فى عام 1993 أصدر شوشان كتابا «بعنوان المعركة الأخيرة للمدمرة إيلات» تناول فيه بعضا من خبايا إغراق المدمرة، ورغم ذلك يرى أن هناك كثيرا من الخبايا والأسرار التى لم تنشر بعد. وكانت مجلة «بمحنيه» أجرت لقاء معه تحدث فيه عن اللحظات الأخيرة للمدمرة إيلات، وألقى باللوم على كل من المخابرات العسكرية وقيادة القوات البحرية التى أهملت تسليح المدمرة وجعلتها فريسة للمصريين. يرى شوشان أن كارثة إغراق المدمرة إيلات لم تبدأ فى الحادى والعشرين من أكتوبر، وإنما قبل ذلك، فى شهر يوليو تحديدا تلقى شوشان وجنوده أمرا مكتوبا بالتوجه نحو شاطئ بورسعيد لإثبات الوجود الإسرائيلى هناك، لكن شوشان يزعم أن الأمر الشفوى كان شيئا مختلفا، ففى اجتماع سرى مع أربعة ضباط آخرين تلقى شوشان أمرا شفهيا من شلومو أريئيل قائد البحرية فى ذلك الوقت بتدمير سفن مصرية، وكان ذلك الأمر على ما يبدو بهدف رفع الروح المعنوية لسلاح البحرية الإسرائيلى بعد فشله فى حرب يونيو.
وعندما أصبحنا على مقربة من المصريين حاولنا الاتصال بشلومو أريئيل لكنه لم يرد، ويقال إنه كان يشاهد فيلما فى السينما، وعندما نجحنا فى النهاية فى الاتصال به أرسل لى برقية يقول فيها لا ترتبك، فأرسلت له أن المصريين يفتحون النار علينا، فإذا به يرسل لى برقية أخرى يقول فيها اتجه شرقا وكأنه يقول لى اهرب، كان ذلك متأخرا جدا فقد كانت المعركة قد بدأت، أغرقنا زورقى توربيدو مصريين، وكانت تلك البداية الفعلية لحرب الاستنزاف.
وعندما عاد شوشان إلى ميناء أسدود طلب منه أريئيل أن يعرض للحادث فى مؤتمر صحفى على أنه وقع أثناء جولة روتينية للمدمرة، وعدم البوح بأنه كمين مخطط له، وأعرب رئيس الأركان يتسحاق رابين عن إعجابه بالعملية، أما وزرير الدفاع موشيه ديان فلم يسأل أى سؤال عنها، وطلب نقل تهانيه إلى طاقم المدمرة، ويقول شوشان تعقيبا على ذلك: كان ينبغى على كل عاقل أن يدرك أن المصريين يريدون الانتقام لهذه الحادثة، لكن غرور الانتصار أوجد حالة من اللامبالاة فى قيادة القوات البحرية، فأمرت باستمرار الجولات الاستطلاعية داخل المياه الإقليمية المصرية بدلا من أن تعهد بالمهمة إلى زوارق التوربيدو الصغيرة والسريعة.
انطلقت المدمرة «إيلات» فى جولة «إثبات الوجود» إلى شاطئ بورسعيد فى ال19 من أكتوبر وهى تحمل على متنها فى هذه المرة طلابا من الأكاديمية البحرية فى رحلة تدريبية، فى تلك اللحظة لم يعرف أحد ممن على ظهر المدمرة أنها تفتقر إلى وسائل الدفاع حتى مرت الساعات ال48 الأولى من التدريبات، وقفت على الجسر، وفجأة أخبرنى المراقب أن صاروخا أطلق علينا من اتجاه بورسعيد، أدركت جيدا أنه لشدة انفعاله لم يلتزم بالإجرات المتبعة بإبلاغى عبر جهاز الاتصال العادى، رفعت المنظار ورأيت الصاروخ، كان صاروخا موجها يبحث عن هدف مخلفا وارءه ذيلا أسود.
أعطيت أوامر للتملص من الصاروخ، لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئا فقد أصاب الصاروخ المدمرة وأحسست أن هذه نهايتى. سارعت بالعدو لمعرفة مكان الإصابة، واكتشفت أن الصاروخ أصاب مرجل المدمرة، وقطع الكهرباء عنها، واصلت توجيه الأوامر فى الظلام عرفت منذ اللحظة الأولى أنه يجب الاستعداد لترك المدمرة، فقد فقدت المدمرة قوتها ولم يعد شىء يعمل فيها، كنت على جسر المدمرة عندما أبلغونى بالصاروخ الثانى فقلت فى نفسى إذا كان الصاروخ الأول لم يقتلنى فإن الصاروخ الثانى لن يقتلنى أيضا، وسرت فى محاولة لرؤية الصاروخ الذى أصاب المدمرة وعندئذ رأيت مدخنة السفينة تتهاوى، ومنصة إطلاق صواريخ التوربيدو فى اتجاه الشمس بدلا من أن تكون فى وضع أفقى، ولم يبق للقائد فى هذه الحالة إلا إنقاذ من يمكن إنقاذه.
