فتح الحادث الإرهابي في رفح والذي استشهد فيه 16 جنديا مصريا على الحدود الحديث عن علاقة الجهاديين والتكفيريين في سيناء بالجماعات الجهادية الموجودة في قطاع غزة ورفح الفلسطينية ودورهم في الأحداث الأخيرة. وعلى الرغم من نفي الجماعات السلفية الجهادية أي علاقة لها بالأحداث الأخيرة، وتأكيدها ان هدفها هو محاربة إسرائيل، إلا أن شرطة حماس بدأت حملة اعتقالات للعدد من قيادات هذه الجماعات، وهو ما أكدته قيادات في حركة حماس والجماعات الجهادية ل"الشروق"، التي حققت من قطاع غزة في علاقة التنظيمات المتشددة بحادث رفح، الذي تحقق فيه حماس، بالتعاون مع جهات سيادية مصرية، انطلاقا من فرضيات ثلاث لا تستبعد فيها الحركة الدور الإسرائيلي سواء كان مباشرا أو غير مباشر.
حماس و"السلفية الجهادية"
ويؤكد الدكتور عطالله أبو السبح وزير شئون الأسرى والمحررين في حكومة حماس، أن العمل الإرهابي في سيناء أدى إلى بدء تنسيق أمني عالي المستوى مع مصر، حيث يزور غزة، هذه الأيام، وفد عال المستوى من مصر لترتيب كيفية حماية الأمن القومي المصري وكذلك حماية فلسطين، إلا أنه رفض الإفصاح عن تفاصيل التعاون الأمني المشترك بين مصر وغزة.
فيما أكد قيادي في الجماعات السلفية الجهادية بغزة، عرف نفسه ل"الشروق" باسم "عبد الحميد"، وهو في الثلاثينيات من عمره، "أن أجهزة أمن حماس شنت حملة اعتقالات لسلفيين في القطاع بناء على طلب مصري"، مشيرا إلى أن الأمن الداخلي التابع لحماس اعتقل "أبو صهيب رشوان"، وهو أحد القياديين المعروفين، للتحقيق معه بطلب مصري، على الرغم من أنه مكث مدة طويلة في المستشفى يتلقى العلاج من جراح خطرة، أصيب بها في قصف إسرائيلي منذ عدة أشهر بمدينة رفح جنوب القطاع، وخرج قبل يومين، وفق عبد الحميد، الذي أضاف "قبضوا عليه إرضاء للمصريين ولأنه يختلف أيديولوجيا معهم".
وكشف ايضا عن وصول ضباط مصريين مؤخرا إلى قطاع غزة للتعاون الأمني مع حكومة حماس، وحضور التحقيقات المتعلقة بحادث سيناء، وأضاف "غالبا ما يتردد ضباط مصريون على القطاع بشكل علني، أو بشكل خفي".
كان عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار قال في وقت سابق إن "المخابرات المصرية أعطتنا اسمي شخصين أحدهما يعالج في قطاع غزة، بينما تم التوصل إلى هوية الشخص الثاني ومنطقة سكنه، إنها مجرد استفسارات لا أكثر، ومن الممكن أن يكونا بريئين".
وقالت حماس إنها ستقدم كل المعلومات المتوفرة في هذا السياق، لخدمة أمن مصر، نافية تورط القطاع في عملية قتل الجنود المصريين.
ويعلق الشيخ عبد الحميد على هذا التعاون قائلا "ليس معنى ان المصريين وجدوا مخططين فلسطينيين للعملية أو مشاركين فيه، أنهم من التيارات الجهادية أو أن كل الفلسطينيين متهمين في العملية، هناك عملاء مصريون وعملاء فلسطينيون يعملون داخل تل أبيب، ويدفعون أموالا لعملائهم التابعين لهم داخل مصر وفلسطين للقيام بمثل هذه العملية".
وأضاف "نرفض اتهام المصريين لتيارات سلفية جهادية من غزة بالمشاركة في عملية رفح، أو القول أن بعض الفلسطينيين كانوا في العملية"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الكثيرين لهم مصالح من هذه العملية مثل إسرائيل، فضلا عن دول معارضة لغزة، مؤكدا أن هدف التيارات الجهادية في غزة حاليا هو محاربة إسرائيل وليس الجيش المصري.
من جهته، قال محمد شهيد مسئول في اللجنة الأمنية بقطاع غزة "التيارات السلفية الجهادية كلها خاضعة لمراقبة وإشراف حركة حماس، وبعضهم من المتطرفين وعلينا مراقبتهم، والبعض الآخر من المطلوبين لذا علينا اعتقاله لتطرفه في الفكر".
ويوضح شهيد أن "بعض المتطرفين الموجودين في غزة يكفرون كل أعضاء حركة حماس، لدخولهم الانتخابات في 2006 ويرون أنها مبدلة لشرع الله وأن الخروج عليها بالسلاح واجب وفرض، ويؤمنون أن الديمقراطية فتنة العصر، تكرس ألوهية المخلوق وحاكميته"، مؤكدا أن كل هذه الأفكار يجب محاربتها.
تهدئة اللعب مع إسرائيل ويقول الدكتور عطا الله أبو السبح "نحن نحاول تهدئة اللعب مع إسرائيل حتى لا ننجر إلى حرب جديدة .. مرابطينا موجودون في كل مكان على الحدود مع إسرائيل، ونحن حاليا نحاول تنمية القطاع وحتى يشعر المواطن بتحسن في معيشته"، تأكيد أبو السبح يأتي بعد يومين من إطلاق صاروخين على إسرائيل من غزة.
