خلف كواليس صناعة الموضة فى مصر يقف جيل جديد من المصممين يسعى لإثبات وجوده وخلق مدرسة نابعة من التراث المصرى. خطوات على طريق صناعة الموضة، إلا أن التحديات تتعدد أمامهم. «الموضة ولدت على ضفاف النيل» هذا هو شعار مجموعة الأزياء الأخيرة التى قدمتها مارى لوى بشارة فى أسبوع الموضة العالمى بجوهانسبرج (جنوب أفريقيا) ما بين 22 و25 يناير الماضى، وهى نفس المجموعة الخاصة بصيف وربيع 2009 التى كانت قد صممتها بمناسبة أول عرض لها خلال أسبوع الموضة الفرنسى بمتحف اللوفر فى منتصف سبتمبر الماضى. لفتت المصممة الأنظار بمجموعة من الموديلات المستمدة من التراث والحضارة المصرية فأعادت اكتشاف التلى المصرى المستخدم فى الصعيد، والأقطان والكتان والحرير المرصعين بأحجار نصف كريمة مستوحاة من المعابد المصرية. كما استخدمت مارى لوى بعض الموتيفات المصرية كزهرة اللوتس والمسلة المصرية إلخ... لجأت كذلك إلى إكسسوارات مقتبسة من الحضارة الفرعونية، فبعض العقود التى استخدمتها وجدت منذ أكثر من 2500 سنة بنفس الشكل والألوان. اختيار المصممة للألوان لم يكن عفويًا فالبرتقالى يذكر بقرص الشمس المقدس لدى القدماء والتركواز كان حجرًا محببًا أيضًا لديهم. تؤكد مارى لوى بشارة: «كل غرزة لها حكاية، فقد قمت بزيارة العديد من المعابد والقرى قبل البدء فى العمل، ففكرة الخلود والنماء وحب الحياة هى محاور شكلت جوهر الحضارة المصرية القديمة. كانت أيضًا فنون الأرابيسك والخيامية والموتيفات البدوية من أهم ما ألهمنى». مارى لوى بشارة هى واحدة من أهم المصممين الجدد الذين لمع نجمهم فى سماء القاهرة: هانى البحيرى، سوشا، هشام أبو العلا، محمد داغر... كلها أسماء على قائمة «السنيه»(signé). أتموا جميعًا تعليمهم فى مدارس الموضة بباريس أو روما، فالمشوار بالنسبة لهم كان صعبا لعدم وجود مدارس متخصصة فى مجال الأزياء. ولعل الجيل القادم قد يكون أكثر حظًا فهناك ثلاثة مدارس جديدة لدراسة فن الموضة فى مصر أشهرها: l'école de la chambre syndicale de la haute couture التابعة لغرفة صناعة الموضة الباريسية. كما تعكف بيوت الأزياء فى مصر على إجراء مسابقات بين الخريجين فى المدارس الثلاث لتبنى المواهب الحقيقية، ففى العام الماضى على سبيل المثال أرسل بيت أزياء بشارة الطالبة سيلين داود لتمثيل مصر فى صالون الملابس الجاهزة بباريس. هذا الجيل القادم يبدو أكثر حظًّا من الجيل الحالى الذى شق طريقه وسط الصعاب، فمارى لوى اضطرت أن تغادر إلى فرنسا لتدرس فى مدرسة ايسمود جى لافيينى ESMOD Guerre Lavigne)، أما طالب الحقوق هانى البحيرى فقد توجه هو الآخر للعاصمة الفرنسية ليصقل موهبته ويعود ليقيم أكثر من 20 عرضًا للأزياء. بل إن البعض مثل هشام أبو العلا الذى قدم حتى الآن 3 عروض آخرها ديفيليه فى اليونان عام 2007 لم يكتف بالدراسة فى ايطاليا بل عمل لأكثر من 8 سنوات فى أحد بيوت الأزياء العالمية Moschino ليتعلم صناعة الموضة من الألف للياء. أما سوشا المصمم التونسى والمقيم فى مصر منذ سنوات فقد درس كواليس الصناعة فى أكاديمية لامودا. وهو يقول: «مازالت الناس غير مؤمنة بأهمية هذه الدراسة رغم أن مظهر المرأة وأناقتها هى هدف تنفق من أجله مؤسسات كبيرة فى العالم أموالًا طائلة، والدليل على عدم إدراك الناس أهمية هذا المجال أن هناك مصممين عربا مثل التونسى عز الدين على