في العاشر من يونيو 1934 وُلدت، وفي ال18 من ديسمبر 2013 رحلت عن دنيانا، ربما تختصر هاتان المعلومتان حياة إنسان ما، وربما نحتاج إلى تاريخ أو تاريخين إضافيين لوصفها، أما هي فلا يحتاج وصفها إلا لذكر كلمتين فقط "زهرة العُلا". ربما لا نحتاج إلى معرفة تاريخ ميلادها أو حتى تاريخ وفاتها، فهما بالفعل مجهولان للكثير من الشعب المصري، ولكن ليس في الإمكان أن يتجاهل أي من الشعب المصري، وجهها الساحر في جميلة بوحريد، ولا صوتها الساحر في اللقاء الأخير ولا بهية في رُد قلبي، وهو ما ليس بغريب عن زوجة المخرج حسن الصيفي، وتلميذة زكي طليمات، واكتشاف رائدة السينما المصرية الفنانة عزيزة أمير. كانت مشكلتها الأساسية في طفولتها هي كثرة التنقل بين المحافظات؛ بسبب عمل أبيها غير المستقر، والذي أجبره على كثرة التنقل، وأجبرها على كثرة ترك الأصحاب وأصدقاء الطفولة، وعدم تكوين صداقات أكثر عُمقاً، كما هو مُفترض لطفلة في سن السابعة. انتقلت "زهرة العلا" من الإسكندرية إلى المحلة الكبرى، ثم انتقلت من المحلة الكبرى إلى القاهرة، ومن مجرد الحياة في القاهرة إلى الحياة في أضواء السينما والمسرح التي أنعم الله عليها بها، من خلال عشق أبيها الخالد للسينما والفن. كان أبوها رغم فقره وأبنائه السبعة عاشقا للسينما ومتذوقاً للمسرح العربي، حفظه يوسف بك وهبي، وحفظ وجه ابنته بسبب كثرة ترددهما على مسرحه، وحفظته الفنانة أمينة رزق، واحترمته بسبب ثقافته الواسعة وآرائه الفنية الصائبة من وجهة نظرها، والتي تستحق الدراسة من وجهة نظر زملائها في مسرح رمسيس برئاسة الفنان «البيك». كانت زهرة العلا واحدة من أولئك الذين يهتمون بالمسرح أكثر من الدراسة، ويهتمون بالفن أكثر من العلوم والرياضيات، وهو ما رشَّحها لقيادة فريق المسرح المدرسي، وتدريب أعضائه والمشاركة به في مسابقة المدارس للأفلام القصيرة والحصول على المركز الأول بها. تلك الجائزة التي فتحت أعين أبيها إلى موهبتها الفنية المميزة، ليقدمها إلى الفنان يوسف وهبي من أجل ضمها إلى فريق رمسيس المسرحي الذي كوَّنه وأشرف عليه، وهو ما لم يوافق عليه بسبب سنها الذي لم يتجاوز 13 عاماً حينها، لتثبت هي صغر سنها بالبكاء، الذي أدى إلى تعاطف الفنانة أمينة رزق معها، وإعطائها ورقة توصية إلى الفنان زكي طليمات، من أجل ضمها إلى فريقه المسرحي، وهو ما وافق عليه بالفعل، لتبدأ حياتها الفنية الحقيقية عام 1951. وهكذا وُلدت «زهرة العُلا» رسميا وفنياً حينها، ونسي الجميع عام 1934 والإسكندرية مكان وزمان ولادتها الأصلي. قدَّمت زهرة العلا عددًا من المسرحيات مع الفنان المخرج زكي طليمات، من ضمنها «المتزحلقات» و«بجماليون» و«البخيل»، ذلك العمل الفني الذي اصطدمت من خلاله بالفنانة عزيزة أمير رائدة السينما المصرية، والتي هنأتها بعد انتهاء العرض، وطالبتها بالمشاركة في فيلمها بعنوان "خدعني أبي"، ليكون الأول من ضمن 120 عملاً سينمائياً شاركت فيها «زهرة»، على رأسها "رُد قلبي" و"آمنت بالله" و"طريق الأمل" و"جميلة بوحريد" و"اللقاء الأخير" و"في بيتنا رجل" و"الوسادة الخالية"، وهي أعمال شاركت بهم أعظم نجوم السينما على الإطلاق في ذلك الحين. توقفت تلك الأعمال الفنية منذ قرابة العشر سنوات؛ بسبب تجاهل المنتجين الفنيين لها بعد ظهور أمراض الشيخوخة والكبر عليها، قبل أن تتوقف حياتها بالموت، اليوم الثامن عشر من ديسمبر لعام 2013. تركت خلفها تاريخاً لا يُنسى من الأعمال الفنية، وحياة لا تُنسى لها بجوار زوجها الأول الفنان "صلاح ذو الفقار"، كأزواج لمدة عام، وأصدقاء لباقي العمر، قبل أن تُرزق بكل من منال وأمل من زوجها المخرج حسن الصيفي، والذي ظل بجوارها لمدة 42 عاماً حتى رحيله عن الحياة.