زيادة الاستثمار في السبائك "المصريون اشتروا 60 طن ذهب العام الماضي"    تعرف على أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 23-4-2024    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 23 - 4 - 2024 في الأسواق    وصول 311 شاحنة مساعدات لغزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم    عصابة القتلة تضحى برئيس الاستخبارات.. استقالة أهارون حاليفا معترفا بالفشل    الجيش الأوكراني: خسائر روسيا القتالية في أوكرانيا ترتفع إلى 461 ألفًا    أخبار مصر: تطبيق زيادة أسعار السجائر و4 نصائح من الأرصاد للحماية من الموجة الحارة، استثناء 8 أنشطة تجارية من مواعيد الغلق بالتوقيت الصيفي    الإسماعيلي: ندفع بأحمد الشيخ تدريجيا لهذا السبب.. ونجهز اللاعبين للأهلي    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 23-4-2024 والموجة الحارة لمدة 72 ساعة    حالة الطرق اليوم، زحام مروري بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    بعد قليل.. استكمال محاكمة المتهمين في قضية فساد الري    ندوة بجامعة القاهرة لتشجيع وتوجيه الباحثين لخدمة المجتمع وحل المشكلات من وجهة نظر جغرافية    وول ستريت تتعافى وارتفاع داو جونز 200 نقطة وخروج S&P500 من دائرة الخسارة    ماليزيا.. تصادم طائرتين هيليكوبتر وسقوط 10 قتلى    أزمة لبن الأطفال في مصر.. توفر بدائل وتحركات لتحديد أسعار الأدوية    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 23 أبريل 2024    مصرع عامل غرقًا بمياه الترعة في سوهاج    مُسن يطلق النار على عامل بسوهاج والسبب "مسقى مياه"    مصر تستهدف زيادة إيرادات ضريبة السجائر والتبغ بنحو 10 مليارات جنيه في 2024-2025    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    نيللي كريم تظهر مع أبطال مسلسل ب100 وش.. وتعلق: «العصابة رجعت»    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    بالأرقام.. تفاصيل توزيع مخصصات الأجور في الموازنة الجديدة 2025 (جداول)    بدون حرمان أو ذهاب للجيم.. 5 طرق طبيعية لإنقاص وزنك بسهولة    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    اعتقال متظاهرين مؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريكية (فيديو)    إزالة 14 حالة تعد بمركز ومدينة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية    لبنان.. شهيد جراء قصف طيران الجيش الإسرائيلي سيارة في محيط بلدة عدلون    ملتقى القاهرة الأدبي.. هشام أصلان: القاهرة مدينة ملهمة بالرغم من قسوتها    اتحاد الكرة يوضح حقيقة وقف الدعم المادي لمشروع «فيفا فورورد»    مصرع عامل دهسه قطار الصعيد في مزلقان سمالوط بالمنيا    رسميا.. التعليم تعلن مواصفات امتحانات الترم الثاني لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوي    أستاذ مناعة يحذر من الباراسيتامول: يسبب تراكم السموم.. ويؤثر على عضلة القلب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام عطلة شم النسيم 2024 للقطاعين بعد ترحيل عيد العمال    بعد وفاته في تركيا، من هو رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني؟    بلينكن ينفي "ازدواجية المعايير" في تطبيق القانون الأمريكي    بشرى سارة لجمهور النادي الأهلي بشأن إصابات الفريق    عاجل.. صفقة كبرى على رادار الأهلي الصيف المقبل    رئيس الوزراء يهنئ وزير الدفاع بعيد تحرير سيناء سيناء    نصائح مهمة لمرضى الجهاز التنفسي والحساسية خلال الطقس اليوم    إمام عاشور مطلوب في التعاون السعودي.. والأهلي يوافق بشرط    الكونجرس يشعر بالخطر.. أسامة كمال: الرهان على الأجيال الجديدة    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    عبدالجليل: دور مدير الكرة في الأهلي ليس الاعتراض على الحكام    «فلسطين توثق المجازر».. فعاليات متعددة في رابع أيام مهرجان أسوان (تعرف عليها)    علي هامش انعقاد مؤتمر الاتحاد العربي.. 11 دولة عربية في ضيافة النقابة العامة للغزل والنسيج بالقاهرة    المصري البورسعيدي: نستنكر تصريحات رئيس إنبي.. واتحاد الكرة برأنا    الشرطة تداهم أوكار الكيف.. سقوط 85 ديلر مخدرات في الإسكندرية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    علي جمعة عن سبب تقديم برنامج نور الدين: ربنا هيحاسبني على سكوتي    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23 أبريل في محافظات مصر    مصرع شخص وإصابة 2 في تصادم 3 تريلات نقل بالوادي الجديد    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى تعميم الجهل
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2013

