رمضان أشرق فالدنى تتطلع، ظمأى لنور من كتابك يسطع، أيقظت قلبى فاستفاق ميمما، شطر الهدى يرنو اليك ويسمع، فأقوم ليلك داعيا متبتلا، وأظل يومك خاشعا أتضرع. قبل أذان الفجر بدقائق كان الشيخ يستعد ليبتهل الى الله عبر موجات الأثير، تنحنح، ثم خرج صوته عذبا، مميزا، يشق سكون الليل قائلا «جل المنادى». الصوت للمنشد والقارئ نصر الدين طوبار، دقهلى المولد، فى عام 1920، اشتهر فى مدينة المنزلة مسقط رأسه بالصوت الجميل، ولأنه حافظ للقرآن، كان يطلب منه الأهل والاصدقاء والمعارف أن يكون امامهم فى الصلاة وأن يتلو عليهم آيات الذكر الحكيم فى كل المناسبات. ذاع صيته فى محافظته، فنصحه الناس بأن يتقدم الى اذاعة القرآن الكريم، مؤكدين له أنه سيجتاز اختبارات الاذاعة بسهولة، وهو ما شجعه على التوجه الى القاهرة. فى غرفة صغيرة بمبنى الاذاعة قرأ ما تيسر له من القرآن، ثم فاجأته النتيجة، رسب على غير المتوقع، ثم رسب لأربع مرات متتالية بعدها. ضجر الشيخ ومل من الرسوب، لكن اقتناعه بصوته، وتشجيع من حوله، دفعه إلى دخول اختبارات أصوات قراءة القرآن والإنشاد الدينى للمرة السادسة، وكان أن نجح فى السابعة. ارتبط صوت الشيخ بشهر رمضان لسنوات عديدة، لما قدمه من ابتهالات خاصة بالشهر الكريم، كانت تذاع على موجات الراديو قبل أذانى المغرب، والفجر. قدم طوبار ما يقرب من مائتى ابتهال منها «يا مالك الملك»، و«غريب عنك يا دنيا غريب، وماذا بعد ما زحف المشيب، فليس سوى الهى من انيس، وحسبى انه نعم الحبيب»، و«مجيب السائلين»، و«يا سالكين إليه الدرب»، و«يا من له فى يثرب»، و«يا من ملكت قلوبنا»، و«يا بارئ الكون»، و«ما بين زمزم»، و«من ذا الذى بجماله حلاك»، و«سبحانك يا غافر الذنوب»، و«إليك خشوعي»، و«حين يهدى الصبح اشراق سناة»، و«يا ديار الحبيب»، و«قف أدبا»، و«طه البشير»، و«لولا الحبيب»، و«كل القلوب إلى الحبيب تميل»، و«يحق طاعتك»، و«عدت إلى رحابك». اختير مشرفا وقائدا لفرقة الإنشاد الدينى التابعة لأكاديمية الفنون بمصر عام 1980، وشارك فى احتفالية مصر بعيد الفن والثقافة، كما أنشد فى قاعة ألبرت هول بلندن، فى حفل المؤتمر الإسلامى العالمى. سافر إلى العديد من الدول العربية والأجنبية، وكتبت عنه الصحافة الألمانية تمتدح صوته قائلة «صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب». تم تعيينه قارئا للقرآن الكريم ومنشدا للتواشيح بمسجد الخازندارة بشبرا. وتوفى فى 6 نوفمبر عام 1986، تاركا موسوعة صوتية من التواشيح والابتهالات، ستظل فى ذاكرة تاريخ الانشاد الدينى الى الأبد، ويظل صوته ووجهه رمضانيا خالصا، ينثر نسائم ايمانية كلما هل الشهر الكريم، وينادى «رباه.. ها أنا ذا خلصت من الهوى واستقبل القلب الخلى هواك، وتركت أُنسى بالحياة ولهوها، ولقيت كل الأنس فى نجواك، ونسيت حبى واعتزلت أحبتى، ونسيت نفسى خوف أن أنساك، ذقت الهوى مرا، ولم أذق الهوى حلوا قبل أن أهواك، يا غافر الذنب العظيم، وقابلا للتوب، قلب تائب ناجاك، سبحانك جل جلالك يا الله».