير التجارة والصناعة: الدولة تستمع لمشاكل وطلبات القطاع الخاص بصفة مستمرة    الحكومة: الدولة تسعى لرفع الدعم تدريجيا عن بعض السلع لاستمرار توفيرها للمواطن    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    بطلب من الجزائر.. مصادر: اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث الأوضاع في رفح اليوم    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى يناقشون العقوبات ضد إسرائيل    إدارة المقطم التعليمية تستقبل وفدا من مؤسسة "حياة كريمة"    لاعب الزمالك صاحب تهنئة إمام عاشور: "اللى حصل طبيعى.. وجوميز طلب تصعيدى"    جمهور الزمالك يحتفل بأغنية "ساعات ساعات" بعد الفوز على الاتحاد السكندري (فيديو)    مصطفى شوبير يتحدث عن: المباراة الأصعب.. وكواليس التعاقد مع بديل الشناوي    عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك 2024    حريق يلتهم مخزن أجهزة كهربائية في ميت غمر بالدقهلية    طقس الثلاثاء.. انخفاض بالحرارة ونشاط رياح وفرص أمطار خفيفة    رجع لحضن أسرته جثة، العثور على غريق ترعة الإسماعيلية بالشرقية (صور)    العثور على الغريق السادس آخر ضحايا حادث الغرق بجمصة في الدقهلية    اتصالات النواب تكشف مفاجأة بشأن رابط شوف صورتك بعد سنوات    4 أعراض للإصابة بمرض الربو، تعرف عليها    فوائد مذهلة لتجميد الخبز قبل أكله    الحق في الدواء: 90% من المواد الخام تستورد من الخارج ونعاني من نقص الأدوية    ياسمين رئيس أنيقة بالأسود وفنانة تحتفل بعيد ميلاد ابنة شقيقتها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    فوز الطالب أحمد حنفي بلقب بطل تحدي القراءة العربي في دورته الثامنة    الأمانة الفنية للحوار الوطني: إجماع على أن الأمن القومي المصري خط أحمر    لجنة تسويق السياحة الثقافية بالأقصر تستضيف نجوم فيلم «رفعت عينى للسما»    اليوم.. الإعلان رسميًا عن الفائزين بجوائز الدولة لعام 2024    عبد الرحمن الأبنودي أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية    هجمات صاروخية وصفارات الإنذار تدوي في إيلات على البحر الأحمر "فيديو"    "قلوبنا موجوعة".. هيفاء وهبي تعلق على مجزرة رفح الفلسطينية    رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية يكشف لمصراوي أبرز تحديات العمل الأهلي في مصر    هل وصل متحور كورونا الجديد إلى مصر؟.. رئيس اللجنة العلمية يوضح    «صحة القليوبية»: رفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى المبارك    الألومنيوم يعلن انسحابه من كأس مصر حال تأجيل مباراة الأهلي    اليابان تدعو لتوخى الحذر بعد أنباء عن إطلاق كوريا الشمالية صاروخ    وزير المالية: تنمية الموارد وترشيد الإنفاق عنصران أساسيان لتكون الموارد بقدر المصروفات    رئيس جامعة المنيا يشهد ختام فعاليات المُلتقى السنوي الخامس للمراكز الجامعية للتطوير المهني    أحمد ناجي قمحة: الصدامات بالداخل الإسرائيلي سبب تصاعد العمليات العسكرية بغزة    حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 28-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سنتكوم: قواتنا دمرت مسيرة حوثية فوق البحر الأحمر    تعرف على موعد عيد الأضحى في الدول الإسلامية    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل ‫    عاجل.. حمدي فتحي يحسم موقفه من العودة إلى الأهلي    إبراهيم حسن: منتخب مصر للجميع..وهدفنا التأهل لكأس العالم    المندوه: الزمالك حصل على جزء من مكافأة الفوز بالكونفدرالية.. ونحاول حل أزمة القيد    أخبار 24 ساعة.. وزير الأوقاف: إجمالى المساجد المجددة منذ تولى الرئيس السيسي 12 ألفا    مصادر: ستيلانتس تعتزم إنتاج سيارتين جديدتين في إيطاليا    وزير التعليم يشهد فعاليات الحفل الختامي للدورة الثامنة بمسابقة "تحدي القراءة العربي".. ويكرم الفائزين    تعرف على فضل وحكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    فرص للطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية    الإفتاء: الفقهاء وافقوا على تأخير الدورة الشهرية للصيام والحج    المؤتمر: مجلس أمناء الحوار الوطني يحرص على التفاعل السريع مع القضايا الوطنية    هل يجوز تعجيل الولادة من أجل السفر لأداء الحج؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء تجيب    أحكام العمرة وفضلها وشروطها.. 5 معلومات مهمة يوضحها علي جمعة    جامعة الزقازيق تحقق مراكز متقدمة في مسابقة «إبداع 12»    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    قرارات جديدة بكلية الحقوق جامعة عين شمس 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



25 يناير «الوطن».. الذى نريد
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 01 - 2014

وسط دخان تفجيراتٍ ضربت قلب القاهرة «وتاريخها»، وأرقام يوميةٍ لضحايا الحمق والغضب والجنون، وصخب «الأسطوانة المشروخة» لهيستريا إعلامية يتساوى فيها بعض ما يقال على «الجزيرة» ومثيلاتها مع بعض ما تصرخ به فى وجوهنا هذه القناة «المصرية» أو تلك، لا أعرف إن كان هناك مكان للعقل أو للتفكير فى مستقبل نرجوه لهذا الوطن أم لا. ولكنى أعرف أن فى الثمانية عشر يوما الأولى (25يناير 11 فبراير2011) كان هناك ميدان «واحد»، اختلط ترابه بدماء شباب خرجوا صفا «واحدا» يبحثون عن المستقبل، ويدا «واحدة» تطرق أبوابه الصلدة. قبل أن يأخذنا «ضيقو الأفق» بحساباتهم الخاطئة إلى ما أخذونا اليه؛ انقساما وارتباكا وحيرة وفقدانا لبوصلة الطريق الصحيح إلى مستقبل طلبه «الميدان» ومن كانوا فيه.
