الاعتصام الذي بدأ داخل مكتب وزير الثقافة، أمس الأربعاء، كانت له لحظة ذروة. تجلى حماس الأدباء والفنانين، عندما تضامن معهم موظفو المكتب، وطردوا العاملين الجدد الذين جلبهم الوزير من أنصار جماعة الإخوان.
نسي البعض مشادات قابلتهم أثناء محاولة الدخول إلى مقر الاعتصام، وانتهى الأمر بالتصفيق والصلح مع أعضاء المكتب، وإعلان شكر وتحية للموظفين الذين استسهلهم الوزير، وأطاح بهم، مبررًا موقفه، بأنهم سمحوا للمعتصمين بالدخول.
الخطة التي وضعها عدد قليل لتحقيق الاعتصام، كانت محكمة ودقيقة، عرف بها أغلب المعتصمين، قبل التنفيذ بساعة أو أقل، البداية كانت فجر الأربعاء، في مكالمة مع الناشر والمناضل محمد هاشم، لمعرفة تفاصيل اليوم الذي كان مخططًا أن يبدأ باجتماع في المجلس الأعلى للثقافة، قبل التوجه لمقر الوزارة والتظاهر أمامها، قال: إنه لن يستطيع الذهاب إلى الاجتماع، وراءه أمور أخرى في نفس السياق.
«وراك إيه؟» «مش هينفع أقولك دلوقت، حاول تعدي علي الساعة 10 الصبح ضروري جدًّا..»
في الصباح اتضحت الخطة، لم يستطع هاشم حكيها خوفًا من مراقبة الهواتف، الإيحاء بتظاهرة عادية ينشغل فيها الجميع، ويذهب عدد من كبار الأدباء والفنانين لمكتب الوزير، يدخلوا في هدوء، ثم يعلنون الاعتصام.
قال هاشم في الهاتف:
«انسَ اجتماع المجلس، خلاص احنا دخلنا مكتبه، ومعتصمين جواه، ومش خارجين حتى الإقالة، معانا بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وسيد حجاب وفتحية العسال وناس كتير».
عند العصر، كثرت الأعداد، والجميع يحاول الدخول إلى مقر الاعتصام:
شعبان يوسف وسلوى بكر وزين خيري وأحمد مجاهد ونبيل بهجت وشباب الأدباء وائتلافات الثقافة وفناني الأوبرا، وانطلقت الأغاني من مكبرات الصوت، الشيخ إمام وعزة بلبع ورامي عصام، ووجوه كنت تراها بميدان التحرير في عز الثورة، ازدادت لدرجة بأن معها أقلية ممن جاءوا يؤيدون علاء عبد العزيز، أقلية غطت بالكاد المنصة التي تخصهم.
عدم التكافؤ بين الفريقين، لم يقف عند الناحية الكمية، أنت ترى في وجوه المعتصمين ضد الوزير، أدباء وفنانين من قبيل: بهاء طاهر وسيد حجاب وصنع الله إبراهيم ومحمد هاشم وإبراهيم عبد المجيد وخالد صالح وسكينة فؤاد ومحمد العدل وأحمد عبد العزيز وخالد يوسف وجيهان منصور وأحمد نوار وفتحية العسال وسعد القرش ومحمد عبلة ومحمود قابيل ويوسف القعيد وسهير المرشدي وحنان مطاوع وجلال الشرقاوي ومنال محيي الدين وفردوس عبد الحميد وسامح السريطي. هؤلاء فقط على سبيل المثال لا الحصر، وفي المقابل، لا ترى في وجوه مؤيدي الوزير، دون مبالغة، شخصية واحدة معلومة، حتى الذين ينسبون أنفسهم للحقل الثقافي، ويدافعون عن علاء عبد العزيز، ليل نهار، على «فيس بوك» مثل طاهر البربري وعبد الحكيم حيدر، لم يتواجد أي منهم عند منصة المؤيدين.
وجاء البيان الأول للمثقفين المعتصمين، معلنًا: «رفضهم للوزير الذي فرضته الفاشية الدينية الحاكمة، والذي بدأ فعلًا في خطة تجريف الثقافة الوطنية، ويؤكدون أنهم لن يقبلوا بوجود وزير لا يلبي طموح المثقفين وتطلعاتهم للرقي بالثقافة اللائقة بالثورة العظيمة منذ بدء موجتها الأولى في 25 يناير».
أعلنوا استمرارهم في الاعتصام حتى: «يتولى زمام أمر الثقافة من يتعهد ويؤمن بالحفاظ على قيم التنوع والمواطنة والثراء الذي كان سمة الثقافة المصرية عبر العصور».
