يعتبر محدود الدخل، بحسب التعريف القانونى له، هو الشخص الأعزب الذى لا يزيد دخله الشهرى على 1750 جنيها، أو الأسرة التى يصل دخلها إلى 2500 جنيه كحد أقصى، وهذا هو العميل المستهدف لشركة أوراسكوم للإسكان التعاونى، التى أقامت أول مشروعاتها، فى إطار المشروع القومى للإسكان، ساعية لتلبية الطلب المتزايد على إسكان محدودى الدخل. وبدأت الشركة بمدينة هرم سيتى فى 6 أكتوبر، التى يقول العضو المنتدب للشركة، عمر الهيتمى، إنها ستستوعب نحو 400 ألف نسمة، خلال خمس سنوات، إى أنها ستكون «بحجم مدينة متوسطة فى أوروبا». وليس من المسموح للشركة أن تبيع وحدات سكنية لمن تزيد دخولهم على المستوى المقرر لمحدودى الدخل، حتى يتحقق الهدف من المشروع القومى للإسكان، الذى تعتبر جزءا منه. وتعد أوراسكوم للإسكان التعاونى واحدة من 68 شركة، مشاركة فى المشروع القومى تعمل فى مختلف أنحاء الجمهورية، باعت من خلاله الحكومة الأرض للمستثمرين المشاركين بسعر مدعم (70 جنيها للمتر)، للمواطن، لإنتاج وحدات سكنية بأسعار تناسب محدودى الدخل، وهو «نوع من الدعم غير المباشر للمواطنين» كما يقول الهيتمى، بالإضافة للدعم المباشر الذى يتلقاه كل على المواطن مستفيد من المشروع، عند شرائه للعقار، ويبلغ 10 آلاف جنيه. وكان وزير الاستثمار أعلن الشهر الماضى رفع قيمة الحد الأقصى لدعم الوحدة السكنية لمنخفضى الدخل والمقدمة من صندوق دعم وضمان التمويل العقارى إلى 25 ألف جنيه للوحدة بعد أن بدأت ب5 آلاف جنيه. ويرى الهيتمى أن الحكومة تعتبر جريئة فى تبنيها لهذا المشروع، خاصة فى اختيار المواقع، فموقع هرم سيتى والمواقع التابعة لمشروع الإسكان فى الشيخ زايد تقع على حدود مشاريع الإسكان مرتفع الدخل، «وهو ما يخلق تنوعا فى المجتمع»، وفى نفس الوقت فقد توصل المسئولون كما حدث فى معظم دول العالم إلى أن الدولة لا يجب أن تقوم ببناء الوحدات السكنية، وإنما تترك هذه المهمة للقطاع الخاص، سواء من خلال الأفراد كما هو الحال فى مشروع ابنى بيتك، أو من خلال المستثمرين، مع توفير التسهيلات اللازمة للوصول لأسعار مناسبة لشرائح واسعة من المواطنين. ويتضمن مشروع هرم سيتى، وهو باكورة إنتاج الشركة، وحدات سكنية بمساحات تبدأ من 38 مترا للوحدة السكنية وتصل إلى 63 مترا، إلا أن الطلب على المساحة الأكبر هو الأعلى لذلك «أنتجنا العدد الأكبر من الوحدات بمساحة 63 مترا، بينما ما أنتجناه من الوحدات الصغيرة يعتبر تجريبيا»، كما يقول الهيتمى، الذى يرى أن المساحات الصغيرة مناسبة للشباب وللأسر فى بداية تكوينها، «لكى أبنى أسرة وأضمن استقلاليتى أحتاج أن أوفر سكنا فى حدود دخلى»، ثم يوفر امتلاك هذا «الأصل» نفسه إمكانية الانتقال إلى سكن أكبر فى المستقبل مع تحسن الدخل. ليس فى أطراف القاهرة فقط اتجهت أوراسكوم للإسكان التعاونى، التى تأسست فى يناير 2007، لمحافظات أخرى خارج القاهرة لإقامة مشروعات سكنية موجهة كذلك ل«محدودى الدخل»، تبعا للمفهوم القانونى الذى تتبناه الشركة. وكانت أولى محطاتها فى الفيوم، لكنها تخطط كذلك لبدء العمل فى قنا خلال ستة أشهر، وتستهدف مدينتى السادات وبرج العرب مستقبلا. «ذهبنا إلى الفيوم لأن لدينا قطعة من الأرض هناك فى المنطقة الصناعية، حيث يوجد عمال وبالتالى يوجد طلب على السكن، بالإضافة للطلب من باقى أنحاء