كتب ريس هارتمان، الضابط فى القوات البحرية الامريكية، مقالا تحليلا بعنوان «الغياب الامريكى المرحب به فى أفريقيا»، نُشر على الموقع الالكترونى لمجلة ذا ناشيونال إنتريست الامريكية. ينتقد فيه نمط تواجد القوات الامريكية فى القارة الامريكية، بل ويدعو إلى نمط آخر. بدأ الكاتب المقالة، بانتقاده لكثير من التقارير التى تختزل مشاكل القارة الافريقية حول الجماعات المسلحة، مثل: حركة الوحدة والجهاد وتنظيم القاعدة فى غرب افريقيا، جماعة أنصار الدين وتنظيم القاعدة فى المغرب الاسلامى، الشباب فى الصومال، وبوكو حرام فى نيجيريا. مما يستدعى دورا أكبر للعسكرية الامريكية فى أفريقيا كمخلص لها من هذه الجماعات مثل دورها فى باكستان وافغانستان واليمن وذلك لإنهاء هذا الخطر الذى يهدد الاقليم ومن ثم العالم، والعمل على ايجاد بيئة سياسية مستقرة. ويضيف الكاتب، أن هذا الاتجاه المؤيد للتدخل العسكرى الامريكى يحاول إثبات ضرورة التدخل العسكرى الامريكى من خلال ضرب أمثلة على الواقع الليبى والمالى. حيث يرى أن هاتين الدولتين مازالتا غير مستقرتين بسبب محدودية التدخل العسكرى، بالإضافة إلى عدم قدرتهما العسكرية على مكافحة التمرد والجماعات الارهابية المسلحة. ●●● وأكد الكاتب على رفضه لهذا الاتجاه، وذلك لسببين: ● عندما قام اتحاد المحاكم الاسلامية فى الصومال بالسيطرة على مقديشيو عام 2006، دعمت الولاياتالمتحدة الغزو العسكرى الاثيوبى للصومال وذلك لعزل اتحاد المحاكم الاسلامية الصومالية، وتم هذا دون مقاومة كبيرة. مما أدى إلى فرار الكثير من أعضاء الاتحاد إلى دول الجوار، ولكن حركة الشباب ظلت قائمة ولكنها ذهبت إلى الجنوب حيثما بدأت، ثم بدأت بتنظيم هجمات «تفجيرات واغتيالات» على القوات الإثيوبية التقليدية. ويقول بعض الخبراء انه خلال هذه السنوات تحولت حركة الشباب إلى حرب عصابات وتمكنت من السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضى فى وسط وجنوب الصومال. مما أدى الاحتلال الاثيوبى، المدعوم من الولاياتالمتحدة، إلى إغراق البلاد فى حالة من الفوضى وزيادة تطرف حركة الشباب الصومالى. ويضيف الكاتب، ان روب ويز، الخبير فى مكافحة الارهاب بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ذكر «إن الاحتلال الاثيوبى هو المسئول عن تحويل فصيل اسلامى معتدل إلى فصيل مسلح واكثر راديكالية». ● أيضا عندما حاولت الولاياتالمتحدة فى عام 2008 إلقاء القبض على جوزيف كونى وسحق جيش الله «Lord Army» الاوغندى، ولكنها فشلت فى تحقيق أحد الهدفين، ولكنها استطاعت فقط اخراج جيش الله من الاراضى الأوغندية إلى المنطقة الحدودية بين جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان. ولم تنجح فقط سوى فى قتل وتشريد المئات. أى أن العنف يؤدى إلى زيادة العنف. ثم بدأ الكاتب فى تناول سبب ظهور الحركات المسلحة العنيفة بالقارة الافريقية، حيث أكد أن السبب الرئيسى وراء ظهور مثل هذه الجماعات يكمن فى عدم تواجد المؤسسات القوية والحوكمة الفاعلة القادرة على ردعهم ومقاومتهم. وأيضا العنف المتطرف الذى مورس ضدهم جعلهم ينصرفون عن السلمية ويتوجهون إلى العنف - مثلما ذكر روب ويز سابقا. ●●● وفى ختام المقال أكد الكاتب على أن الدور الامريكى فى محاربة هذه الجماعات المسلحة «الارهابية» لم يكن من خلال القوة العسكرية المسلحة. حيث أثبتت التجارب السابقة فشلها، بل إنها تؤدى إلى مزيد من عنف وتطرف هذه الجماعات. ولهذا؛ رأى الكاتب أن الدور الامريكى فى القارة الافريقية يجب أن يتمحور حول تشجيعها على الحكم الفعال الرشيد، والقيام بذلك بطريقة تحترم حقوق الانسان ويتبع سيادة القانون. وفى النهاية يؤكد الكاتب على ضرورة عدم التدخل عسكريا فى القارة الافريقية، ولكن مساعدتها من خلال تشجعيها لتطبيق حكم القانون، وزيادة النمو الاقتصادى، وإنشاء دولة المؤسسات، مما يمكن الدولة نفسها من مواجهة الجماعات المسلحة «الارهابية». واذا كان لابد من التدخل العسكرى فلابد أن يتم هذا بدراسات تفصيلية ودقيقة جدا عن ما مدى تكلفته وعائده، وإلا سنجد أنفسنا أمام عراق جديد.