عرف الإنسان السكر مع بدايات ما عرف فى حضاراته المختلفة على الأرض. طمعا فى المذاق الحلو دخل السكر فى كل ما يتمنى الإنسان أن يأكل فهناك دائما نسبة ولو ضئيلة منه على كل مائدة وفى أى طعام. المذاق الحلو بالطبع متعة لكنها بلا شك متعة أعلى قيمة إذا ما ارتبطت بالصحة وغابت عنها مرارة المرض.
لا نتحدث عن السكر اليوم لنفسد عليكم تلك المتعة إنما نضاعفها حينما ندعوكم للتعامل مع السكر بما يستحق من «اعتدال» حتى لا تفاجئكم المرارة مختبئة فى حلاوته.
السكريات مواد بسيطة يدخل فى تركيبها الكربون والأكسجين والهيدروجين تنتمى لعائلة الكربوهيدرات فتعد من أبسط مركباتها. فالكربوهيدرات إما بسيطة كالسكريات أو معقدة كالنشويات. لكنها فى النهاية إذا ما تحللت انتهت إلى أبسط صورها:
السكريات النشويات صورة من صور الكربوهيدرات المعقدة التى تتكون من جزيئات معقدة من السكر مرتبطة بعضها البعض فى صورة سلاسل. من أمثلة النشويات المعروفة الألياف التى تتكون بالفعل من جزيئات من السكر مترابطة فى صورة سلاسل متفرعة تبدو معقدة التراكيب إلى الدرجة التى تجعل تفكيكها عملية شبه مستحيلة فى الأمعاء.
الألياف هى الطعام الذى يدخل إلى أمعاء الإنسان ويخرج على حالة لا يتم هضمه إنما تكمن فائدته فى أسباب أخرى منها تنظيم حركة الأمعاء أو أن تعلق بها بعض جزيئات الطعام منها المفيد خروجه مثل الكوليسترول.
أنواع السكريات السكريات إما أحادية تتكون من جزئى واحد من السكر أو من جزئيين فتسمى ثنائية.
السكريات الأحادية تبدأ بأهم السكريات: • الجلوكوز (Glucose) هو السكر الذى يعتمد عليه الجسم فى كل عمليات الطاقة والتمثيل الغذائى. يسرى فى الشرايين ويدخل أنسجة الجسم المختلفة تحت تأثير هورمون الإنسولين وهو المسئول عن مرض السكر فى الدم بنوعيه الأول والثانى.
• الفراكتوز (Fructose): أو سكر الفاكهة الذى يتوافر فى الفواكه والخضراوات الطازجة بصورة طبيعية.
• الجالاكتوز (Galactose): يوجد فى اللبن.
أما السكريات الثنائية: • سكر السكروز (Sucrose) أو سكر المائدة الذى نستخدمه عادة فى منازلنا ويتكون من اتحاد جزئيين من سكرى الجلوكوز والفراكتوز.
• سكر المالتوز (Maltose) ويتألف من جزئيين من الجلوكزو ويوجد فى الشعير ومنه يتكون الجليكوجين: أحد أنواع الكربوهيدرات المعقدة التى تخزن فى الكبد كرصيد للطاقة حاضر عند الحاجة له.
الجلوكوز والإنسولين يفرز البنكرياس هرمون الإنسولين فى ثنائية عمل فريدة. يعتبر الإنسولين حارس بوابات الخلايا إذ إن إفرازه فى الدم يفتح الطريق أمام الجلوكوز ليعبر من الدم إلى كل خلايا أنسجة الجسم حاملا الطاقة اللازمة التى تستغل فى عمليات التمثيل الغذائى.
بعد تناول الطعام يمتص السكر من جدار المعدة ليدخل الدم فيرتفع منسوبه، الأمر الذى ينبه البنكرياس ليبدأ فى إفراز الإنسولين.
يدخل الجلوكوز خلايا الجسم وأنسجته وينحسر منسوبه فى الدم، الأمر الذى معه يتراجع إفراز الإنسولين. تلك هى العملية الغذائية الطبيعية التى تحدث.
إذ ارتفع مستوى السكر إلى مستويات أعلى وبسرعة ارتفع فى المقابل إفراز الإنسولين بمعدلات أعلى، الأمر الذى يخل بالتوازن المطلوب دائما.
غياب الإنسولين يتسبب فى النوع الأول من السكر بينما ينتج النوع الثانى من جراء الخلل فى التوازن مضافا إليه مقاومة أنسجة الجسم لعمل هرمون الإنسولين كرد فعل لارتفاع مستويات السكر.
الفراكتوز والكبد يعتمد الكبد على الفراكتوز فى إجراء تفاعلات التمثيل الغذائى لذا يشجع الأطباء مرضى السكر على تناول الفاكهة بدلا من كل أنواع الحلوى التى يستخدم فيها سكر الجلوكوز والسكروز. يستطيع الكبد بسهولة أن يتعامل مع سكر الفراكتوز فى الفاكهة أما إضافة الفراكتوز كشراب للحلويات فى كميات زائدة يربك الكبد إذ إنه فى تلك الحالة يحفزه على إنتاج كميات كبيرة من الدهون الثلاثية!
