تعد وزارة التربية والتعليم دراسة حول كيفية إعادة توزيع المعلمين على المدارس، بحيث تختفي مشكلة العجز في المدرسين، خاصة وأن الكثير من أسباب المشكلة يعود الى سوء توزيع المدرسين، وليس الى عجز حقيقى في أعداد المعلمين، بحسب تصريحات لوزير التربية والتعليم إبراهيم غنيم . الدراسة التى تعدها الوزارة ، بالتعاون مع مجلس الوزراء والجهاز المركزى للتنظيم والادارة، ستأخذ في إعتبارها تحفيز المعلمين على الذهاب للعمل في الاماكن النائية والصعبة ، بأكثر من 40 % من الراتب المطبقة حاليا ، كما يقول مستشار الوزير المهندس عدلى القزاز.
ويؤكد القزاز أن زيادة الحوافز المالية لا يكفي وحده، وأن الدراسة ستشمل على أنواع أخرى من الحوافز، بالاضافة الى أنها ستأخذ فى إعتبارها التوزيع الجغرافي ، وألا يؤثر إعادة توزيع المدرسين على الاضرار بمصالح أى منهم ، وألا يؤثر ايضا على لم شمل الاسرة .
"إحنا مش جايين نتعب المدرس، ومش عايزين نقلل من مكاسب إكتسبها ، خاصة أنه يؤدى عمله" بحسب القزاز ، الذى لا ينكر تطابق خريطة العجز في المدرسين مع خريطة الفقر ، بالمنطق ، بحسب تعبيره.
هذه الدراسة لن تكون سهلة بحسب الكثير من مديرى الادارات التعليمية، لأن توزيع المعلمين تحكمه الكثير من الامور والغرائب ،التى يعيشها المسئولين في المدارس والادارات التعليمية يوميا .
مدارس لا يحبها المدرسون " أنا في إدارة طاردة للمدرسين ودائما تعاني مدارسها من العجز في مدرسي أغلب المواد ، وليس في مدرسى الانشطة فقط "، قالها هاني الالفي مدير إدارة منشأة ناصر التعليمية ، موضحا أن السبب هو في صعوبة الوصول الى هذه المدارس ، التى يقع أغلبها فوق الهضبة ، ولذا يهرب الكثير من معلميها بالنقل الى مدارس أخرى، والنقل يتم من خلال المديرية وليس الادارة.
أما المدرسون المتبقون بالمدارس فيتحملون نصابا أكبر من نصابهم العادى من الحصص، فيصل معدل ما يدرسه المعلم الواحد الى 32 حصة أسبوعيا ، بدلا من 20 أو أقل، حسب وظيفته، ولا يحصل على مقابل مادى مجز نظير هذه الحصص الزيادة، والمفروض أن تخصص حوافز استثنائية للمدرسين في الاماكن الصعبة، مثل المنشأة والمرج وغيرها .
ويقول محمد عبد الوهاب مدير إدارة باب الشعرية : "لدى مدارس بها تكدس في المعلمين ، وأخرى بها عجز ، وعندما أحاول أن انقل مدرسا من مدارس التكدس الى الاخرى، يتقدم بشكوى ضدى في النيابة الادارية ، وتكون النتيجة إن النقل يتلغي، حتى لما أقول إن النقل لصالح العمل ، وحتى بعد ماجت الثورة، وعشان كده الواحد ايده ضعيفة ".
" النقل الذى يتم للمدرسين يتحقق فقط، عندما يكون المعلم قد إرتكب مخالفة مهنية، وهذا ظلم للمدرسة التى ينقل اليها، فعادة ما ينقل المغضوب عليهم الى الاماكن النائية والصعبة، أما في الحالات الاخرى، فيتضرر المعلم ويلغى النقل" ، بحسب محمد عطية مدير إدارة عابدين التعليمة .
محمد عطية الذى كان في العام الماضي موجها عاما للغة الانجليزية في التجريبيات ، كان يحصل على بدل إنتقال 40 جنيها شهريا، للاشراف على مدارس مدينة 15 مايو ، والحوافز ويحصل على حوافز مميزة 40 % من الراتب، بدلا من 10% المتعارف عليها ، باعتبار أن المدينة من المناطق النائية، ولكنها لا تكفي للانفاق على المواصلات المتعددة التى يستخدمها للوصول الى تلك المدارس.
مدارس القاهرةالجديدة تعامل ايضا على إعتبارأنها مناطق نائية، ويحصل من يعملون فيها على حوافز بنسبة 100% من الراتب الاساسى، لكن هذه الارقام في النهاية لاتكفي بالفعل قيمة المواصلات التى يستقلها المعلم للوصول يوميا لعمله، والامر نفسه بالنسبة للمعلمين الذين يسكنون في الصف أو اطفيح، ويطلب منهم أن يذهبوا الى مدارس في مدينة الشروق .
ويقترح عطية أن يكون توزيع المعلمين الجدد على أماكن العجز قبل مرور 60 يوما على التعيين، لأنه بعدها لا يستطيع أحد نقله بسهولة، متسائلا : مالذى يمكن أن أعطيه للمعلم لكي أنقله من حلوان الى مدارس الصف أو أطفيح ، وليس هناك اى ميزة في يدنا .
حكايات مدارس الحظوة وهناك مدارس يطلق عليها المدرسون "مدارس الاعارة "لتهافت المعلمين عليها ولارتفاع المستوى الاقتصادى لطلابها،كما يقول مدير إدارة النزهة مدحت مصطفى ، الذى تتضمن إدارته مدارس متميزة وتجريبية ومدارس المستقبل من النوع المتميز من التجريبيات .
