يذكر تاريخ الأقباط في مصر قصة البابا بنيامين الأول، الذي انتخب في العام 623 ميلادية لمنصب البابوية، أي بعد عام من هجرة الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، وهو البابا 38 في سلسلة باباوية بدأت بمؤسس الكنيسة القبطية القديس مرقص. وبحسب ما يرويه كتاب "إلسنكسار" وهو كتاب تاريخي مهم للأقباط وموصوف بأنه "جامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين"، فقد مرت على بنيامين الأول –الذي كان بابا للأقباط وقتها- ظروف صعبة اضطرته لأن يغادر الإسكندرية، وعاش 13 سنة متخفيا وهاربا في الصحراء، فرارا من بطش البيزنطيين الذين احتلوا مصر، ودمروا الكثير من الأديرة وقتلوا معظم من كان فيها من رهبان، وقتلوا أحد إخوته أمام عينيه.
وكتب بنيامين الأول بيانا قبل هروبه، تم توزيعه على سائر الأساقفة ورؤساء الأديرة في مصر، ودعاهم فيه إلى الفرار والاختفاء مثله، فحدث هروب جماعي لزعماء الأقباط الروحيين، بحسب المراجع التاريخية، وصمتت أجراس الأديرة عن طنينها، وكان يحكم مصر وقتها "المقوقس الخلقدوني"، الذي عينه هرقل ملك البيزنطيين واليا على مصر.
حكم الخلدقوني مصر بقبضة حديدية، وراح يمارس ما أصبح أفضل هواياته، وهو الإمعان في اضطهاد الأقباط، وقام بالقبض على شاب اسمه مينا وهو شقيق بنيامين الأول وحرق جنبيه بالنار، وقتله غرقا أمام عيني شقيقه.
لكن الزمن الدموي للخلقدوني لم يدم طويلا على مصر، فقد سحقه مجيء العرب والمسلمين إليها عام 640 ميلادية بقيادة عمرو بن العاص- رضي الله عنه- الذي أقام بمصر 3 سنوات، وعرف خلالها بأمر البابا الهارب في الصحراء، وكتب عنه إلى الخليفة عمر بن الخطاب ليسأله عما يفعل بالأقباط.
وتسلم بن العاص الجواب سريعا من المدينةالمنورة، وعلى إثره أرسل كتابا وزعوه في أرجاء مصر، وقال: "الموضع الذي فيه بنيامين، بطريرك النصارى القبط، له العهد والأمان والسلام، فليحضر آمنا مطمئنا ليدبر شعبه وكنائسه"، وهي عبارات واردة في كتاب "إلسنكسار" نفسه.
وما إن وصلت أخبار عهد الأمان إلى "الأنبا بنيامين"، حتى عاد إلى الإسكندرية وإلى منصبه البابوي، ومعه عاد القساوسة إلى أديرتهم، فقاموا بترميمها وإصلاح ما عبث فيها من خراب البيزنطيين.
ومما كتبه الأقباط عن البابا بنيامين الأول، وذكره موقع «العربية نت»، أنه أصلا من قرية برشوط بالبحيرة، وكان قبل انخراطه بالسلك الكنسي ثريا من عائلة اشتهرت بالغنى والنفوذ، أنه "لما سمع الرهبان اللى كانو مستخبيين من البيزنطيين في وادي النطرون بوصول غزاة جداد، وأن البيزنطيين اتدهورت أحوالهم، حسو بالأمان، وخرجو وراحو لعمرو بن العاص"، ويقال إن عددهم كان 70 ألف من الحفاة مع كل واحد عصا يتعكز عليها.
وما ذكره كتبة الأقباط أكده أيضا كتاب "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار" لشيخ المؤرخين المصريين أحمد بن علي المقريزي، المعروف باسم "تقي الدين"، والذي كتب بكثافة عن بنيامين الأول الذي توفي عام 662 ميلادية.