السكر فى مرآة المرض السكريات الطبيعية توجد فى الفاكهة والخضراوات ومنتجات الألبان بصورة طبيعية نظرا لاحتوائها على كميات معقولة من السكر، أما السكريات المضافة والمصنعة والتى يتم إضافتها أثناء تحضير الطعام والمخبوزات والعصائر فهى فى الواقع أكثر خطورة وأقرب للمرض منها للصحة.
عادة ما يستخدم فى تحضير الحلويات شراب الذرة عالى الفراكتوز. وهو شراب من الفراكتوز تتم معالجته صناعيا ببعض الأنزيمات ليصبح فى النهاية أقرب إلى سكر المائدة الذى نستخدمه خليطا من الجلوكوز والفراكتوز.
ارتباط السكر بالمرض يأتى دائما من تناول كميات أكبر مما يحتاج الجسم وإن تم ذلك بصورة غير مباشرة إلا أنها واضحة تماما. قدر أكبر من السكر يرتبط دائما بعوامل الخطورة على صحة الإنسان والقلب بصورة خاصة.
السمنة زيادة الوزن تعد عبئا على أجهزة الجسم المختلفة فترتبط السمنة بالكثير من المشكلات الصحية الخطيرة والتى تبدأ بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل ومرض السكر. حقا لها أسباب كثيرة مختلفة لكن اكتساب طاقة زائدة وسعرات حرارية لا داعى لها من ألوان الطعام خاصة السكريات والدهون سبب بلا شك جوهرى للسمنة.
مرض السكر من النوع الثانى ما ينطبق على السمنة ينسحب على مرض السكر. مع ارتفاع نسبة مرضى السكر فى العالم بصورة مخيفة يجب الانتباه إلى أن التاريخ المرضى العائلى ليس السبب الوحيد لحدوث مرض السكر. دراسات عديدة حديثة تشير إلى أن الإفراط فى تناول المواد السكرية فى الطعام والعصير والمشروبات المحلاة بالسكر سبب مباشر لظهور حالات عديدة من مرض السكر من النوع الثانى.
الكوليسترول الردىء وارتفاع ضغط الدم رغم أن العلاقة غير مباشرة إلا أن العلم الحديث يشير إلى أن مرض السكر يتبعه تناقص فى نسبة الكوليسترول الجيد وارتفاع فى نسبة الكوليسترول الردىء والدهون الثلاثية. الأمر الذى معه يرتفع معدل الإصابة بأمراض شرايين القلب.
رغم ارتباط ارتفاع ضغط الدم باستهلاك الصوديوم إلا أن الدراسات المتتالية الحديثة تشير إلى أن خفض استهلاك السكر أيضا يؤدى إلي خفض أرقام الضغط العالى بنسبة قد يكون فيها وقاية حقيقية من مضاعفات خطيرة كالسكتة الدماغية أو النوبات القلبية.
النوبات القلبية كل عامل من عوامل الخطورة التى يواجهها القلب مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم ومرض السكر بمفرده يجب أن يحسب له حساب فما بالنا لو اجتمعت تلك العوامل فى منظومة واحدة يطلق عليها متلازمة التمثيل الغذائى أو سمنة حول الخصر، ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية، وارتفاع ضغط الدم ومقاومة الجسم للإنسولين لدى مريض السكر: عوامل تشكل مفردات متلازمة التمثيل الغذائى والتى بلا شك تهدد حياة الإنسان باحتمالات النوبة القلبية.
كيف إذن نرى السكر فى مرآة الصحة؟ - أول ما يجب أن يتبادر للذهن هو تناول السكر باعتدال. السكر من مصادره الطبيعية أفضل مع ملاحظة أن السكر هو السكر مهما اختلفت ألوانه. السكر الأبيض هو البنى هو البودرة هو القوالب، أو المتكسر لا فرق على الإطلاق. تفادى السكر المضاف فى المخبوزات والعصائر وأنواع الشراب المحلى قدر الإمكان.
- لتحلية الشاى والسكر يمكنك الاعتماد على مواد التحلية الصناعية وإن كان من الأفضل دائما أن تحاول بجدية الاستمتاع بطعمها الطبيعى دون سكر.
- إذا كنت من هواة الحلويات واستطعت التنازل عن نصف القدر الذى تعودته حاول تجربة: الفاكهة بأنواعها، الفواكه المجففة غير المحلاة بالسكر، أنواع الزبادى المجمد مضافا إليه فاكهة طبيعية.
- حاول تجربة أكلات صغيرة «سناك» من المكسرات والفواكه الطبيعية إنها تحافظ على مستوى السكر فى دمك فلا تجعلك تشعر بحاجة ملحة للسكر والحلويات.
- احرص دائما على قراءة ما يكتب على أغلفة الأطعمة والعصائر سابقة التجهيز ربما كان فيها من كميات السكر المضاف مما يجعلك تقبل عليها أو تعرض عنها.
لا ضرر على الإطلاق فى تناول السكر فى صورته الطبيعية فى اعتدال مطلوب. أما أنواع السكر المضاف فيجب الانتباه لها. إنها المرارة التى تختبئ فى حلاوة السكر.