بغض النظر عن تفاصيل كثيرة ستأخذ طريقها يوما إلى كتب التاريخ، هاقد صرنا إلى ما صرنا اليه. على مدى أعوام ثلاثة «طويلة جدا» جرت فى النهر مياه كثيرة.. ودماء أكثر. ولعبت بعقول البسطاء، هنا وهناك أكاذيب كثيرة وأوهام أكثر. وما زال حلم «شباب» خرج يوما يبحث عن مستقبله.. ينتظر.
مستقبلٌ كلما لاح فى الأفق غطته أدخنة التفجيرات، وكلما حاول الوقوف على الأرض تعثر فى الدماء. مستقبل يربكه جنون الغضب والثأر وحسابات اللا منطق. مستقبل يحول بيننا وبينه كل أولئك الذين لم يدركوا بعد أن الزمن تغير. سواء الذين تنادوا على «المنصات» إلى جهاد فى غير موضعه، أو الذين لم يدركوا أن «للسلاح حدودا». فضلا عن كل أولئك الذين لم يستمعوا يوما إلى مارتن لوثر كنج يقول: «علينا أن نتعلم العيش معا كإخوة، أو الفناء معا كأغبياء»
•••
ربما يرى البعض فى الكلام الآن عن «مستقبل نرجوه» طوباوية، أو خروجا عن الموضوع. ولكننى أكتب هذه السطور صبيحة الخامس والعشرين من يناير، وأحسب أن بأعناقنا دينا لجيل جديد خرج بنا فى ذلك اليوم «المفترى عليه» قبل ثلاث سنوات. وأن «من أضعف الإيمان» أن نُذَّكر أنفسنا بملامح وطن بحثوا عنه، ومستقبل هم بحكم طبائع الأمور أصحابه.
وطنٌ حلموا بأن يكون وطنهم، لا وطن حزب يقوم على شبكة مصالح، أو وطن جماعة مغلقة تتصور أنها وحدها «على الحق».
وطنٌ يعيش حاضره، ويدرك أن الزمان لم يعد زمان «الزعيم الملهم»، أو ذلك الذى يعرف صحيح الدين، فيظن أنه صاحب الكلمة المطلقة فى شئون الدنيا، وأحوال «الرعية».
وطن يحترم جميع أبنائه، ويعدل بينهم، مهما اختلفت آراؤهم أو «معتقداتهم» أو حالتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، ويعرف أن الفارق بين الديمقراطية والشمولية هو فى إدراك أن حكم الأغلبية غير مطلق، بل مقيدٌ بحقوق الآخرين.
وطنُ يحكمه القانون، لا «التحريات الأمنية» التى قد تخطئ أو تصيب. وطن لا مجال فيه لنظام يسمح أن يحدث فيه ما حدث لخالد سعيد أو سيد بلال الذى أُخذ يوما مظلوما بلحيته. كما لا يسمح أيضا بثقافة مريضة تدفع هذا أو ذاك إلى أن يظن أن طريق الجنة يمر بتفجير يستهدف أبرياء مهما كان المبرر.
وطن لا يسمح بنظام يقوم على «توريث» فج للمناصب والنفوذ. وينتحر فيه «عبدالحميد شتا» الشاب المتفوق بعد أن فشل فى أن يأخذ حقه فى أن يكون دبلوماسيا، لا لسبب إلا لأنه ابن لمزارع بسيط فى دولة أنشأها، للمفارقة ابن لساعى بريد اسمه جمال عبدالناصر.
وطن لا يسمح بنظام يحرم شابا من وظيفة يستحقها «دون مسوغ قانونى» ولمجرد أن تقارير «أمنية» أشارت إلى أنه سلفى أو شيوعى أو شيعى أو منتم للإخوان المسلمين.
