الاستعلام عن نتيجة الامتحان الالكتروني للمتقدمين لمسابقة شغل 243 وظيفة بوزارة العدل    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    مع اقتراب عيد الأضحى وحتى لا تنخدع.. اعرف الفرق بين اللحم البقري والجاموسي    أهم الملفات أمام وزير التضامن الجديد | تقرير    تموين الإسكندرية تشكل غرفة عمليات لمتابعة توافر السلع استعدادا لعيد الأضحى    خلال تجمع البريكس.. وزير النقل يبحث مع نظرائه بالإمارات وروسيا توطين الصناعة بمصر    وزير المالية: التأمين الصحي الشامل يجذب القطاع الخاص ويشجع التنافسية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يهاجم مواقع لحزب الله بلبنان    وزير الرياضة: حسام حسن وصلاح «موضوع منتهي»    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    الموجة الحارة مستمرة وانخفاض 6 درجات الأحد المقبل في المنيا    تحرير 9 محاضر لمخابز مخالفة ببلطيم في كفر الشيخ    100 لجنة لاستقبال 37 ألف و 432 طالباً وطالبة بامتحانات الثانوية العامة في المنيا    السيطرة على حريق نشب بشقة في منطقة المنيب دون إصابات    رئيس بعثة الحج: انتهاء تفويج الحجاج من القاهرة إلى المدينة المنورة    للمرة الأولى.. وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان عرض"الباليه الوطني اليوناني" بالأوبرا    إطلالة جريئة ل حلا شيحة في «زفاف جميلة عوض».. وأحمد سعد: «عاملين بلاوي» (صور)    القاهرة الإخبارية: بلينكن يسعى خلال زيارته لإسرائيل للتوصل لاتفاق تهدئة بغزة    «السبكى»: توقيع عقدي تعاون لتعزيز السياحة العلاجية ضمن «نرعاك في مصر»    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    واشنطن تطالب إسرائيل بالشفافية عقب غارة على مدرسة الأونروا    التعليم العالي: إدراج 15 جامعة مصرية في تصنيف QS العالمي لعام 2025    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    الموقع الرسمي ل نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القليوبية 2024 الترم الثاني (تظهر خلال ساعات)    ذا جارديان: "حزب العمال البريطانى" قد يعلن قريبا الاعتراف بدولة فلسطينية    لوكاكو يكشف إمكانية إنتقاله للدوري السعودي في الموسم الجديد    ماكرون يرحب بزيلينسكي في قصر الإليزيه    خالد جلال ناعيًا محمد لبيب: ترك أثرًا طيبًا    سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام    تعرف على فضل صيام التسعة أيام الأوائل من ذي الحجة    صيام العشر الأول من ذي الحجة 2024.. حكمها وفضلها والأعمال المستحبة بها    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    قافلة طبية مجانية بقرى النهضة وعائشة في الوادي الجديد    مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات    خبراء عسكريون: الجمهورية الجديدة حاربت الإرهاب فكريًا وعسكريًا ونجحت فى مشروعات التنمية الشاملة    الإسكان: تم وجارٍ تنفيذ 11 مشروعًا لمياه الشرب وصرف صحى الحضر لخدمة أهالى محافظة مطروح    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    10.2 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    عيد الأضحى 2024| أحكام الأضحية في 17 سؤال    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    إبراهيم حسن: الحكم تحامل على المنتخب واطمئنان اللاعبين سبب تراجع المستوى    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل دنقل.. أثقل من كفة الموت
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 05 - 2013


«الجنوبى يا سيدى، يشتهى أن يكون الذى لم يكنه..

يشتهى أن يلاقى اثنتين: الحقيقة والأوجه الغائبة».

ويختتم أمل آخر قصائده..

ثلاثون عاما على رحيله، والكتابة أصبحت مأزقا بعد كل ما كُتب، غير أنها ضرورة للتخلص منه، وحتى يستطيع الواحد أن يتعامل معه، كشاعر، وليس كنبى معصوم.

•••

مشهد:

سيدة ريفية ترتدى السواد، تتكلم إلى الكاميرا، بصوت مشوش:

«من طلعته راجل، طلع معايا راجل، وبيتكلم كلام ناس كبيرة، ما حسيتش إنه طفل أو صبى، كان بيقرا كتب أبوه وكتب الناس الكبيرة، البلد كلها كانت عارفة إنه هيبقى شاعر، مكنش بيبطل قراية».

مشهد:

نفس السيدة، تزور المقابر، تتوجه إلى أحد الشواهد، تجلس أمامه، تبكى بحرقة، تقترب الكاميرا من الشاهد، لتظهر الكتابة المخطوطة عليه بالأسود:

«قبر المرحوم أمل دنقل

توفى يوم السبت 21/5/ 1983

كل من عليها فان».

مشهد:

أمل يرقد على السرير، يتحدث إليه الطبيب المعالج، يحاول تخفيف الأمور، بجوار السرير يجلس رجل أربعينى هو عبدالرحمن الأبنودى، وشابة عشرينية هى عبلة الروينى، وفتاة صغيرة، هى أسماء يحيى الطاهر عبدالله».