المحافظة»، يقول الهيتمى، ومازال المشروع هناك فى مرحلة الإعداد، ويستهدف بناء 20 ألف وحدة سكنية خلال 5 سنوات. كما تتجه الشركة لتلبية الطلب على الإسكان المتوسط فى دول المنطقة، وتبذل مساعيا فى عدد من الدول إلا أنها لم تصل إلى اتفاقات نهائية بعد، «فى تركيا هناك خط مفتوح مع الحكومة، وفى المغرب حيث توجد سوق كبيرة لهذا المنتج بالإضافة لوجود نظام تمويلى جيد، كذلك أبدت الحكومة الأردنية حماسا للمشاريع التى نقوم بها» تبعا للهيتمى الذى يؤكد أن أيا من هذه الخطوط لم يسفر بعد عن خطط واضحة. توفير الخدمات يحى المدن ويعتبر الهيتمى أن جودة الحياة مفهوم محورى فى التخطيط للمدن، «من حقنا أن نسكّن 240 مواطنا فى الفدان، لكن الشركة ألزمت نفسها فى مخطط مدينة هرم سيتى ب137 فردا فقط، لضمان جودة الحياة «رؤيتنا مبنية على خلق مجتمع متكامل، ونستعين بخبرة أوراسكوم للفنادق فى إنشاء وتطوير المدن وإدارتها، «نحن لا نسلم المدينة للدولة بعد الانتهاء منها، وإنما نتولى صيانتها وتزويدها بالخدمات المختلفة،»ولا يوجد فاقد يخرج من المدينة، حيث أنشأنا مصنعا صغيرا لإعادة تدوير المخلفات، به وحدة لإنتاج البلاستيك وأخرى للسماد العضوى من بقايا الطعام» كما يقول الهيتمى. ويعتبر العضو المنتدب لأوراسكوم للإسكان التعاونى أن تجربة منتجع «الجونة» السياحى هى النموذج الاسترشادى للعمل فى هرم سيتى، سواء فى اختيار الطراز المعمارى للوحدات، القريبة من البيوت النوبية، أو فى توفير الخدمات المختلفة بحيث تكون مدينة قائمة بذاتها. والجونة هى أشهر مشروعات شركة أوراسكوم للفنادق، التى تعد المساهم الرئيسى فى أوراسكوم للإسكان التعاونى، إذ تملك 58% منها، بينما يملك مستثمرون من المكسيك وأمريكا النسبة الباقية. وقد أثبتت التجارب السابقة أن المدينة المتكاملة الخدمات هى التى تجذب السكان فى رأى الهيتمى «فكثير من المواطنين يملكون وحدات فى المدن الجديدة لكنهم لا يسكنوها»، وقد وفرت الدولة لنا حتى الآن خطين للأتوبيس تابعين لهيئة النقل العام، ومن المخطط أن يصل خط المترو الرابع إلى 6 أكتوبر، مما سيمثل عنصر جذب كبير للسكان. دور التمويل العقارى محورى يلعب التمويل العقارى دورا أساسيا فى عملية البيع كما يقول الهيتمى، «لأن المواطن ليس لديه ما يكفى ليشترى نقدا»، لذلك فالعبرة بتوسيع قاعدة المستفيدين بالتمويل العقارى، ومدى كفاءة هذا النظام. وهناك تطور فى نظام التمويل العقارى كما يرى الهيتمى، لأن بعض الشركات والبنوك التى دخلت هذا المجال رأت فيه فرصة لأنه إقراض آمن، فمن المعروف عالميا أن المواطن محدود الدخل ملتزم، «وأكثر من مرتفع الدخل فى بعض الأحيان، لأن الاحتياجات لديه أساسية، فهو لن يغامر بخسارتها». ولا تعود فائدة وجود نظام تمويل عقارى كفء فقط على الأفراد والشركات بالمنفعة، وإنما على الدولة لأنه إحدى أنجح الوسائل لتحويل الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد رسمى بالكامل، «فإذا كان الحصول على السكن متاحا بشرط تقديم أوراق رسمية تفيد بانتظام الشخص فى عمل أو وظيفة مستقرة، فسيكون ذلك حافزا لصاحب الورشة على سبيل المثال لتسجيل الورشة والعاملين فيها بشكل رسمى، وإلا تركوه وذهبوا لغيرها، بحثا عن أوراق رسمية». ويساهم التمويل العقارى فى تحويل الإسكان بذلك لسلعة أساسية، بحيث