أجبر الصاروخ الذى أصاب قاعدة السفينة الجنود على الالتجاء إلى مقدمة السفينة ومؤخرتها، ولم يكن هناك اتصال بين المجموعتين كما كان التحرك بينهما شديد الخطورة، كنت أعطى الأوامر ومن حولى مشاهد رهيبة، رأيت بجوار المطبخ جنديا احترق جسده كله وحاول جندى آخر علاجه ولكنه كان قد فارق الحياة.
نجح ضابط الاتصال فى المدمرة فى الربط بطريقة ما بين مقدمة ومؤخرة السفينة، ثم أخذ جهازى اتصال كانا قد تناثرا إلى أجزاء ونجح فى تركيب جهاز، وأخذ يبدل فى الترددات حتى حصل على رد من قوة لواء المظلات فى شمال سيناء وأخبرهم عن الحادث. كان أكثر ما يهمنى أن أحتفظ بطاقم المدمرة معا فى مكان واحد، وشرحت لهم ما سيحدث بالضبط وكيف سيأتون لإنقاذنا وأن عليهم الانتظار بصبر.
وفى ذلك الوقت، جلس طاقم السفينة دون حركة وكان 95% منهم فى حالة صدمة. أعطيت الأوامر بإخلاء المقصف وإخراح جميع من فيه وتوزيعه على طاقم السفينة لأننا لا نعلم متى سنأكل فى المرة القادمة. ولكن السفينة أخذت تمليل فعرفنا أننا سنغرق.
استمرت حالة الرعب. وأبلغنا أحد الضباط الموجودين فى مؤخرة السفينة عن وجود صدوع، وأن المياه بدأت تتسرب إلى الداخل. صدرت الأوامر لهم بترك السفينة فبدأوا فى القفز إلى المياه ولم يبق على متن السفينة سوى عدد قليل. وفجأة صاح أحدهم: أيها القائد هناك صاروخ قادم من خلفك. وعندئذ أصاب الصاروخ الثالث السفينة وقلبها على جانبها. وجدت نفسى معلقا أمسك بإحدى يدى بسلم وباليد الأخرى بجهاز اتصال، فألقيت بجهاز الاتصال وسقطت فى الماء. اضطررت للسباحة على ظهرى بسبب بزة الإنقاذ البحرى، وفجأة اصطدمت بشىء من خلفى فقلت من أنت ؟ ولكننى لم أسمع جوابا فالتفت ورأيت جنديا فارق الحياة. تفرق الجنود ال199 فى البحر قتل بعضهم وأصيب البعض الآخر. تعالت الصرخات من الجميع، فهذا يصيح بأنه لا يستطيع أن يفتح حزام الإنقاذ، وآخر خارت قواه فغرق فى الأعماق. وفجأة صاح أحد الجنود هناك صاروخ آخر. سقط الصاروخ فى المياه ولكن كثيرا من الرجال قتلوا نتيجة الصدمة الارتدادية وغرقت السفينة على الفور.
أبطال المعركة
كرمت مصر ممثلة فى شخص الرئيس البطل جمال عبدالناصر أبناءها الأبطال الذين حفروا اسمهم بالمجد والفخر فى عملية إغراق المدمرة إيلات فمنح قائدى لنشات الصواريخ وسام نجمة الشرف العسكرية وهما النقيب أحمد شاكر عبدالواحد القارح، والنقيب لطفى جادالله، ومنح ضباط وجنود لنشى الصواريخ الأوسمة والأنواط وهم الملازم أول السيد عبدالمجيد، الملازم أول حسن حسنى أمين، ضابط بحرى سعد السيد، الجنود عبدالحميد عبدالفتاح، بكرى فتح الله، عبدالعزيز إبراهيم، صلاح حافظ، محمد جودة، سمير محيى الدين، على عبدالله، محمد عبدالعاطى، محمد رجب، عبدالهادى شوقى، معوض سرجيوس، عبدالسلام جمعة، محمد شعبان، السيد احمد، محمد على، فصيح صابر، عبداللطيف محمد، على عبدالعزيز، حسين عمارة، فودة البدراوى، حمدى فرغلى، احمد الجوهرى، خيرى بركات.
إيلات ويافو..
فى العشرين من يونيو عام 1956 وصلت أول مدمرتين للبحرية الإسرائيلية تم شراؤهما من إنجلترا وأحضرهما طاقم إسرائيلى وكانت إحداهما «إيلات» والثانية «يافو» نسبة إلى الميناءين إيلات ويافا. اشتركت «إيلات» فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.. وكذلك فى حرب يونيو 1967. وتم إغراقها فى 21 أكتوبر 1967.. وعجل حادث إغراق المدمرة إيلات بانتهاء إسرائيل من بناء 12 زورق صواريخ من نوع (سعر) كانت قد تعاقدت على بنائها فى ميناء شربورج بفرنسا.
البحرية المصرية غيرت الفكر العسكرى لقصفها إيلات بوحدات صغيرة الحجم