تشهد البرتغال، اليوم الخميس، إضرابها العام الرابع خلال سنتين، بدعوة من النقابات؛ احتجاجًا على سياسة التقشف التي يطالب بها الدائنون لتقديم مساعدة مالية، ومن المقرر تسيير تظاهرات كبرى في سائر أنحاء البلاد بعد ظهر اليوم؛ التزامًا بهذا الإضراب الذي دعت إليه أكبر نقابتين عماليتين، الاتحاد العام للعمال البرتغاليين القريب من الحزب الشيوعي، والاتحاد العمالي العام المعروف تاريخيًّا بأنه أكثر اعتدالًا. وقال رئيس الاتحاد العمالي العام، كارلوس سيلفا، ظهر اليوم: إن "المشاركة في الإضراب قوية جدًّا، وتتخطى توقعاتنا"، في حين أبدى رئيس الاتحاد العام للعمال البرتغاليين، أرمينيو كارلوس، الذي يطالب بانتخابات مبكرة، أمله مساء أمس في "مشاركة كبيرة" في الإضراب بهدف "إضعاف الحكومة أكثر".
وإضراب اليوم هو الثاني الذي تنظمه النقابتان معًا بعد الإضراب الذي دعيا إليه في نوفمبر 2011 أي بعد خمسة أشهر من تسلم حكومة يمين الوسط الحكم، ودعا الاتحاد العام للعمال البرتغاليين منفردًا إلى إضرابين في مارس ونوفمبر 2012، إلا أن آمال النقابتين بتوسيع التحرك ليطال القطاع الخاص الذي يعرف عن عماله ضعف حماستهم للنقابات، يبدو أنها تبددت. وأقر كارلوس سيلفا بأن "الأرقام بالنسبة للقطاع الخاص لا توازي تلك المسجلة في الإدارة العامة"، مضيفًا "لكن هذا مؤشر واضح بالنسبة للحكومة بأن الطريق التي اختارتها ليست الطريق السليم".
ومع ذلك توقف الإنتاج في مصنع فولكسفاغن الكبير في ضواحي لشبونة المعروف ب"أوتو أوروبا"، في حين تم شل حركة أكبر معامل إنتاج الكهرباء في البلاد بنسبة 70% في مدينة سينيس الواقعة على بعد 160 كلم من لشبونة، بحسب الاتحاد العام للعمال البرتغاليين.
وأعلنت إدارة المطارات في البرتغال صباح اليوم أنه تم إلغاء 22 رحلة بينها 17 في لشبونة، في حين تم تسجيل تأخير عدد كبير من الرحلات، كذلك أصاب الإضراب القطاع الصحي، ففي مستشفى ساو جوزيه، أحد أكبر مستشفيات لشبونة، تم تعليق العمل في كل الخدمات الاستشفائية باستثناء العمليات الجراحية، وفق ما أفادت قناة سيك الخاصة.
كما أن قطاع الإعلام الحكومي تأثر بالإضراب، إذ أن وكالة لوسا للأنباء توقفت عن الخدمة منذ الساعة 08,00 بتوقيت جرينتش. وتعيش العاصمة البرتغالية حركة بطيئة، وقال سيرجيو، وهو عامل في أحد المصانع، ويبلغ 35 عامًا خلال انتظاره أحد الحافلات القليلة التي تسير في المدينة اليوم: "أنا أؤيد أن نظهر سخطنا، لكن إذا ما لازمت منزلي سأضر برب عملي في حين أن اللوم يقع على الحكومة".
من جانبها أعلنت لويزا ماغاليس، وهي موظفة في مجال المحاسبة، وتبلغ 35 عامًا "إنني لست مع الإضراب لأنه لا يؤدي سوى إلى إزعاج من يريدون العمل، والبلاد تخسر الكثير من المال". ومع إقراره ب"الحق غير القابل للتصرف" بالإضراب، شدد رئيس الوزراء البرتغالي بيدرو باسوس كويلو المؤيد بشراسة للتقشف، في كلمة أمام البرلمان الأربعاء على أن "البلاد بحاجة لإضرابات أقل وعمل أكثر"، في مداخلة أثارت اعتراضات كثيرة من برلمانيين.
وتتابع "الترويكا" الدائنة للبرتغال (الاتحاد الأوروبي - البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) مجريات هذا الإضراب. وقد بدأت هذه الترويكا الاثنين مهمة في لشبونة تحضيرًا للاجتماع الوزاري التقييمي المقبل، المزمع انطلاقه في 15 يوليو، ولا يزال يحظى باسوس كويلو بدعم من الجهات الدائنة التي تقر بجهوده لإصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد، وقد منحته حتى العام 2015 لإعادة الدين العام إلى ما دون مستوى 3% من إجمالي الدخل المحلي، وهو السقف المحدد من جانب الاتحاد الأوروبي.
إلا أن رئيس الوزراء لم يستبعد إجراء مراجعة سلبية جديدة للأهداف المحددة، للمرة الثالثة منذ بدء تطبيق خطة إنقاذ مالي بقيمة 78 مليار يورو تم إقرارها في مايو 2011 من جانب الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وأدت سياسة التقشف إلى زيادة فاقت ما كان متوقعًا للانكماش والبطالة، وبحسب التوقعات الرسمية فإن الاقتصاد البرتغالي المتراجع منذ عامين، سيواجه تراجعًا جديدًا هذا العام بنسبة 2,3% في حين من المتوقع بلوغ نسبة البطالة مستوى قياسيًّا عند 18,2%.