عبور الأنفاق يحتاج تصريحًا مسبقًا من حماس.. وأرباحها من جمارك البضائع تصل إلى 250 مليون دولار خزانات على الجانب الفلسطينى تسحب الوقود بمضخات.. وعضو بحماس: نحن مضطرون لتلبية حاجة شعبنا
رفح المصرية تعانى نقص الخدمات وفرص العمل.. وقرار أمنى بمنع تغطية شبكات المحمول.. والأهالى يلجأون للشبكات الإسرائيلية
«إننا لا نحمل الاحتلال الصهيونى وحده مسئولية ما يحدث، بل وللأسف نحمل الحكومة المصرية المسئولية أيضا» عبارة حملها البيان الأخير للجنة العلاقات الخارجية باتحاد الأطباء العرب، والذى كان يحذر من «وضع غذائى حرج فى غزة» حسب وصفه.
البيان يطرح أسئلة حول مدى التغيير الذى حدث فى ملف حصار غزة بعد الثورة، وبعد تولى الرئيس مرسى، كما يتناول قضية الأنفاق التى يقوم الجيش بحملة مستمرة لهدمها، تتزامن مع صدور حكم القضاء الإدارى منذ شهرين ملزما الحكومة المصرية بهدم الأنفاق، بوصفها اعتداء على السيادة وتهديدا للأمن القومى.
«يعنى عايزين نفق فلان؟ قدام وبعدين ادخل يمين، خامس بيت على الشمال»، هكذا رد أحد أهالى رفح المصرية، بكل تلقائية وبساطة بمجرد أن سألناه فقط عن مكان مسجد معين، دون أن نخبره أننا سنعبر من نفق قريب منه. على جدران المنازل تظهر كتابات واضحة «هرب أى حاجة إلا الزلط»، «لا للزلط من أجل حياة صحية». يخبرنا مرافقنا من رفح أن الأهالى هنا فى منطقة الأنفاق بالجانب المصرى، يشعرون بالاستياء بسبب التراب والضوضاء التى يسببها تهريب مواد البناء عبر الأنفاق.
«أهالى البلد هما اللى جابو الحواجز دى، عشان سيارات النقل ما تعبر» يشير إلى حواجز أسمنتية ضخمة موضوعة بوسط الطريق، تجاوزتها سيارتنا الصغيرة بصعوبة. سألناه عن مدى التغير الذى حدث بعد تولى الرئيس مرسى، فأخبرنا أن التغيير الوحيد هو تسهيل مرور الأفراد عبر المعبر، مع الإبقاء على القيود على البضائع بما فيها السلع الحيوية كالأغذية ومواد البناء والوقود لذلك يتم تهريبها كلها عبر الأنفاق.
رفح المصرية تتمنى حال شقيقتها الفلسطينية
«أنا بأفرح لما أشوف شباب متعلم، عشان أقدر أتكلم معاهم» هكذا قال شاب يعمل حارسا على بوابة أحد الأنفاق.
قال إنه خريج كلية حاسبات ومعلومات، وكان يتمنى العمل فى مجاله، لكن فقر رفح المصرية، وانعدام فرص العمل فيها دفعه لهذا المجال.
«الفلسطينيون هناك وهما تحت الاحتلال عايشين أحسن مننا، وبعدين تستغربو لما يكتر العمل بالتهريب ومخالفة القوانين». كلامه يوافق كلام رفيقه الذى قال فور معرفته بأننا ذاهبون إلى غزة «والله إحنا اللى متحاصرين».
حكى عن نقص جميع الخدمات فى رفح المصرية، خاصة النقص الحاد للوقود فى سيناء كلها بسبب تهريبه إلى غزة.
«حتى شبكات المحمول مش موجودة عندنا كإننا مش مصريين». يحكى أنه منذ واقعة القبض على جاسوس يعمل بإحدى شركات المحمول منذ حوالى عامين، وانتشار الحديث عن قيامه بتمرير المكالمات إلى إسرائيل، صدر قرار أمنى لا يعرفون مصدره بقطع شبكات المحمول المصرية عن المنطقة، وهو ما يراه سببا فى المزيد من الاختراق الاسرائيلى لا العكس. «أنا معايا خط جوال فلسطينى، وكل الناس هنا زيى أو معاهم خط أورانج الإسرائيلى، يعنى كل المكالمات مفتوحة قدام إسرائيل بكل سهولة»
يحكى عن انقسام عائلته بين رفح المصرية والفلسطينية بعد حرب 67، وأن أقاربه هناك يعيشون بحال أفضل مشيرا إلى أن المساعدات الدولية يحصل عليها الفلسطينيون، وعلى رأسها جهود وكالة غوث اللاجئين «الأنروا» التى توزع كميات كبيرة من المواد الغذائية يطلقون عليها اسم «الكوبونة»، كان لها دور رئيسى فى تحسن أحوالهم المعيشية.
