أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى، مرسومين بقانونين أحدهما يقضي بتعديل بعض أحكام القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، وتضمن تشديد العقوبات على المتورطين في أي عمل القصد منه تنفيذ غرض إرهابي، والآخر يقضي بالتضييق على عمليات جمع التبرعات التي قد توجه لأغراض إرهابية. يأتي ذلك بعد ان وجه ملك البحرين المعنيين كل في موقعه، بوضع توصيات مكافحة الإرهاب التي أقرها المجلس الوطني قبل أيام قليلة موضع التنفيذ، وكان المجلس الوطني قد أقر في جلسة استثنائية، عددًا من التوصيات للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بالبحرين أو التعرض لأرواح القاطنين فيها بمكروه. كما أخذت الحكومة على عاتقها مسؤولية تنفيذ هذه التوصيات ووضع الخريطة الزمنية والآليات المناسبة لوضعها موضع التطبيق الفعلي، وذلك بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته قبل يومين، وشدد خلاله الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء، على ضرورة أن تسخر الوزارات والأجهزة الحكومية جهودها لتنفيذ توصيات ممثلي الشعب وبالسرعة الكافية. وكان قد اجتمع المجلس الوطني بغرفتيه النواب والشورى، بعد تزايد وتيرة عمليات التخريب وتجاوز الشرعية خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن طالت يد الإرهاب الغاشم قلب الرفاع النابض في محاولة لانتهاك حرمة الشهر الكريم ومقدسات المسلمين وبث الذعر في نفوس الآمنين من المصلين وغيرهم، وهي الجرائم التي تزامنت معها وعلى أثرها محاولات أخرى لتفجير عبوات ناسفة وتفخيخ سيارات بالمتفجرات محلية الصنع تارة في إسكان سند وتارة أخرى في منطقة السيف. وكذلك تجاوز الخارجين لحدود أمن المجتمع بمسلماته ومعتقداته وثوابته في العيش في أجواء من الهدوء والسكينة والسلام، خاصة بعد تردد دعوات غير مرخصة للتظاهر والاعتصام على غرار دعوات شبيهة ضربت دولا مجاورة ونالت من وحدتها واستقرارها، الأمر الذي فرض على البحرين وقيادتها السعي بكل السبل الممكنة من أجل تجنب أحداث قد تجتر تجارب سابقة كان لها تداعياتها، وفي ظل تصاعد وتيرة الاحتقان في المنطقة والمخاوف من احتمالية امتداد التأثير السلبي الناتج عن هذا التوتر من دولة لأخرى، مثلما هو حادث في الوقت الراهن، فمع ظهور موجة من عمليات العنف والاقتتال الداخلي في بعض الدول باتت فرص انتقال مثل هذه العمليات من دولة لأخرى كبيرة، خاصة مع الشحن الذي تقوم به أطراف وجهات لدواع مختلفة، الأمر الذي استشعرت خطره العديد من الدول، ومنها المملكة، واضطرت في إطار مواجهته إلى اتخاذ العديد من الخطط والبرامج الاحترازية. وتبنت البحرين استراتيجية استباقية في إطار مكافحتها للجرائم الإرهابية، ونجحت في صياغة رؤية حازمة للحد من تداعيات هذه التوترات التي تئن من وطأتها بعض الدول في المنطقة والحد من فرص امتدادها إليها، رؤية استطاعت في الحقيقة وخاصة بعد صدور المرسومين الملكيين الأخيرين، أن تحدد طبيعة الإجراءات الفاعلة الكافية التي تمكن البلاد من التصدي لكل ما تفرزه أية أحداث طارئة من تحديات أو تهديدات. ويمثل المرسومين الاستباقيين الأخيرين المرحلة الأولى من مراحل المواجهة الحاسمة ضد الإرهابيين والمتعاونين معهم والمحرضين لهم، ويرسخان الأساس الركين لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها المتورطون في العمليات التخريبية والجرائم الإرهابية، تخطيطًا وتمويلاً، بل ويُنظر لهما باعتبارهما تأكيدًا على مدى وحجم التواصل بين القيادة البحرينية والشعب بكافة مكوناته، ويعكسان مدى الإجماع الوطني على السبل الكفيلة بتحقيق الأمن وبث الشعور بالسلم الأهلي، وإضافة إلى ما سبق، فإن المرسومين الملكيين يعدان استجابة طبيعية من الجهات المعنية لتطلعات الرأي العام وآماله في مزيد من الاستقرار، ويعززان من قيمة التماثل في الرؤى الى درجة التوحد بين قوى الشعب المختلفة ممن استشعرت التحدي الماثل الذي يجب مواجهته ضمن إطار من التكاتف والتكامل ليس فقط بين أجهزة الدولة وبعضها، وإنما بينها وبين فئات الشعب وقواه الأهلية الفاعلة. واستندت البحرين في تحركاتها الأخيرة لمكافحة الإرهاب وتشديد العقوبات الرادعة على المتورطين في العمليات التخريبية إلى عدة ثوابت، أبرزها: استلهام العبر والدروس المستفادة من تجارب الدول التي عانت ولا زالت تعاني من وطأة الجرائم الإرهابية بكافة أشكالها وأنواعها، إذ لا يخفى أن الكثير من الدول في الغرب وفي المنطقة على السواء لم تتوانى عن إعطاء أولوية قصوى للإجراءات التي تكفل تحقيق الأمن الوطني بمفهومه الشامل، ولم تدخر جهدًا في تبني القوانين (قوانين مكافحة الإرهاب) واتخاذ العقوبات الرادعة التي تحد من العنف وتقلل من التوتر، وهو ما تبنته البحرين من قبل، وتعمل من أجله الآن حتى تضع حدا لمن يستغلون الأجواء التي تنعم بها في بث بذور الفتنة والكراهية. فضلاً عن المشاركة المجتمعية الفاعلة في النقاش الدائر حول طبيعة القوانين والإجراءات المطلوبة لمكافحة الإرهاب، حيث شهدت وسائل الإعلام البحرينية في الآونة الأخيرة حملة من ردود الفعل استهدفت توفير الدعم والمؤازرة الشعبية لهذه الإجراءات المتخذة والمنتظر اتخاذها وتوحيد الصف الوطني وراءها باعتبارها حصنا دستوريا وقانونيا سيحمي الجميع من نزعات التعصب التي تتسرب هنا وهناك. وكذلك تعريف المجتمع والرأي العام الداخلي والخارجي على السواء بأهمية الإجراءات الأخيرة التي لا غرض لها سوى إحكام القبضة على المتورطين في أية محاولات إجرامية ترمي إلى تقويض أمن البلاد.