والذى عمل زهاء 52 عامًا فى أعرق بيوت الأزياء الباريسية و«كسّر» الدنيا ومع ذلك يبقى هذا الاسم مجهولًا لدى كثيرين فى العالم العربى لأننا ببساطة لا نقدر قيمة هذه الموهبة». على الرغم من وجود أفكار مسبقة وتصنيفات أحيانا مجحفة إلا أن هانى البحيرى استطاع أخيرا تنظيم أول عرض لأزيائه فى منطقة الخليج تحديدا بالكويت. وسوشا فى بداية الشتاء من نيويورك بعد أن حقق عرضه نجاحًا كبيرًا تناولته الصحف، وهشام أبو العلا استطاع أن يجذب أنظار الأوروبيين من خلال عرضه باليونان. والسر دائما هو النكهة المحلية الطابع كما يوضح هانى البحيرى: «عندما أريد أن أعطى للسيدة فى تصميمات المساء لوك ساطع ألجأ لقرص الشمس أحد أبرز رموز حضارة الفراعنة». البحيرى الذى استقطب شريحة كبيرة من زوجات رجال الأعمال والسفراء والوزراء له فلسفته الخاصة فى التصميم، فهو يعلم تمامًا أن عليه احترام جسد المرأة وعقلها، فهى ليست على حد تعبيره أداة يجب أن تتعرى حتى تبدو أنيقة. «لكنى لا يمكن أبدًا أن أغفل خطوط الموضة العالمية وتاريخها الذى يعيد نفسه بشكل دورى، فالموضة الحالية هى موضة الخمسينيات والستينيات ذات الكولة الكبيرة والأكمام القصيرة. فلا يمكن أبدًا لمصمم مهما تأثرت خطوطه بالثقافة المحلية أن يصمم بمعزل عن الصيحات العالمية». فى حين يبدو هشام أبو العلا أكثر تأثرًا بفترة أخرى من التاريخ المصرى قد تكون فرضتها عليه إقامته بروما ورحلاته المستمرة لليونان. فتماثيل العهد الرومانى والإغريقى هى بالنسبة له الأقرب لذوقه ويبدو ذلك جليًّا من خلال مجموعته الأخيرة. أما سوشا فقد صمم منذ بضعة سنوات مجموعة باسم «تراب مراكش» مستوحاة من القفطان المغربى وثوب بنات طنجة بألوانه الفاقعة كالفوشيا والأخضر، حصل بعدها على الجائزة الأولى فى مسابقة أفضل تصميم بالمغرب. لكنه اليوم يثور على هذا النطاق المحلى ويستلهم خطوطه من القرن الثامن عشر قائلا: «جسد المرأة واحد، ونحن تحكمنا فلسفة العولمة رغم اختلاف الألوان والأعراف والثقافات». الحجاب تحدى المصممين والتحدى الأهم لهذا الجيل من المصممين هو ظاهرة انتشار الحجاب حيث يوضح أبو العلا: «أحيانا أرى أن الفستان يجب أن يكون بلا أكمام وواسع الصدر وقد يكون ذلك سر جماله إلا أن هناك رقابة مجتمعية وثقافية قد تحول دون الإبداع». من ناحية أخرى، يرى البحيرى أن ثمة مشكلة كبيرة فى الخامات التى يرتفع ثمنها جدا فى مصر ولا توجد منها تشكيلة متنوعة تساعد المصمم فى عمله، الأمر الذى يضطره كثيرا للسفر إلى الدول العربية والأجنبية لشراء احتياجاته. وما يزيد الأمر سوءًا هو أن السيدات أنفسهن قد لا يدركن ذلك، كما يقول سوشا: «تأتى لى بعض الزبائن وتهمس فى أذنى أن أنزل أشوف الأقمشة بوكالة البلح، دى تحفة على حد تعبيرهن ولكنها فعلا تحفة بس لعمل ستارة مش لعمل فستان أنيق لسيدة». ويستكمل سوشا أن هناك أيضا مشكلة أخرى قد تقتل إبداع المصمم ألا وهى خوف السيدات من الجديد، فمعظمهن يفضلن التقليد «شافت فستان يعجبها وتريد مثله، هى لا تدرى كم أصاب بالإحباط، فما لزوم الدراسة التى أفنيت فيها عمرى!». فى حين يشعر هشام أبو العلا بأن نقص التمويل وعدم وجود رعاة قادرين على تبنى المواهب هو الذى يهدد مستقبل الصناعة، فهناك رعاة للموضة اللبنانية وعروض مستمرة وتواجد دائم على الساحات العالمية وذلك هو سر الطفرة التى حققتها بيروت أخيرًا.