«النيابة تهدد من يروج لل"البلاك بلوك" في وسائل الإعلام»، عنوان لخبر تناقلته وسائل الإعلام قبل يومين؛ حيث أصدرت النيابة العامة قرارا بعدم استضافة هذه الجماعة في الإعلام المقروء أو المرئي، أو الترويج لهم ولأفكارهم ونشر العنف؛ لأن هذا يهدد الأمن العام داخل البلاد ويعرض من يقوم بذلك بمخالفة "المادة 86 مكرر/3" من قانون العقوبات، إذ تعد من الجرائم الماسة بأمن الدولة من الداخل، طبقا للبيان الذي أصدرته النيابة. البعض اعترض على قرار النائب العام، معتبره تدخلا في عمل الإعلام وتقييد حريته، ويعلق على ذلك الدكتور هشام عطية، أستاذ الصحافة والإعلام، بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن "العمل في الإعلام جزء من المجتمع، ودوره أن يقدم ما يحدث في الواقع وألا يغفل ما يحدث من تطورات".
ويتساءل أستاذ كلية الإعلام، ما إذا كان ما يقوم به الإعلامي هو، ترويج أم نقل؟ فيقول في حديثه ل(بوابة الشروق): "لا يحق للإعلام أن يتدخل في أعمال القضاء، وكذلك لا أحد من حقه التدخل في عمل الإعلام إذا كان يقوم بدوره"، مضيفا أن الإعلام ليس من حقه أن يبرر لأعمال العنف أو يروج لها، لا بد أن تحترم كل سلطة المؤسسات الأخرى، وليس من حق القضاء التدخل في أعمال الإعلام إلا إذا كان يروج لهذا الفكر، ولكن بشرط ألا يحول بينه وبين القيام بدوره.
قد يرى الإعلامي أنه ينقل صورة للجمهور، ويرى النائب العام أنه يروج لهذا الفكر، ولحل هذه المشكلة يقول الدكتور هشام عطية: "يظل الفاصل أن يلجأ المتضرر للجهة الشرعية، وهي القضاء، التي تفصل في هذا الاختلاف، دون مصادرة حق وسائل الإعلام في النشر والمعلومات، إلا في أوقات الخطر فيصدر قرارا بحظر النشر".
وأكد عطية ، أن الإعلامي يجب ألا يظهر رأيه في الحوار، وأن يكون هناك أطراف أخرى وليس طرف واحد؛ لأن ترك شخص واحد يتحدث يعتبر ترويج مبطن، كما يعلق هشام عطية على موقف الإعلام من هذا القرار، قائلا: "لا يمكن لنا أن نرضى برقابة مسبقة، فهذه رقابة قديمة في ثوب جديد".
وبعد أن انضمت إلى قائمة الصحفيين المقدم ضدهم بلاغات أمام النائب العام، حسب ما نشرته وسائل الإعلام، بسبب استضافتها "البلاك بلوك" واتهام القناة بالترويح لهم، قالت الإعلامية دينا عبدالقتاح، مذيعة قناة التحرير: "إن هذا البلاغ ستضعه ضمن تاريخها المهني المشرف".
وعلق الإعلامي "جابر القرموطي" على واقعة منع الترويج لظاهرة "البلاك بلوك"، قائلا: "لم يعد هناك شيء محظور، والمشاهد ليس غبيا وأنت مضطر أن تقدم له كل ما يحدث في المجتمع"، مستنكرا في حديثه مع (بوابة الشروق) أن يمنع الحديث عن فكر "البلاك بلوك" في حين أنهم لم يمنعوا الحديث عن حازم أبو إسماعيل وجماعته وما حدث من أنصاره لحزب الوفد، أو عن منع دخول أعضاء المحكمة الدستورية وقت الاعتصام، رغم أن جميعها أعمال متشابهة لما يفعله "البلاك بلوك".
وأضاف القرموطي، "لو أتيح لي أن أقدم "البلاك بلوك"، وأنا على يقين أنهم حقيقيون، سأسجل معهم، وإذا وجدتهم في الشارع سأصور معهم، طالما لن أقدم حلقة مصطنعة"، ومعلقا على حلقة دينا عبدالفتاح يقول: "دينا في رأيي تعاملت مع الموضوع بشكل مهني، ومساندتها واجبة، طالما نفتقد كإعلاميين الجهة التي تساندنا سواء نقابة أو غيرها".
ومن جانبه يعلق الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، قائلا: "من المفترض أن يقوم الإعلام في أي مجتمع بتغطية الأحداث التي تقع في نطاق اهتمامات الجمهور، ويتضمن ذلك استضافة ممثلي القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، وحينما تكون إحدى هذه القوى داعية أو محرضة أو متبنية سياسة تدعو إلى العنف أو الكراهية أو تمجدهما، فيجب التعامل مع هذه المواضيع بحساسية، بحيث يقوم الإعلامي بتوضيح هذه الجماعة أو الفئة دون أن يكون توضيحه يدل على أي شكل من أشكال تقبل الآراء أو جعلها ظاهرة مقبولة".
"يجب الإلحاح خلال عرض هذه الآراء على كونها غير مقبولة سياسيا أو اجتماعيا، وأن عرضها يأتي في إطار خدمة الجمهور لتوضيح أفكار هذه القوى الفاعلة"، وعن تعارض ذلك الموقف مع حيادية المذيع، يستطرد ياسر عبد العزيز، "الحالة الوحيدة التي ندعو فيها المذيع إلى الخروج عن الحياد، حينما يتورط أحد ضيوفه في الخروج عن قانون نافذ في المجتمع؛ لأن من بين الجمهور من هم نشء وناقصو أهلية فيجب أن يوضح لهم أن الضيف قد خرق قانونا نافذا".
كما علق الخبير الإعلامي، عن موقف النائب العام من تحذير من يقوم بالترويج لظاهرة "البلاك بلوك"، قائلا: "من المفترض ألا يكون للقضاء دور أساسي في هذه المواقف، ولكن لا بد من جهة إعلامية مستقلة تقوم على تنظيم صناعة إعلام مثل (مجلس وطني للإعلام)، الذي يشترط في هذه الجهة أن تكون مستقلة عن أي سلطة ومتوازنة وذات تشكيل فني، تقوم بمحاسبة الإعلامي إذا أخفق ومساندته في حقوقه".
ويسرد عبدالعزيز التعامل الأمثل مع هذا الموقف من استضافة "البلاك بلوك" أو غيره من المواقف الشبيهة، "يجب أن يقوم الإعلامي باتخاذ قراره بشأن ظهور ممثلي تلك الفئة، وأن يوازن بين (الاعتبار التحريري) الذي يدعو إلى توضيح وجهات نظرهم، وبين (المسئولية الاجتماعية) التي تدعو إلى تنبيه الجمهور لخطورة هذه الأفعال".