علينا الاتفاق أولا أننا لن نستطيع حل مشاكلنا بسياسات نقدية وإنما ممكن أن تكون هذه السياسات مكملة ودافعة لسياسات مالية وإجراءات تقوم بها الحكومة. ثانيا علينا الاتفاق أن ظروف مصر الراهنة تقتضى أن يكون خلق فرص عمل جديدة ومحاولة تقليل (ولا أقول منع) غلق شركات إضافية طالما تعمل بكفاءة معتدلة وفى أسواق مستدامة هى الأولوية الأولى. فمفتاح العدالة الاجتماعية هو أن يجد من يريد أن يعمل فرصة عمل. ولذلك لا مناص من سياسة تيسير كمى نسير فيها لفترة محدودة حتى تستطيع الحكومة رفع كفاءة الأداء فى الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام وخفض الدعم ومعالجة مشكلة التأمينات. هذا يفتح فرصة للاستثمارات الحكومية. أما بالنسبة للاستثمارات الخاصة فهذا أمر سوف نتناوله باستفاضة لاحقا. ثالثا علينا إزالة آثار التضخم عن طريق أدوات كثيرة أهمها إيجاد فرص عمل، وضع حد أدنى للمرتبات يتحرك على سنتين يبلغ 1200 جنيها، تحسين الخدمة التعليمية والخدمات الصحية، إعطاء دعم نقدى مشروط وغير مشروط بدلا من الدعم العينى، تمكين المرأة المصرية من العمل والإنتاج عن طريق برامج متعددة مثل الإقراض متناهى الصغر. فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن مفتاح تعليم الأبناء هو أن تكون المرأة لها دخل خاص (إن لم يكن استقلالا ماليا). هذا كله بالإضافة إلى تمكين شريحة كبيرة من الشباب عن طريق إزالة العوائق البيروقراطية لفتح آفاق العمل الحر وخلق مناخ تفاؤل وأمل لهؤلاء الشباب. إن معدلات سفر الشباب للهجرة مرتفعة للغاية ومقلق إلى أعلى درجة (وهذا أمر سوف نتناوله باستفاضة لاحقا). رابعا إن نسبة الاقتراض مرتفعة للغاية وتزيد بسرعة وعلينا عمل برنامج واضح لخفضها وإلا سوف نواجه أزمة مالية. علينا وضع برنامج على عشر سنوات لتخفيض نسبة الدين للدخل القومى (Debt/GDP) من حوالى 100% وفى اتجاه تصاعدى حاليا إلى 50% وفى اتجاه تناقصى. وحسابيا لن يأتى ذلك إلا أن يكون معدل نمو الدخل القومى، بالإضافة إلى معدل التضخم أعلى بنسبة معقولة من نسبة عجز الموازنة للدخل القومى. وذلك معناه ببساطة إننا مثلا يجب أن ننمو بنسبة 8% وأن تكون هناك نسبة تضخم معقولة فى حدود 10% سنويا وألا يتعدى عجز الموازنة 10%. وبدون الدخول فى تفاصيل حسابية كثيرة فإن ذلك ينزل بمعدل الدين للدخل القومى إلى أقل من 50% فى خلال ثمانى سنوات. ويتأتى ذلك كما هو واضح بالثلاث نسب لتعمل مع بعض. إذا الثلاثى الصعب هو مفتاحنا. يجب تحقيق معدلات نمو مرتفعة (وهو صعب ولكن ممكن بشروط) وتخفيض معدلات عجز الموازنة من 16% حاليا إلى أقل من 10% (وهو ممكن فى حالة استقرارنا على أولويات الصرف) وتخفيض معدلات التضخم إلى 10% سنويا لمدة ثمان سنوات وهو أصعب ما فى الأمر فى ضوء الضغوط التضخمية التى بينتها فى الرسالة الأولى. ولكن إعادة تضخيم الاقتصاد (Reflating the economy) هو بالتأكيد أحد أدوات الحل. وإن لم نفعله بأيدينا فى إطار توازن بين الثلاث عوامل فسوف تكون هناك مشكلة. خامسا إن أخطر ما نواجه هو العجز فى ميزان المدفوعات. فهو ما يضع ضغط شديد على البنك المركزى وعلينا إيجاد وسائل سريعة (أظنها ممكنة) لدحضه. فهناك بلدان كثيرة استطاعت العيش بعجز موازنة كبير فى إطار فائض فى ميزان المدفوعات. وأهم هذه البلدان هى اليابان وتأتى فى المرتبة الأولى عالميا (حتى قبل اليونان) ويبلغ نسبة الدين للدخل القومى فيها ما يقرب من 200%. إذا اتفقنا على الأهداف فإننا يجب أن نتفق على الأدوات. الأدوات لدى البنك المركزى هى المعروض النقدى (money supply) وسعر الفائدة وسعر صرف مناسب لتحفيز التصدير (كما فعلت الصين فى العقد الماضى) فى إطار المحافظة على نسبة مناسبة للتضخم وبالتأكيد فإن البنك المركزى يقوم بعمل ممتاز ولكنى أختلف فى سياسة سعر الصرف. أتصور أنه يجب أن يكون هناك تخفيض لسعر الجنيه (devaluation) فى إطار خلق تذبذبات (volatility) فى سعر الجنيه لخفض حدة المضاربات والأدوات لدى الحكومة هى سياسات السياحة والاستثمار وسياسات الدعم وكفاءة الأداء الحكومى وعملة الاقتراض ومعالجة مشكلة التأمينات. لقد مرت بلاد كثيرة بمشاكل اقتصادية لا حصر لها ولنا فى ألمانياواليابان بعد الحرب العالمية الثانية عبرة. الغريب أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية منهزمة بينما نحن خرجنا من آخر حرب فى أكتوبر منتصرين عسكريا. فكيف فعلنا ذلك بأنفسنا؟ إلى اللقاء قريبا فى رسالة مفتوحة للسيد وزير المالية لبحث سبل تنشيط النمو وتقليل عجز الموازنة وتقليل عجز الميزان التجارى. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن التخطيط والمعرفة وكفاءة إدارة الموارد جزء من الحل. • كتب هذا المقال منذ أسبوعين