مع مغيب الشمس، تغيرت الوجوه، ذهب بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وخالد صالح، وجاء مجدي أحمد علي وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم.
وبينما استراح محمد عبلة على إحدى الكنبات وأغمض عينيه استسلامًا للنوم، استقر الجميع على جدول لتناوب الاعتصام، حتى إقالة علاء عبد العزيز، وعدم مجيء من يمثل تياره، أو الخروج من المكان يوم 30 يونيه للمشاركة في التظاهر الذي سوف يندلع ضد حكم الإخوان.
دردشة على هامش الاعتصام
بهاء طاهر رغم ثقتي من أن الاحتجاجات لن تؤدي إلى إبعاد هذا الوزير، الذي يعلم من عينوه ماذا يريدون منه، وينفذ ما يريدون، رغم هذا، فأنا متفائل جدًّا اليوم، حيث أثبت المثقفون المصريون أنهم في حالة توحد على قلب رجل واحد، من أجل تحقيق هدف نبيل، وهو إنقاذ الثقافة والهوية المصرية، من أية أخطار تهددهما.
سيد حجاب هذه حلقة حاسمة من حلقات الصراع بين الثورة والثورة المضادة التي تقودها جماعة فاشية عبر حرب لتغيير هوية المجتمع، حرب ضد القضاء والإعلام والمرأة والثقافة، لم نكن راضين بالكامل عن الثقافة في عهود ماضية، إلا أن تعيين «نكرة» في الوزارة هو إهانة للمثقفين، وما بدأه من إجراءات تشير إلى مشروع استبدادي لتغيير الروح المصرية، المثقفون مع طوائف الشعب المصري يلتفون حول حركة «تمرد» التي أعادت الثورة إلى الميدان وإلى وجهها السلمي، نحن على موعد مع 30 يونيو لإسقاط الجماعة الفاشية.
إبراهيم عبد المجيد قناعاتي فيما يخص إلغاء وزارة الثقافة، أؤجل نقاشها في هذه الظروف، وأتضامن وأعتصم مع الموجودين هنا حتى يتم ردع أخونة الثقافة عبر هذا الوزير الذي ارتكب الكثير من التجاوزات في حق الثقافة المصرية.
شعبان يوسف ما حدث هو رد فعل طبيعي، لانتهاكات الوزير في الثقافة، واعتصام المثقفين خطوة صحيحة على طريق إقالة هذا الوزير الذي يفرغ وزارة الثقافة من مضمونها القديم لإحلال مضمون جديد ينتمي لتيار بعينه.
سعد القرش
ما يحدث اليوم، هو الدليل على تطور الإبداع داخل نطاق الثورة المصرية، يتجلى في الخطة السرية التي وضعها المثقفون لنجاح الاعتصام.
خالد يوسف معتصمون حتى أحد الأجلين، إما إقالة علاء عبد العزيز واختيار من يرضي طموح الأدباء والفنانين، وهنا يتم فض الاعتصام، إما عدم الخروج من هنا حتى 30 يونيو، والذهاب للمشاركة في التظاهرات التي يتم الحشد لها.
مجدي أحمد علي هذا الاعتصام يعيد ذاكرتي إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما حاول وزير الثقافة وقتها فرض أحد القوانين غير المقبولة على الثقافة المصرية، وجئنا إلى الوزارة واعتصمنا داخلها حتى حققنا ما نريده، وهذه المرة أيضًا لن نفض اعتصامنا حتى يتحقق ما نطلبه. جيهان منصور: أمس ذهبنا نتضامن مع القضاة، واليوم مع عقول مصر الثقافية والفكرية والفنية، جئت دفاعًا عن الهوية المصرية، وخوفًا من ضياعها على يد من يحكمون باسم الدين، والجدل الحاصل بسبب وزير الثقافة، ربما يكون محاولة فاشلة، لإلهائنا عن مشاكل أخرى كبيرة مثل أزمة نهر النيل، أو تحويل دفة الاهتمام عن وزير الإعلام مثلًا.
أحمد عبد العزيز حتى لو وضعوا أيديهم على دار الكتب والوثائق القومية، لا تخف كثيرًا على تراث مصر، هذا شأن محفور في الوجدان، وأنت تجد مصطلحات نستخدمها في الحياة اليومية، هي أصلًا من الموروث الفرعوني، أين ستذهب شادية وعبد الحليم؟ وماذا سيفعلون في كتابات نجيب محفوظ وأشعار فؤاد حداد، الذين زاد انتشارهما بعد رحيلهما جسديًّا؟