«رحت أزور أختى فى غزة لقيت عندها الأرز والطحين فى البيت بالشوال، وإحنا بنجيبه بالكيلو بالعافية. إحنا أهل كرم زيهم، ونحب نكرم الضيف، لكن الجود بالموجود».
بعض العمال المصريين يذهبون للعمل فى غزة، حيث تبلغ يومية العامل فى مجالات البناء أو الدهان أو البلاط حوالى 250 جنيها.
دخلنا إلى منزل يوجد بداخله فتحة النفق، حيث استوقفنا شاب يحمل جهاز لاسلكى قائلا «مع مين التنسيق هناك؟ لو ما معكو تنسيق ما بتدخلو».
كان هذا أول ملمح يكشف لنا كيف تتعامل حماس مع الأنفاق على اعتبارها مرفقا حكوميا عاديا بشكل كامل.
«التنسيق» المقصود هو التصريح المسبق من وزارة داخلية حماس فى غزة، وهى ورقة يستخرجها فلسطينى من هناك، يثبت فيها أسماء القادمين وغرض زيارتهم. كان لنا تنسيق مع أحد أعضاء حماس، قريب صاحب هذا النفق، وهو شخصية عامة شهيرة دوليا، ويشغل منصبا مهما فى الحركة.
رسوم التنسيق التى تتقاضاها حكومة حماس، هى 100 شيكل أى 160 جنيها للفرد، وهو تقريبا نفس المبلغ الذى يتم دفعه من العابرين عبر معبر رفح، مع فارق أن العبور عبر النفق لا تتجاوز مدته 3 دقائق بعكس عملية عبور المعبر الذى يستغرق وقتا طويلا من التفتيش والاجراءات عبر عدة بوابات.
عبور النفق كان أسهل مما اعتقدنا، خاصة أن الاضاءة والتهوية متوافران. بعد خروجنا من الجانب الآخر يمزح معنا أحد مرافقينا، وهو عضو بحزب الدستور قائلا، «النفق ماطلعش مظلم يا برادعى».
بمجرد وصولنا ظهر مدى سيطرة حماس على الأنفاق. مساحة واسعة من الأرض تتناثر فيها مداخل الأنفاق فى خيام، وبكل خيمة يجلس رجال شرطة حماس، وعلى مداخل المنطقة حواجز مرور يقف عليها رجال حماس أيضا.
استوقف شرطى سيارتنا وسألنا إن كنا نحمل بضائع، فأخبرناه أن كل ما معنا حقائب شخصية صغيرة. حماس تتقاضى رسوما على أى بضائع تدخل عبر الأنفاق، يسميها بعض الفلسطينيين «ضريبة مبيعات» وآخرون يسمونها «جمارك».
خزانات ضخمة موصولة بأنابيب تدخل تحت الأرض، أخبرنا مرافقنا الحمساوى أن هذه الخزانات تتلقى البنزين والسولار المصرى، عبر الأنابيب الموصولة بمضخات فى رفح، وأن حماس اضطرت لهذه الوسيلة من أجل سد حاجة الشعب الفلسطينى.
فيما بعد حدثنا فلسطينى آخر ينتمى لفتح عن وجهة نظر أخرى، خلاصتها أن حماس تتعمد استمرار الحصار وتجارة الأنفاق، فالرسوم التى تفرضها تدر عليها أرباحا هائلة. تتدرج الرسوم من حوالى نصف جنيه على كل علبة سجائر، وحتى 90 جنيها على طن الحديد و60 جنيها على طن الأسمنت. بشكل خاص ترتفع أرباح عمليات تهريب الوقود التى تحتكرها حماس، حيث تحص على لتر السولار من مصر بما لا يزيد على 75 قرشا، بينما تبيعه فى غزة ب 3.1 شيكل أى حوالى 4 جنيهات ونصف.
«وفوق الملايين اللى بيربحوها من الأنفاق، الحصار يخليهم يقدرو كمان يلفو على العالم يجمعو تبرعات، إيش ها الحصار اللى بياخدو عليه جمارك؟».
بينما نحن واقفون نشاهد خزانات الوقود، قال لنا صديقنا الفلسطينى بعد فترة صمت: «والله ما دمرنا إلا أنفاق، لو مفيش انفاق الناس تطلع مظاهرات تفتح المعبر بالعافية.. إحنا بشر، والبشر لا يمرون هم وبضائعهم من تحت الأرض».
أمين لجنة القدس ب«الأطباء العرب»: الحكومة المصرية شريكة باستمرار حصار غزة