يخرج الطبيب، تقوم عبلة وتعطى الدواء لزوجها، وعبدالرحمن يضبط له الوسادة، يقول: «كده برده تكون ظريفة».

ثم باقى مشاهد فيلم «حديث الغرفة رقم 8» الذى أخرجته عطيات الأبنودى، وصوره محسن نصر وطارق التلمسانى. مشاهد يتحدث فيها أمل عن رحلته من الصعيد إلى القاهرة، وأول تعارف مع العاصمة، وصدمات البدايات، وعودته إلى الصعيد، ورجوعه مرة أخرى برفقة الأبنودى، ولقائهما ب«شلل» الكتاب على مقاهى وسط البلد، وبداية التجربة الأشهر فى تاريخ الأدب العربى، تجربة جيل الستينيات.

•••

هذا شاعر يحمل كل متناقضات الدنيا، وكبرياء أحمى من نصل مسنون بإخلاص، لحد إصابته بالفقر القح حتى لا يهين الشعر. يحمل قلبا أرقّ من قلب عصفور، ومشاعر تواجه من يحبهم بصدمات تبدو جارحة، لكنها، فى العمق، تخلص المشهد من أى منغصات شكلية.

يقابل فتاة عمره، وحبه الأكبر، وعندما يدرك مشارف الغرام، يفتت الحواجز ويسألها عن الحبوب التى بوجهها، وإذا كانت تضايقها، ليصبح التناقض مفتاحا له، ومدخلا لواحد من أجمل الكتب: «الجنوبى»، الذى صاغته عبلة الروينى، بطريقة أقرب للسحر، لتلتهمه أنت فى ليلة، بين كوب شاى وآخر.

«محاولة العثور على مدخل حقيقى لشخصية أمل، تعكس ثنائية حادة، كل من طرفيها يدمر الآخر، ويشتت الكثير من أشكالها، إنه الشيء ونقيضه فى لحظة نفسية واحدة يصعب الإمساك بها والعثور عليه فيها».

كيف استطاعت، عبلة، فرض حضورها فى وجود هذا العملاق؟ ليست الموهبة وحدها، ربما هو الصدق، والاعتراف بالذوبان فى نسيج قماشة أهم شعراء مصر الحديثة.

كان مدخله التناقض، وكانت تيمتها الدهشة.

قدمت عبلة ملحمة حقيقية، ذروتها أربعة سنوات وتسعة أشهر، هى عمر علاقتهما، كانت فيها الحبيبة المندهشة، غير المنسحقة أمام هذا الكيان الأسطورى.

«كنت أريد الكثير من الكلام، والكثير من الانفعال، والكثير من النار والكثير من الحرائق، وكان يمنحنى مشاعر عميقة يرفض تأكيدها بالألفاظ. كان يريد من مشاعرى المزيد من الهدوء والمزيد من السكينة، من أجل لحظة اطمئنان واحدة لم يعرفها طوال حياته، وكنت أمنحه انفعالات مستمرة وتوترا عاطفيا لا يعطى استقرارا».

•••

أيتها العرافة المقدسة..

جئت إليك.. مثخنا بالطعنات والدماء

أزحف فى معاطف القتلى.. وفوق الجثث المقدسة

منكسر السيف.. مغبر الجبين والأعضاء.

أسأل يا زرقاء..

عن فمك الياقوت.. عن نبوءة العزراء

عن ساعدى المقطوع.. وهو ما يزال ممسكا بالراية المنكسة.

•••

يرحل أمل عن 43 سنة، قضى أربع منها صراعا مع المرض، بعد أن كان وصل، بالشعر وحده، إلى مرتبة لم يصلها شاعر فصحى مصرى حديث.

المقصود بتلك المرتبة، ليست القيمة الأدبية وحدها، لأنها، كمعيار، توفرت فى ذلك الوقت لأسماء مثل صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى، لكن المقصود هو اكتمال المشروع بكل المعايير: القيمة الأدبية، الوصول للمتلقى عبر أجيال متعددة فيما يشبه الانشطار النووى، بالإضافة إلى الإصرار على الرفض وعدم الاستجابة لأى من مغريات التطويع، مع انعدام حقيقى للمزايدة على من تم تطويعهم.

فتجده يغضب بشدة من بهجت عثمان عندما اتهم صلاح عبدالصبور فى إحدى السهرات بموالاة الدولة، فى حادثة شهيرة أشيع أنها قضت على عبدالصبور، وتجده غير مبالٍ بالهجوم عليه عندما رثى يوسف السباعى فى قصيدة لم ينشرها فى أحد الدواوين، فاصلا بين الخلاف السياسى وبين علاقة الأصدقاء.

هو هذا الوعى المبكر، الذى يصل لقلب ما يريده فى ثلاثينيات العمر، الشاب الذى ناحت لفراقه أسماء بحجم لويس عوض ويوسف إدريس، الذى طرح سؤالا أبديا عن «قانون موت الشاعر»، فى مرثية أدبية ليست لأمل ولا للشعر وحدهما، ولكن لكل من أحالونا إلى الحالة الشعرية، وذهبوا:

«منذ أن مات نجيب سرور ويحيى الطاهر عبدالله وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل. منذ أن مات المتنبى وأبوالعلاء. منذ أن مات الحلاج وهيمنجواى وجاليليو وشى جيفارا وأنا أتساءل: لماذا يموت الشاعر؟».

