يعتبر القرن العشرون من أهم القرون فى الاكتشافات الأثرية المصرية. وقام بهذه الاكتشافات المثيرة علماء آثار أفذاذ حققوا نتائج وإنجازات مذهلة لم يسبق لها مثيل حين نقبوا ونشروا عبق مصر القديمة على العالم أجمع. تعتبر «تانيس» أو صان الحجر الموقع الأثرى الأكثر أهمية فى شمال شرق الدلتا، وعاصمة الإقليم التاسع عشر من أقاليم مصر السفلى فى العصر المتأخر (747-332 ق.م)، وتقع فى مركز الحسينية فى محافظة الشرقية، وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى مائتى وخمسين كيلو مترا. وذكرت فى النصوص المصرية القديمة باسم «جعنت» وتعنى «المدينة التى بنيت فى الأرض الخلاء»، كما ورد ذكرها فى التوراة باسم «صوعن»، أما اسم « تانيس» فقد أطلقه عليها الإغريق نسبة إلى الفرع التانيسى أحد أفرع نهر النيل السبعة القديمة، بينما أطلق عليها العرب اسم «صان» تحريفا عن الأصل المصرى القديم، ونظرا لكثرة الأحجار بها أضافوا إليها الحجر، فأصبح يطلق عليها اسم «صان الحجر» إلى الآن. وأجرى الحفائر بها أثريون عظام أمثال «أوجست مارييت» بين الأعوام 1860-1880م، و»وليام فلندرز بترى» بين الأعوام 1883-1886م، و»بيير مونتيه» بين الأعوام 1921-1951.
وكان عام 1939م، لحظة عظيمة الأهمية فى تاريخ مصر القديمة، حتى اكتشف الأثرى الفرنسى»بيير مونتيه» مقابر جبانة عصر الانتقال الثالث الملكية الغنية، من الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين (1040-783ق.م) فى «تانيس». وتدفق عدد كبير من الآثار الساحرة من تلك المدينة التى كللها المجد والعظمة فى مصر القديمة، من خلال حفائره التى قام بها بين الأعوام 1939-1946م. وكان هناك سبب كبير أثر بالسلب على نتائج حفائره، ألا وهو نشوب الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) فى توقيت الاكتشاف، مما جعل الحدث السياسى بتبعاته الحربية يصم الآذان عن اكتشافات «تانيس» المذهلة، وجعل اكتشافاته المهمة لا تحظى بمكانتها الإعلامية التى كانت تستحقها آنذاك.
لم يدخل المكتشفون الفرنسيون المقبرة الأولى من مدخلها الأصلى، وإنما من السقف. وبنيت حجرة الدفن من كتل من الحجر الجيرى والجرانيت الوردى، وزينت الجدران بنقوش من « كتاب الموتى» و»كتاب الليل» وهما من الكتب الدينية المهمة فى مصر القديمة. واحتوت المقبرة الدفنة الغنية التى تخص الملك «أوسركون الثانى» بكل كنوزها الفاتنة من الحلى الذهبية والتمائم والأوانى الذهبية والفضية.
ودخل المقبرة الثانية من السقف أيضا، فى يوم 17 مارس 1939م، الذى أطلق عليه اسم:»يوم العجائب المثيرة لألف ليلة وليلة». ومن خلال دخوله حجرة صغيرة ملونة، ثبت أنها تخص الملك»بسوسنس الأول» (1034 -981 ق.م)- المقبرة رقم «3» فى «تانيس»- وجد نفسه محاطا بأكوام رأسية من الأثاث الجنائزى.
واحتوت المقبرة أيضا على دفنة الملك «شاشانق الثانى» (895-؟ق.م) محاطا بجسدى الملكين «سى آمون» (968-948 ق.م) و»بسوسنس الثانى»(945-940 ق.م). ووصل إلى حجرة دفن الملك «بوسنس الأول» التى لم تمس، فوجد بها الأوانى الكانوبية وأشكال الأوشابتى والأوانى الذهبية والفضية والتابوت الذى أخذ من دفنة الملك «مرنبتاح» (1212-1201 ق.م) ابن الملك «رمسيس الثانى» من مقبرته فى وادى الملوك. وكانت الحجرة الأخرى التى على الجانب الآخر مخصصة فى الأصل لدفن أم الملك «بسوسنس الأول»، الملكة «موت نجمت»، واحتوت الدفنة الغنية للملك «آمون إم أوبت» (984-974ق.م). ولا تزال المفاجآت تذهل «مونتيه» وبعثته من الأثريين، فوجد حجرة أخرى احتوت تابوتا فارغا للقائد «عنخ إف إن موت». ثم أكمل العمل فى 13 فبراير 1946م، الأثرى الفرنسى «ألكسندر ليزين» فى الدفنة التى لم تمس لقائد عسكرى آخر، هو «ونج باو إن جدت» وكانت قليلة الحلى والأثاث الجنائزى.