يتمكن العامل الذى يصل دخله إلى 1000 جنيه شهريا على سبيل المثال من تملك شقة، تبعا للهيتمى، وقد حصل مواطنون من أصحاب هذا المستوى من الدخل على شقق فى المرحلة الأولى من المشروع بسعر 65 ألف جنيه، حيث يوفر التمويل العقارى الجزء الأكبر من المبلغ، ليرده إليه المواطن على أقساط لا تتعدى ربع راتبه، بموجب القانون، لمدة تصل إلى 15 سنة، أما المقدم فتتم تغطية جزء منه عن طريق الدعم النقدى الذى تقدمه الدولة للإسكان، ويوفر هو الجزء المتبقى منه. إلا أن نفس الوحدات التى ضرب بها المثال قد تضاعفت أسعارها تقريبا فى الوقت الحالى، بما لا يجعلها فى متناول كثير من محدودى الدخل الذين يفترض أن يكون المشروع موجها إليهم، لكن الهيتمى يقول أن الأسعار ليست أعلى من قدرتهم «طبقا للتعريف القانونى لمحدود الدخل»، كما إن الشركة تحاول أن تعمل على خفض التكاليف لتوفير وحدات أرخص وبنظم دفع وتقسيط متنوعة، إلا أنه «فى كل العالم ليس فى مقدور كل المواطنين أن يتملكوا عقارا، لذلك نوفر وحدات للإيجار بأسعار تبدأ من 150 جنيها شهريا وتصل على 250 جنيها للمساحات الأكبر». وتقدم المكسيك تجربة رائدة على مستوى العالم فى مجال إسكان الفقراء، فهى تنتج 600 ألف وحدة سنويا ما بين إسكان محدود ومتوسط الدخل، «وبالتالى لا توجد عندهم أزمة إسكان»، كما يقول عمر الهيتمى، ويرى أن الحكومة المصرية يمكن أن تستفيد من هذه التجربة بوضع نظام تشريعى والتوصل لسياسات تسمح بوجود نظام كفء للتمويل العقارى، وبما يتناسب مع ظروفنا. ويعتمد نجاح تجربة المكسيك على نظام تكافلى أشبه بنظام التأمينات الاجتماعية يقوم على جمع اشتراكات لدعم التمويل العقارى، تبعا للهيتمى، كما إن السوق هناك يوجد بها عدد كبير من المطورين العقاريين ذوى الأحجام الكبيرة يتنافسون على إسكان محدودى الدخل، حتى «أصبح السكن متاحا بدون مقدم، ولأى شخص انتظم لمدة عامين فى عمل رسمى». الإنتاج الكبير يخفض التكلفة «نعمل بنموذج أقرب إلى الصناعة منه إلى أسلوب الإنشاءات العادى، لتحقيق اقتصاديات الإنتاج الكبير. فلكى ننتج وحدات بأسعار منخفضة يجب أن تنخفض التكلفة، ويتحقق ذلك إذا أنتجنا كمية كبيرة من الوحدات وفى وقت قصير، ليتم بيعها وتتحقق دورة رأس المال»، هكذا يحكى الهيتمى، عن تجربة الشركة الأولى فى هرم سيتى التى خصصت لها 2000 فدان، وبدأ البناء فيها فى شهر مايو 2007، وتخطط خلال 5 سنوات للانتهاء من بناء ما بين 50 و70 ألف وحدة سكنية، لتستوعب المدينة من 300 إلى 400 ألف نسمة، «وهو حجم مدينة متوسطة فى أوروبا» كما يقول الهيتمى، لذلك فهى مزودة بالمدارس ودور الحضانة والمستشفيات، بالإضافة لمحاولة توفير فرص عمل داخل المدينة «من خلال إنشاء منطقة صناعية للصناعات الصغيرة والحرفية». وتحقق من خطة الشركة للمدينة بناء 12 ألف وحدة، بيعت منها 5300 وحدة، كما تأسست 5 مدارس، بدأ العمل فى اثنين منها، بالإضافة لعيادات طبية تعمل 24 ساعة، ونقطة إسعاف. ويوضح الهيتمى أن 3500 عائلة تسلمت وحداتها بالفعل، إلا أن من انتقلوا للسكن حتى الآن 500 عائلة، بدأوا يسكنون فى سبتمبر الماضى، ومن المتوقع أن يزيد العدد خلال فصل الصيف مع انتهاء الدراسة، «فقد كان من الصعب على كثير من الأسر الانتقال فى سبتمبر مع بداية العام الدراسى، وصعوبة تغيير مدارس أبنائهم فى هذا الوقت».