المستثمرون الكبار يواجهون حكومة لا تفى بوعودها ..ولاجئون بلا مأوى يواجهون غلاء أسعار وبطالة متجذرة بينما وصل محمد الاموى، حديثا إلى القاهرة قادما من سوريا، بعد ان طمأنه بعض الاصدقاء المقيمين منذ اشهر هناك، فإن عددا من افراد اسرته فضل التوجه إلى تركيا كملاذ اكثر امانا واستقرارا، ورغم ان الخيارات قليلة امام محمد واسرته بين القاهرة وبين تركيا أو الاردن ولبنان، فإن قبلة النازحين من المجازر فى سوريا يحددها المستوى المعيشى المرغوب والقدرة المادية للنازحين السوريين.
استقبلت مصر عددا لا بأس به من السوريون حتى الآن تتراوح الاحصائيات عنه بين 150 و230 الف لاجئ، معظمهم من الطبقة المتوسطة استطاعوا ان يبدأوا بمشاريع صغيرة فى مصر، وبعضهم من الذين يعتمدون على هؤلاء لتوظيفهم، وعدد لا بأس به من الستثمرين اصحاب المشاريع الضخمة.
فى جيبه 600 دولار فقط بدأ الاموى رحلة البحث عن وظيفة داخل القاهرة، بعد ان تدبر مكان اقامة وسط اسرة سورية فى مدينة 6 اكتوبر، حيث يتمركز اغلب السوريين فى مصر بين مناطق اكتوبر والعاشر من رمضان والعبور، وبعضهم ينزح إلى فيصل وبولاق، لرخص الإقامة بهما. يعمل الاموى فى صالون حلاقة «الدمشقى» بجوار مسجد الحصرى فى اكتوبر، رغم انه كان يعمل مدرسا للغة الانجليزية ويتقن الروسية، حيث عاش خمس سنوات فى روسيا قبل قيام الثورة السورية.
«معظمنا يعمل فى تخصصات غير تلك التى كان يعمل بها فى موطنه، ليس لدينا ملجأ سوى هذه المشاريع المتعلقة بالأكل والترفيه»، قال الاموى مشيرا إلى ان السوريين اصحاب التخصصات مثل الطب والمحاماة وغيرها لم يستطيعوا مزاولة مهنتهم هنا فى البداية واغلبهم اشتغلوا فى مطاعم لتقديم الوجبات السورية أو صالونات حلاقة أو كافيهات، الا ان بعضهم بدأ الآن فى افتتاح عيادات ومكاتب محاماة مشتركة مع مصريين.
شرع محمد بنفسه فى إلصاق إعلان يطرح خلاله خدماته فى تدريس اللغة أو الموسيقى، لمن يرغب، بأسعار مناسبة، «تلقيت بعض المكالمات وبدأت بالفعل فى اعطاء دروس فى اللغة الانجليزية بمقهى قريب والحصة ب25 جنيها».
حلم العودة يراود الجميع، هكذا قال فارس، االذى لا يتجاوز عمره ال18 عاما واضطر إلى الهروب من سوريا بعض ان طالبه الجيش النظامى هناك بالالتحاق به، «هربت من الانضمام إلى الجيش الذى يجبرنا على قتل اخوانا والمعارضين، أو يقتلنا بنفسه»، قال فارس مشيرا إلى انه اذا اضطر إلى العودة الآن سيتم قتله من قبل جيش بشار.
«فارس الذى يحلم بالعودة بعد تحسن الاوضاع يعمل فى تسويق الروائح والملابس بعد ان ترك دراسته فى سوريا، «الوضع الاقتصادى لنا هنا فى مصر مختلف تماما عن سوريا، ونعمل فى مواقع جديدة علينا، وينواجه غلاء المعيشة والسكن وقلة المتاح من الوظائف هنا».
رغم تحول قلب مدينة 6 اكتوبر ل«دمشق صغرى» منطقة تجارية وترفيهية سورية كاملة، يوجد بها كوافيرات ومطاعم وكافيه ومكاتب تخديم ومكاتب محاماة ومكاتب تصدير وسوبر ماركت، وترفرف اعلام سوريا والحيش الحر فى كل مكان، وحتى الزبائن سوريون يشجعون نظراءهم بشراء المنتجات السورية، الا ان ذلك لم يقض على احساس الغربة فى قلب الشاب صاحب ال18 عاما والذى يرى انها حياة بلا جذور.
ولم تحمل مصر عبء استضافة السوريون الفقراء ومتوسطى الحال فقط، ولكنها استقبلت ايضا عددا لا بأس به من كبار المستثمرين السوريين، بملياراتهم التى تبحث عن مشاريع كبيرة ومصانع تشغيل.
إلا أن الوضع لم يكن سهلا رغم توافر الاموال، بحسب ما اكده محمد حبو احد المستثمرين فى قطاع الغزل والنسيج، والذى لاقى عقبات كثيرة لإنشاء مصانعه فى مصر «دخلت مصر باستثمارات بلغت 4 مليارات دولار، لبناء اكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم، واستقبلتنا وزارة الصناعة انا وعدد من المستثمرين، بوعود كثيرة اهمها توفير الاراضى لإنشاء المصانع، الا ان هذه الوعود لم يتحقق اغلبها، بعد ان وجدنا انفسنا فى مواجهة شركة واحدة قدمتها لنا الوزارة لنشترى منها الاراضى، وهى شركة السويدى التى اتفقت معها على شراء مساحة 223 الف متر من الاراضى فى منطقة العاشر من رمضان، بسعر 220 جنيها للمتر، وفى مرحلة التسجيل تراجعت الشركة عن اتفاقها وطلبت 380 جنيها للمتر، ودخلنا بعدها فى مشكلات قضائية ولم تتدخل وزارة الصناعة للتوسط للحل أو ايجاد بديل لنا وخاصة ان هذه الاراضى لا يمتد لها اى خطوط كهرباء أو طاقة».
ورغم «المصاعب البيروقراطية واستغلال النفوذ والخيارات القليلة» التى يواجهها حبو، فقد نجح فى اقامة مصنعين على مساحات اصغر من التى كان يريدها وبدأ فى الانتاج بالفعل ولكنه مازال يواجه عقبات فى التصدير بسبب بعض الاجراءات الروتينية كما يقول.
أصبح البحث عن أراضٍ فى منطقة العاشر من رمضان بشكل فردى أفضل من التعامل مع مجموعة السويدى فى الأسعار، والحكومة المصرية أوضحت انها لن تقدم أراضٍ إلا من خلال السويدى، بحسب حبو الذى سيضطر، كما يقول ان يقسم تنفيذ حلمه بإنشاء اكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم على مراحل حيث يحتاج إلى 700 الف متر من الاراضى لا يستطيع الحصول عليها. «سابنى المرحلة الاولى من المشروع مع مستثمر سعودى صديق على 44 الف متر من الاراضى فقط».
قرر حبو مع عدد من المستثمرين السوريين الذين يملكون قدرة مالية اقامة مشروع مشترك يجمع السوريون غير القادرين فى مصر لمساعدتهم فى ايجاد وظائف ثابتة، «لم نقرر بعد هل سيكون المشروع منطقة مطاعم كبيرة فى قلب العاصمة أو مشاريع متفرقة فى صناعات مختلفة».