"أب اختفى منذ الطفولة.. مرض داهمها منذ الصبا.. حرمان من نعمة الأمومة جراء اضطرابات هرمونية.. مشاكل في نشر باكورة إبداعها الروائي"، كل ذلك وأكثر تجاوزته هيلاري مانتل بالكتابة.
من يتأمل الصحافة الثقافية البريطانية سيجد نوعًا من الإجماع على أن قصة هذه الكاتبة أكبر من فوزها بجائزة المان بوكر مرتين، سيشعر بنوع من الإجلال لهيلاري التي تجسد معنى الكتابة عندما تكون قبلة الحياة وترياق المحنة، إنها السائرة على الجراح تغرد بالأمل وتنشد للحياة وتلهم كل الذين جرحتهم الأيام أو أدمت قلوبهم.
وبالإعلان مساء الثلاثاء الماضي في لندن عن فوز الجزء الثاني من ثلاثيتها التاريخية عن "توماس كرومويل" وعنوانه :"أخرجوا الجثث" بجائزة المان بوكر، تكون هيلاري مانتل، البالغة من العمر 60 عامًا، أول سيدة وأول مواطن بريطاني وثالث كاتب على الإطلاق يحصل على الجائزة مرتين.
وثلاثية هيلاري، التي ستكتمل بروايتها القادمة "المرآة والضوء"، التي تتمحور حول حياة السياسي الإنجليزي المناور والطموح والقاسي توماس كرومويل، حتى إعدامه عام 1540، فيما كان من الطريف أن تقول هيلاري بعد فوزها بجائزة المان بوكر للمرة الثانية، "أعتقد أن من فاز بالجائزة هو الملك هنري الثامن، وليس مستشاره السياسي المنكود كرومويل".
والطريف أيضًا أن هيلاري بدأت تتحدث عن إمكانية فوزها لثالث مرة بجائزة البوكر عن عملها الجديد "المرآة والضوء"، حيث الموت ينتظر بطلها، فيما لم تتخل عن روحها المرحة رغم المحن عندما قالت: "أخشى أن أذهب للقرن الثامن عشر، ولا أعود منه".
وتدور أحداث الرواية الفائزة بجائزة المان بوكر في عام 1535 مستعيدة وقائع حياة آن بولين، الزوجة الثانية للملك هنري الثامن، ونهايتها الدموية المحزنة دون أن تغفل عن السياسي الإنجليزي توماس كرومويل في هذا العمل المفعم بالدسائس وصراعات السلطة والإهانات والعذابات.
وجاء الجزء الأول من هذه الثلاثية بعنوان "ذئب البهو"، ليمنحها جائزة المان بوكر لأول مرة في عام 2009، فيما كتبت أول رواية لها في أواخر سبعينيات القرن الماضي بعنوان "مكان أكثر أمنًا"، وجاءت في 800 صفحة، وتدور أحداثها في زمن الثورة الفرنسية.
وحصلت بعض أعمالها على عدة جوائز ثقافية غير البوكر، منها جائزة "وينفريد هولتبي" عام 1989، كما اختارت صحيفة "صنداي إكسبريس" البريطانية روايتها "مكان أكثر أمنًا" كأفضل عمل في عام 1992.
وواقع الحال أن مانتل كانت على موعد مبكر مع المآسي لتكون المحنة عنوان حياتها من الخارج، ومن لحظة أن تخلى والدها عن العائلة واختفى ولم تره أبدًا منذ أن كانت في الحادية عشرة من عمرها، فيما حرمت من الإنجاب جراء مرض غامض، ومن ثم فإن الكتابة شكلت لها بحق قبلة الحياة، بل إنها تعتبرها سر استمرارها في الحياة ، فإذا بأول شيء تفعله عند اليقظة هو "الكتابة"، وإذا بها "تقاوم المرض بالخيال" لتتوالى أعمالها الروائية، مثل: "مناخ متغير"، و"تجربة في الحب"، و"العملاق أوبراين"، و"نبذ الشبح".
وكان السباق الحاسم نحو جائزة "المان بوكر" التي أعلنت نتيجتها 16 أكتوبر الحالي في العاصمة البريطانية لندن، قد بدأ باختيار ست روايات للقائمة القصيرة فيما كانت أغلب هذه الروايات لكتاب غير معروفين في عالم القصة الإنجليزية.
وبلغ عدد الروايات المرشحة هذا العام 145 رواية ووصلت 12 رواية للقائمة الطويلة للمان بوكر، فيما حصل كل كاتب من أصحاب الروايات الست التي وصلت للقائمة القصيرة على 2500 جنيه إسترليني.
ومع أن القيمة المادية لجائزة المان بوكر التي أطلقت في نهاية ستينيات القرن العشرين تبلغ 50 ألف جنيه إسترليني، فإن قيمتها الحقيقية للفائز هي قيمة معنوية تضمن خلود اسمه في عالم الرواية المكتوبة بالإنجليزية، فضلا عن زيادة كبيرة في مبيعات إبداعاته.