وطن لا مجال فيه لنظام يستخدم الدين فى مواجهة خصومه، كما لا مجال فيه لاستحضار الدين «الذى هو مقدس» إلى غير ساحاته؛ مزايدة أو تحريضا بالزعم مثلا بأن تصويتا بعينه هو الطريق إلى الجنة. أو بوصف «خلاف سياسي» بأنه معركة بين الدين «وأعدائه».
وطن يعيش تحديات عصره لا معارك ماض يستحضر أجواء «فتنته الكبرى» متاجرون أو مغامرون أو غافلون عن تحديات المستقبل الحقيقية.
وطن يدرك القائمون عليه أن إصلاح المؤسسات «أمنية أو قضائية أو إعلامية» لا يعنى هدمها أو تغيير ولاءاتها. كما لا يعنى بالتأكيد استهداف العاملين فيها (الذين هم مصريون فى نهاية المطاف) بالسلاح أو التفجيرات.
وطن لا يسمح بنظام يذكرنا بمقولة السادات الشهيرة «كله بالقانون» فنجد فيه سلطة تجيد استخدام القانون للعصف بخصومها. فتكون النتيجة ليس فقط الإساءة للقانون ورجاله، بل العصف بفكرة «الدولة» ذاتها، والتى لن تكون «مستقرة» إلا إذا شعر الناس بأن هناك قاضيا وقانونا يطمئنون للاحتكام إليه. وإلا لجأ كل منهم لمحاولة أن يأخذ حقه «أو ما يتصور أنه حقه» بيديه.
وطن يعرف قيمة أن يكون «القضاء مستقلا»، فلا يسمح بنظام تتحكم فيه السلطة التنفيذية بالقضاء؛ إن بسيف المعز أو بذهبه. أو أن يحُال الناسُ فيه إلى غير قاضيهم الطبيعى. أو أن يُحال الإخوان مثلا، كما فعل مبارك إلى المحاكم العسكرية «لمجرد أنهم إخوان». أو أن يهدد الرئيس «الإخواني» معارضيه فى خطاب علنى بالإحالة إلى المحاكم العسكرية بدعوى أنه «القائد الأعلى للقوات المسلحة».
وطن يشفى من هوس «المكارثية»، فلا يقع فى ما وقع فيه «بريمر» من خطأ فى العراق، بل يدرك ما تقرره كل الشرائع والدساتير من أن «العقوبة شخصية»، فيعرف فيه الناس الفصل بين «التنظيم» كشخصية اعتبارية، سواء كان اسم هذا التنظيم «الإخوان المسلمين» أو «الحزب الوطنى» وبين من انتسب يوما، بشكل أو بآخر إلى هذا التنظيم من «مواطنين» لهم حق المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون. يدفعون كغيرهم ثمن جرائمهم «حال ارتكابها»، لا جرائم تنظيمهم أو حزبهم أو جماعتهم.
•••
وبعد..
فهل كل هذا أضغاث أحلام هاربة من صخب واقع مضرج بالدماء؟ وهل هو خروج «نظري» عن واقع الأولويات؟ أم ما زال هناك سبيل إلى ذلك بعد كل هذا الجنون؟
الإجابة عن السؤال الأخير «نعم». فلسنا بدعة فى تاريخ الثورات أو تجارب التحول الكبرى.
بل ولعلى أزعم أن الخطوة الأولى «والحتمية» على الطريق إلى هذا المستقبل وهذا «الوطن»، هى ذاتها الخطوة الأولى للخروج من «الدائرة الجهنمية للعنف والدماء». هى ليست بعصا سحرية، ولكنها تجارب الآخرين التى تقول بأن هناك «شروطا» لإنجاح مراحل التحول الكبرى فيما بعد الثورات. وهى الشروط أو المتطلبات الخمس التى أسمتها كتب السياسة بتدابير «العدالة الانتقالية» Transitional Justice والتى أشرنا إليها هنا تفصيلا غير مرة، والتى تهدف فى نهاية المطاف إلى انتقال آمن «وسلمي» لمجتمع ديمقراطى حقيقى، يشعر فيه الناس «جميعهم» بالعدالة والمساواة. ولا تسمح قواعده بتكرار الانتهاكات التى جرت فى الماضى، وثار بسببها الناس. وبالمناسبة سيكتب التاريخ أننا كنا يوما طالبنا جماعة «أول رئيس منتخب» أن يكون هذا الموضوع هو المهمة الوحيدة لهيئته الاستشارية، إلا أن الطلب، رغم الإلحاح عليه داخل القصر وعلنا خارجه، لم يجد أبدا أذنا صاغية.
.......................
.......................
سيقول بعض من سيقرأ هذا المقال، ودوى الانفجارات ما زال يصم أذنيه: أنت تحلم.
لا بأس.. فالحلم أول الطريق إلى المستقبل. كما أنه بالضرورة أول الطريق إلى «الوطن.. الذى نريد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.