فى محاولة للرد على إعادة نشر كتاب «المعلم يعقوب.. بين الحقيقة والأسطورة» للدكتور أحمد حسين الصاوى ضمن سلسلة «ذاكرة الوطن» بالهيئة العامة لقصور الثقافة، والذى أثار الكثير من الجدل حول شخصية المعلم يعقوب بعدما قدمه باعتباره خائنا لوطنه لصالح الفرنسيين، نشرت عدة مواقع إليكترونية تابعة لأقباط المهجر ومنتديات ومواقع قبطية أخرى، كتاب لجنة التاريخ القبطى «الجنرال يعقوب واستقلال مصر»، والذى صدر عام 1935، فتحول الأمر إلى جدل طائفى مجانى حول شخصية جدلية مثل المعلم يعقوب، الذى تعاون مع المماليك ثم انقلب عليهم، وتعاون مع الحملة الفرنسية ثم طالبهم باستقلال مصر عبر مشروعه الذى يكذبه البعض ويعتبره خدعة منه، ومن معاونيه. وبنشر الكتاب على المواقع الإليكترونية، ووجود نية لإعادة نشره ورقيا، ازداد الجدل أكثر، وهو الجدل الذى لم يهدأ منذ وفاة المعلم يعقوب عام 1801، بدليل أنه كل عدة سنوات يثار الموضوع بقراءات مختلفة؛ حيث يقرأه البعض قراءة طائفية، والبعض الآخر قراءة ثقافية، ويقدم فريق ثالث قراءة تاريخية، لتخرج من هذه القراءات الثلاث تأكيدات تتنافى مع روح العلم والموضوعية، ولا تصلح مع شخصية مثيرة للجدل مثل المعلم يعقوب، ولا يستطيع أحد التأكيد على خيانته أو وطنيته، وإنما يظل فى منطقة «البين بين»، فهو خائن لأنه كان من الفرنسيين، ووطنى لأنه كان ضد العثمانيين. فى تبريرها لنشر الكتاب، قال موقع الأقباط متحدون إن «التقديم الذى كتبه الأستاذ أسامة عفيفى رئيس تحرير سلسلة «ذاكرة الوطن» لم يتضمن أسبابا مقنعة لإعادة إصدار الكتاب، وفى هذا الوقت بالذات، سوى أن «الدكتور الصاوى لم يستطع أن ينشره بعد تأليفه، وطبع طبعة محدودة نفدت فى حينها، وأعاد الراحل الكبير رجاء النقاش الاعتبار للكاتب وكتابه عندما اعتمد عليه فى تفنيد رأى لويس عوض عن المعلم يعقوب»، مؤكدا أنه موضوع تاريخى وأنه كان يجب على ناشرى الكتاب الأخذ بآراء أساتذة التاريخ، وأضاف الموقع: «مع كل احترامنا للدكتور الصاوى فهو ليس أستاذ تاريخ، ولكنه من رجال الإعلام، ولذا كان من الواجب عليه أن يفند آراء أساتذة التاريخ، مثل رأى الدكتور محمد شفيق غربال الذى أثبت بدراسة تاريخية أكاديمية وطنية المعلم يعقوب، وليس رأى الدكتور لويس عوض الذى تناول الموضوع من نظرة ثقافية أكثر منها تاريخية». ومن ناحيتا، فإننا نؤكد أنه من غير المناسب الدفاع عن يعقوب باعتباره ممثلا لأقباط مصر، أو اعتبار كلام الصاوى هجوما على الكنيسة والأقباط، وإثارة جو من الجدل الطائفى المجانى الذى نحن فى غنى عنه. كما أنه لا يستقيم أن يطالب أحد بمصادرة كتاب لمجرد أنه عرض وجهة نظر تخالف وجهة نظره. ويحتوى الكتاب المعاد نشره على 84 صفحة من القطع المتوسط، تتناول قصة المعلم يعقوب وتاريخه حيث يتتبع شخصية يعقوب الكاتب ثم الفارس ثم المعلم، وبعد ذلك يتناول أعماله الحربية أولا مع المماليك ثم مع الحملة الفرنسية والفيلق القبطى. والسؤال الذى يطرح نفسه: لماذا قامت هذه الجهات القبطية بنشر كتاب لجنة التاريخ القبطى دون غيره من الكتب، وهى كثيرة؟ الإجابة تتضح حينما نعرف تاريخ لجنة التاريخ القبطى التى اشتهرت بأنها لجنة موضوعية نشأت فى مناخ تنويرى مصرى كان يقبل الانتقادات بصدر رحب، ورغم أن هذه اللجنة كانت كنسية رسمية أنشأها البابا كيرلس، فإنها كانت تنشر أبحاثا تعارض التاريخ الرسمى للكنيسة أو معتقدات الأقباط، وبذلك يكون الاستناد إليها فى موضوع جدلى مثل الجنرال يعقوب أمرا مهما وموضوعيا. شخصيات زمن الضعف يؤكد كمال زاخر المفكر القبطى ومؤسس تيار الأقباط العلمانيين، أن الكتاب الجديد يسهل تداوله عبر الإنترنت؛ لأنه صغير وتاريخى، ويضم فى الجزء الأكبر منه مشروع المعلم يعقوب لاستقلال مصر، الذى قدمه إلى فرنسا، فضلا عن نشر وثائق تاريخية محفوظة فى وزارتى الخارجية الفرنسية والإنجليزية تؤيد ذلك، وبهذا يوضح الكتاب ويرد على ما أثاره كتاب الصاوى، فيؤكد دور يعقوب الوطنى كأول مصرى يقدم مشروعا لاستقلال مصر من أى أحتلال أجنبى. وهو ما يختلف معه الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، قائلا: إن موضوع المعلم يعقوب أخذ حجما كبيرا من تفكيرنا، ولو نظرنا فى المؤلفات القبطية وغيرها التى ظهرت فى القرن التاسع عشر فسنجد أنها تظهر المعلم يعقوب على عكس ما نردده الآن من أنه بطل قبطى، فالكنيسة المصرية كانت ضده لعدة أسباب منها زواجه غير الشرعى، وإهانته الكنيسة ودخوله بحصانه إلى حصن الكنيسة، كما أن الأقباط يرونه مثالا سيئا ولا يمثلهم مطلقا»، لافتا إلى أنه ستصدر قريبا كتاب: «الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس» للمؤرخ الكبير محمد شفيق غربال، ضمن سلسلة تعنى بإعادة قراءة التاريخ المصرى، مع تقديم دراسة مستفيضة حول أهم ما نشر عن المعلم يعقوب قديما وحديثا، وتوضيح الجدل المثار حوله. وأوضح عفيفى أن الدفاع عن المعلم يعقوب يجئ فى زمن الضعف، والبحث عن شخصيات وهمية، ولو أحب الأقباط اختيار شخصيات وطنية عاشت المرحلة نفسها لاختاروا الأخوين إبراهيم وجرجس جوهرى، مؤكدا أن الأخير أصر على عدم مشاركة الحملة الفرنسية، وبذلك أصبح شخصية وطنية بدليل أن الكنيسة القبطية أقامت له ولأخيه إبراهيم «مزارا» بكنائس مصر القديمة. ولكن مع ازدياد والكلام لا يزال لمحمد عفيفى النعرة الطائفية الحالية أصبحنا نبحث عن شخصيات هلامية وننعتها بأنها شخصيات وطنية. خطأ فى القراءة «من الخطأ قراءة التاريخ قراءة دينية» هكذا رأى كمال زاخر الأمر، مشيرا إلى أنه لا يجب مناقشة قضية المعلم يعقوب من منطلق ديانته، لأنها مسألة تخصه وحده، مشددا على أن مسألة «مسلم ومسيحى» لم تكن مطروحة أيامه، كما أن القراءة الدينية للتاريخ تتنافى مع مطالبتنا بتأسيس دولة مدنية. وبعيدا عن ديانة المعلم يعقوب سأل زاخر: ما الذى دفع المعلم يعقوب للتعاون مع الحملة الفرنسية، وبتعاونه هذا كان ضد من؟.. ضد مصر أم ضد الاحتلال العثمانى؟.. وإذا كان ضد الاحتلال العثمانى فما ذنبه؟.. وهل كان المطلوب منه أن يكون مع الاحتلال العثمانى؟.. وإذا كان المعلم يعقوب خائنا.. فماذا يمكن أن نطلق على مصطفى كامل الذى أراد أن يحارب الاحتلال البريطانى، ويؤسس دولة إسلامية تحت راية الحكم العثمانى؟ وزاخر يجيب على تساؤلاته قائلا: لا يجب أن نطلق أحكاما عامة ونحاول تعميمها على القضايا المثارة، فلا يمكن أن نحكم على أفعال مصطفى كامل أو الجنرال يعقوب بمنطق الألفية الثالثة وعقليتها، خصوصا بعدما تبلورت فكرة الأوطان والهوية الوطنية، ووضعت فروق جوهرية بين الاستعمار والاحتلال، والمصالح العالمية. وقال: «إذا خيرنا بين الحملة الفرنسية والاحتلال العثمانى، وأرجو ألا يفهمنى الناس خطأ فسيكون الاختيار منحازا إلى الحملة الفرنسية لعدة أسباب منها أن الحملة الفرنسية كانت حملة لقطع الطريق أمام بريطانيا، وليس احتلالا كالاحتلال العثمانى أو البريطانى، كما أن الحكم الفرنسى مفيد لتقدم مصر ونهضتها العلمية عن العثمانيين الذى كانوا معروفين بالجهل والقسوة».