فيما نحن منغمسون حتى اخر رمق فى المهاترات الصباحية والتراشقات على محطات التلفزة ليلا، يبقى العالم يدور كما كان ويعمل فى نهارات طويلة ليرسم خطوط مستقيمة وواثقة نحو خريطة المستقبل القادم.. ذاك المستقبل ليس كما هو حال الخطط الخمسية الشهيرة فى تاريخنا العربى المعاصر، وإنما تلك المطولة نحو عام 2030 أو 2050 أى ما بعد بعد البعد! التخطيط هو جزء مكمل لثقافات هذه الشعوب فيما نحن «كله بالبركة». فماذا نقول فيما بعضهم يفسر حوادث القطارات المميتة إلى كونه مجرد «قضاء وقدر»!

•••

نلتفت شرقا إلى دول كانت قبل بضع سنين مستلقية فى مستنقعات الفقر والبطالة والمرض والجهل كما نحن حينها والآن أيضا، وهى الآن تخطت هذا العالم بمراحل. بدأت سباق المسافات الطويلة (اقتباس من رواية عبدالرحمن منيف) تضع الخطة خلف الخطة لسنوات طويلة قادمة فتكون بين مصاف الدول الكبرى ليس حسب مقاسات بعض دولنا فى أكبر مطار وأعلى عمارة أو؟ منذ أيام أعلنت الصين عن خطتها للتعليم الجامعى والتقنى، وهى بذلك أعلنت أنها تستثمر فى الإنسان كما استثمرت لسنوات فى الاقتصاد. فبينما تصدر الصين لنا كل ما نستهلكه تقوم هى بوضع قدراتها الكاملة لمحو أمية الصينيين، وخلق كوادر قادرة مع حلول عام 2030 لتصبح القوة المتعلمة فى العالم، وبذلك لن تصدر الصين لنا كل احتياجاتنا اليومية حتى التراثية منها بمعنى من عروس المولد (وعلى فكرة ألف مبروك فقد تحجبت مؤخرا!) إلى الأجهزة المتطورة التى لا نستغنى عنها فى أيامنا هذه، بل ستقوم بإرسال خبراء فى مختلف التقنيات الحديثة. المثير حقا فى خطة الصين التعليمية أنها تنظر إلى الإنسان كاساس للبناء وكأساس لنمو الدول، فيما نحن لا نزال ننبش مخلفات الماضى ونرفع التراب عن بعض الخطط البالية لنعيد تدويلها بمسميات جديدة ربما أو مستوحاة من التراث، ولا ضرر فى تلبيسها الصبغة الدينية أيضا، فكله اليوم يسير على هذا المسار!