يؤكد مصطفى :عندما أحاول إعادة توزيع المعلمين داخل الادارة ، وأنقل معلم من مدرسة لأخرى، أجد تأشيرات غريبة على طلبات الغاء النقل ، من مسئولين في مكتب الوزير أو من المديرية ، ليعود المدرس الى مدرسته مرة أخرى.
ويحكى مصطفى عن نماذج لبعض المدرسين المنتدبين من محافظات بالصعيد الى مدارس إدارته التى بها زيادة أصلا فى المدرسين، لكن الواسطة الكبيرة تجعل مدرس لغة إنجليزية ينتدب لعشر سنوات متتالية من سوهاج التى تعانى عجزا فى المدرسين ،الى مدرسة بالادارة، ولا يتم هذا الانتداب الا بتأشيرة من محافظي سوهاجوالقاهرة .
ويعلق مدير الادارة هؤلاء يعتبرون أنفسهم فى إعارة للخارج ، ويستأجرون شقة يسكن فيها مجموعة من المدرسين في نفس المنطقة ، ليتفرغوا للدروس الخصوصية ، ولا ينتقلون نهائيا للقاهرة حتى يحتفظون بترقياتهم في محافظاتهم الاصلية ، لأنها هناك أسرع ، ويتقاضون رواتبهم كل 6 اشهر ب"شيك تكاليف" .
لكن نفس الادارة تعاني عجزا في مدرسى الفلسفة والتربية الوطنية ، لأنهما قررا على طلاب الثانوي هذا العام، دون أن يتم توفير معلمين لتدريسهما ،أما التربية الرياضية التى تعانى من العجز فى مدرسيها أغلب مدارس الجمهورية، فيتصرف مصطفى فى سد العجز فيها من خلال تكليف مدرسى الابتدائي بحصصها.
يوميات مدرس سد عجز أحد عشر عاما قضاها عبد الهادى علي، مدرسا للرياضيات بمدرسة الشيماء الابتدائية "سوزان مبارك سابقا"، بقرية بحر البقر ببورسعيد، وهو الحاصل على دبلوم معمارى .
عبد الهادى الذى كان يحصل على 180 جنيها نظير عمله كمدرس لسد العجز ، أصبحت 465 بعد الثورة، كان يحلم بالتعيين بعد كل هذه السنوات، لكن الوزارة قررت أن يعين أصحاب المؤهلات المتوسطة في أعمال إدارية .
"مش مهم إنى أبقى إدارى، بس يجيبوا مدرسين متخصصين للتلاميذ اللي ياما اتظلموا معانا، مناهج رابعة وخامسة وسادسة ابتدائي مش سهلة وعايزة متخصصين، عمر ماكان عندنا مدرس إنجليزى، ومدرس العلوم لأنه تربوى هو اللى بيدرس الانجليزى للأولاد ".
قالها عبد الهادى بصدق ممزوج بالالم، وقال :"أنا اصلا عندى أرض وكتير من المدرسين في المدرسة صيادين أصلا، بس قبلنا ندرس بالمبلغ ده عشان برضة كلمة مدرس بتدى وجاهة إجتماعية وخلاص أحسن ما أكون فلاح أو عاطل، لأن الطلبة هنا غلابة لا بتاخد مجموعة ولا درس ، وأقرب محطة بتبعد عن المدرسة 6 كيلو ، ساعات نمشيها أو ربنا يرزقنا بموتوسيكل "
المدرسة الصغيرة التى تسع 6 فصول فقط ، لا توجد بها غرف للموسيقى أو الانشطة او معامل أو مكتبة "ياريت يبنوا لنا مدرسة حقيقية أو يضمونا على مدرسة حقيقية.
أما سيد عبد المنعم ، زميله الذى يعمل في مدرسة السيدة نفيسةالابتدائية بنفس القرية ، فانتقل أخيرا الى عمل إدارى بعد أن عين رسميا بالمدرسة، لكنه ظل سنوات يدرس التلاميذ اللغة العربية والتربية الدينية، رغم أنه حاصل على دبلوم صناعي من قسم الاعمال الصحية ، "الوزارة كانت قابلة اننا ندرس مع إننا مش مؤهلات عليا، عشان نسد العجز ، ولأن المسافة كبيرة بين بورسعيد والقرية ، لكن إحنا ساكنين فيها ودول ولادنا ، ولما ندرس لهم أحسن ما يقعدواا من غير تعليم ".
وتعترف مديرة مديرية التعليم بالقاهرة، شاهيناز الدسوقى بأن خريطة الزيادة والعجز في أعداد المدرسين، تتطابق مع خريطة الأغنياء والفقراء في مصر، وأن مناطق منشأة ناصر والسلام تعاني من العجز في المدرسين ، بينما تتمتع مدارس شرق مدينة نصر ومصر الجديدة بأعداد زيادة في المدرسين .
وترجع شاهيناز السبب في سوء التوزيع الى ما وصفته بالضغوط الخارجية على مدير المديرية، ومنها طلبات نقل لمدرسين بعينهم الى مدارس بعينها، مزيلة بتأشيرات لوزراء ولأعضاء في مجلس الشعب.
ولا يكون أمام مدير المديرية سوى أن يحاول حل هذه المشكلات، عن طريق إنتداب بعض المعلمين الى مدارس العجز، بالتناوب كل عام، ويطبق إجباريا على المدرسين حديثى التعيين، والافضل صحيا من غيرهم، ونطالب الوزارة بتخصيص حوافز مجزية للمعلمين في الاماكن الصعبة .