لم يستطع صاحب «أرخص ليالى» أن يقرأ قصيدة أمل الأخيرة:

«فى أخريات حياته، كنت له رفيق كل يوم، وكل نميمة وكل قهقهة عالية، بدأت أخاف من رؤياه المستحيلة، إذ كنت قد بدأت أراها، وبدأت تحتل تفكيرى.. حتى إننى رفضت تماما أن أقرأ قصيدته الأخيرة، فقد كنت متأكدا تماما، أنى لو قرأتها لاكتملت الرؤية، ولمت مثله ومعه».

•••

الجداريات التى يرسمها أمل دنقل للقضايا الكبرى، لا ينقصها البعد الشعرى الذاتى، والرقيق. نقطة مهمة، تلفتك مع حديث المفكر محمد بدوى عن صديقه الذى اقترب منه وهو ما زال طالبا فى الجامعة، يتذكر مقطع من «كلمات سبارتاكوس»:

«يا قاتلى: إنى صفحت عنك..

فى اللحظة التى استرحت بعدها منى

استرحت منك

لكنى أوصيك إن تشأ شنق الجميع

أن ترحم الأشجار».

ربما تندهش من فكرة إصرار أمل على الإيقاع، هو يقول إن هذا الإيقاع عنصر مهم جدا من عناصر التوصيل ين الشاعر والقارئ، فلماذا نتخلص بأيدينا من هذا العنصر؟.. أنا أرى أن الفيصل فى أى لون أدبى هو الوصول للناس. فهل استطاعت قصيدة النثر حتى الآن أن يكون لها جمهور حتى بين المثقفين؟ هل استطاعت أن يكون لها خصائص فنية مستقلة عن القصيدة الحديثة؟ لا أعتقد أنها فعلت ذلك».

يقول هذا الكلام، منذ أكثر من ثلاثين عام، ربما لو عاش لكان غير رأيه، بعد بزوغ عدد معقول من شعراء قصيدة النثر، وتكريس أرضيتها على الساحة الأدبية.

ذلك أن التحجر الفكرى لم يكن من خصائصه، وفى الوقت الذى كان شعراء كبار مثل حجازى، وقتها، غير معترفين بقصيدة العامية فى خناقة امتدت حتى اللحظة، كان هو متيما بصلاح جاهين والأبنودى.

•••

«إنى تركت زوجتى بلا وداع

وإن رأيتم طفلى الذى تركته على ذراعها بلا ذراع

فعلموه الانحناء، علموه الانحناء

الله.. لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا

والودعاء الطيبون..

هم الذين يرثون الأرض فى نهاية المدى

لأنهم.. لا يشنقون

فعلموه الانحناء، وليس ثم من مفر

لا تحلموا بعالم سعيد

فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد

وخلف كل ثائر يموت: أحزان بلا جدوى

ودمعة سدى

لا تحلموا بعالم سعيد،

فخلف كل قيصر يموت، قيصر جديد،

وخلف كل ثائر يموت، أحزان بلا جدوى،

ودمعة، سدى»

•••

كيف يقطع أمل الطريق على الحلم فى عالم سعيد، هل سيعيد النظر فيما قاله بعد إسقاط نظام الحكم فى 2011؟ أم أنه سوف يثبت صحة نبؤاته هذه المرة أيضا؟ هل سيأتى قيصر جديد؟ وهل ستذهب الدموع سدى؟ لم يكن أحد يعرف وقتها، منذ عامين ونصف العام تقريبا، إلا المتنبئون، وشاعر كرس للأجيال، شعرا وثورة.

ثورة استعان شهداؤها بكلام أمل بعد ثلاثين عام، لينظروا إلى مغتاليهم بتحد سافر، من خلال رسوم جرافيتى، تملأ شوارع المدينة التى أربكته كثيرا عندما أتاها للمرة الأولى، لكنها لم تلبث أن أحبته وأطلعته على أسرارها ومقاهيها وحاناتها وكل أماكنها المعلنة والسرية.

المدينة التى أصبحت موحشة منذ أن نزل من فى أحد الصباحات متعكزا على السيارات المركونة قبل ذهابه إلى معهد السرطان.

إنخدعت المدينة يومها، واعتقدت أنه سيعود بعد ساعات كعادته، فتعاملت بعادية واحتشدت: «القاهرة بملايين السيارات الفارهة بينما أكبر شعرائها يخطو بقدم واحدة إلى معهد السرطان».

ورحلة مقاومة، ابتدت باحتفال ليلى للنجاح فى إيجاد حجرة خالية بالمعهد، وانتهت بسماع كلمات صاحب العمر:

«يا ناعسة لالالالا، خلصت منى القوالة

والسهم اللى رمانى، هالكنى لا محالة».



دنقل وبودلير و رامبو .. استدعاء التمرد وفخ الغياب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.