مثير حقا ما تقوم به الصين من بناء واحتضان للشباب من أبنائها وبناتها فيما نرسلهم ليبتلعهم البحر أو غيض الصيف الحارق فى صحراء النفط! بلد عرفت أن تبنى اقتصادا يعتمد على البشر فيما نحن نكثر من الخطط والأحاديث المنمقة المزركشة، وهى فى كاملها ومضمونها تقول لمن يريد أن يتعلم فعليه أن يدفع، فقد تخلت دولنا عن مسئولياتها جميعا وجلست تحتسى كوب الشاى وتدخن الشيشة على ناصية الطريق أو فى قاعات المنظمات الأقليمية والدولية، ترسم صورة وردية لعالم خيالى وتعيد تكرار تلك العبارات المرتبطة بالحقوق الأساسية للإنسان فقد احترف مسئولونا مهنة الكلام بما يحب أن يسمعه العالم.. كلام حضارى متطور فيما الفعل كما هو، بقايا لمؤسسات مهترئة وموظفين مغلوب على أمرهم، أما نتيجة قلة المعرفة والحيلة أو تدنى المرتب والتدريب والحوافز أو انتشار الفساد حتى فى اجهزة التعليم ومؤسساتها.

بعضنا من الدول الفقيرة أو حتى متوسطة الدخل وقد يكون فى ذلك ربما بعض العذر وليس كله، إلا أنه حتى دولنا التى تمتلك المال عجزت عن الاهتمام الحقيقى بالتعليم وتركت أبناءها ليبتلعهم اقتصاد السوق فى تعليمهم وصحتهم ومسكنهم هم ضحايا للعرض والطلب! المسألة إذن ليست فى توفير المال بل ربما الإرادة والثقافة أو ربما أيضا فى قيمة الإنسان عندنا وقيمته عندهم.. كيف أننا مجرد رعايا لا قيمة لحياتهم وأرواحهم ومستقبلهم فيما هم ينظرون إلى الإنسان على أنه ثروتهم الوحيدة الباقية.

•••

يقول محمد بنيس فى كتابه «الحداثة المعطوبة» نقلا عن موقع «جهات الشعر» الذى يشرف عليه الشاعر العربى قاسم حداد».. فالعطبُ، الذى قادَنا إلى هذا المآل، ثقافى ومنْ طبيعة ثقافيّة. هذا رَأيى. يبدأ العطبُ منَ التعليم، أيْ من مَضامينه وطَرائقه، ثمّ يمتدُّ إلى السُّلطة والمؤسَّسة، بالمعْنى الأوْسَع لكلٍّ منهُما، فى الحياة العَائلية والاجتمَاعية والسّياسية. إنّه المشتركُ، الذى لا ينفصلُ فيه المشرقُ عن المغْرب، ولا يتميّز فيه تقدميٌّ عن مُحافظ. قامَ التعليمُ على مُحاصَرة الحُرية، فى اللّغة والأدَب والفنُون والفكْر. إذْ إنّ الحريةَ، حريةَ الفرد والجَماعة، هيَ مبدأ الحَداثة السابق على كلِّ مبْدأ آخَر. فثقافةُ الحرية هى ثقافةُ العدْل والمُساواة بيْنَ جميع أبْناء وبنَات الوطَن الوَاحد فى الكرامَة والمعْرفة والاخْتيار والاعْتقاد والحُلم والخيَال والتّعْبير. ثقافةُ الحُرية هى شهادة ميلاد المُواطن، فى دوْلة الحقّ والقانُون، الذى يُساوى بيْن الجَميع ويتساوَى فيه الجميع. والتعليمُ الذى حاصَر الحريةَ هُو نفسُه الذى عمّمَ الجهْل. فالجهْلُ هو الكلمةُ العُليَا لمنْع الذّاتيات، بأفُقها المفتُوح على اللاّنهائى. وهُو، بالتّالى، رحمُ العُبودية، بجَميع أشْكالها. أغلالٌ تَنْزعُ الوضْعَ الإنسانى عَن الإنْسان. هذا ما سَعَى التّعليمُ إليْه. وهَا هى عواصفُ الجهْل تنزلُ منَ الأعَالى التى لا نَراها، وتنتشرُ فى حَياتنا، الفرديّة والجَماعيّة، باسْم الحقيقة الأبَديّة».

•••

لا ضير إذن من أن نبدأها هنا من الخلل الأكثر إلحاحا اليوم ألا وهو منع تعميم الجهل، وخلق أجيال قادمة أكثر ثقافة ومعرفة وحرية، فالفضاء لا حدود له سوى جهلهم وتجهيلهم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.