في المقابل يقول الشيخ عبدالحميد "عملنا في غزة غير مرتبط بالرد لكن مرتبط برد الحق لأهله، من خلال تحرير الأرض المحتلة من قبل الصهاينة"، مشيرا إلى أن إسرائيل "عندما تضرب أهدافا في غزة لا يكون هدفها الرد على صواريخنا بقدر ما يكون هدفها إرهاب الناس في قطاع غزة".
فصائل مسلحة في مواجهة حماس وإسرائيل ويكشف القيادي الجهادي الفلسطيني أبو عبدالله ل"الشروق"، عن أنهم سيعلنون قريبا عن تنظيم مسلح للتيارات السلفية الجهادية قائلا "ستكون قواتنا مناهضة لكتائب القسام، التابعة لحماس، وستكون متطورة بقوة، ولكن أهدافنا ستكون ضد إسرائيل، نحن هدفنا إيجاد مكان آمن يعيش فيه الفلسطينيون".
كما يكشف أبو عبدالله عن وجود علاقات مع التيارات السلفية الجهادية في مصر قائلا، "كل التيارات السلفية الموجودة في العالم تتواصل مع بعضها البعض بطريقة معينة لا نفصح عنها، وهناك مصالح مع هذه التيارات، ومن الممكن أن يشارك في قتالنا ضد الإسرائيليين جهاديون مصريون".
3 فرضيات لا تستبعد تورط تل أبيب في حادث رفح
الأجهزة الأمنية في حماس بدأت تحقياتها في أحداث سيناء انطلاقا من 3 فرضيات، لا تستبعد جميعا تورط أن إسرائيل في العملية، وهو ما يوضحه قيادي حماس الدكتور عطالله أبو السبح قائلا، "أول هذه الفرضيات أن يكون من نفذ العملية هم المستعربون اليهود، وهم يهود في الأصل ويتحدثون اللغة العربية والذين طالما نفذوا مثل هذه العمليات على الارض العربية المحتلة، أما الفرضية الثانية هي أن مجموعة من الجواسيس قد نفذوا العملية، أم الاحتمال الثالث أن يكون من فعل ذلك من العرب لكنهم مخترقون من الأجهزة الإسرائيلية سواء كان الموساد أو الشاباك".
وحول أهداف العملية من وجهة نظر حماس يقول أبو السبح، "أولها إجهاض الثورة المصرية، وإظهار أن النظام المصري الجديد نظام عاجز لا يستطيع حماية الوطن، ليثور الشعب المصري في وجه النظام الحالي، بالإضافة إلى إعطاء مبرر للصهاينة لإحداث وقيعة بين غزة ومصر، خاصة أنه كان هناك لغط كبير يسوقه الإعلام الإسرائيلي والمصري، بأن هناك متسللين من غزة أو القاعدة أو طالبان إلى مصر للقيام بالعملية، وضرب العلاقة المصرية الفلسطينية في مقتل، كما أن هناك هدف ثالث هو إظهار الجيش المصري بمظهر العاجز وبالتالي إسقاط هيبته أمام الشعب، لكن الحمد لله خاب هدفهم في كل هذا، كما خاب أمل الإرهابيين والعملاء في المنطقة".
ويحمل أبو السبح النظام السابق مسئولية حادث رفح الإرهابي،"النظام السابق أضر بمصر وغزة كثيرا، خاصة عندما ترك سيناء خالية من الأمن والجيش، فعاث بها المجرمون وتجار المخدرات وتجار السلاح، كما أنه ضرب اقتصاد شمال سيناء عندما لم يستغلها، بالرغم من أن فيها كنوز وثروة سياحية كبيرة".
الأنفاق للجميع
في زيارة "الشروق" للأنفاق في رفح الفلسطينية، كشفت عن وجود المئات منها في أماكن مكشوفة ومعروفة للجميع، وتبين أنها تعمل ولم تغلق كما صرحت حكومة حماس بعد عملية رفح مباشرة، ورغم فتح المعابر إلا أنه كان هناك تشديد أمني على من يدخل مناطق الأنفاق، فالممنوعون من السفر إلى مصر والمطلوبون أمنيا يدخلون مصر عبر هذه الأنفاق.
والتقت "الشروق" شابا من الإسلامين ممنوع أمنيا من السفر إلى مصر، لمدة 5 سنوات، ويعمل في لجنة أمنية تابعة لحكومة حماس وقال "أنا ممنوع من السفر مما يضطرني إلى استخدام الأنفاق، وبالرغم من أنني كنت أكره النظام السابق في مصر، الذي منعني وأكره الأمن المصري لكنني لم أفكر أبدا في أن أقوم بعمل إجرامي ضد الجنود، لأنهم على الأقل ليست لهم علاقة بمنعي من السفر".
خريطة التيارات السلفية .. من الدعوية إلى الجهاديين من أبرز التيارات السلفية الجهادية في قطاع غزة جماعة "التوحيد والجهاد"، وجماعة "أنصار السنة"، و"جيش الأمة"، وجماعة "جند أنصار الله"، وبرزت الجماعات السلفية في فلسطين بعد منتصف الثمانيات عبر طلاب تلقوا تعليمهم في الخليج، وعادوا لنشر الدعوة، التي وصفوها بأنها تمثل الإسلام الصحيح.
غير أن دعوتهم ظلت حبيسة المساجد، ولم تنتشر أو تكتسب شعبية كبيرة، حتى اختار غالبية رواد المساجد الانضمام إلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
ويمكن القول أن السلفية "الدعوية" ظلت محاصرة وضعيفة، حتى بدأت تتحول إلى سلفية "جهادية"، وساعد على ذلك، أن تنظيم "القاعدة"، أخذ يشد البعض، في الوقت الذي كانت فيه حماس تتحول، من وجهة نظرهم، من حركة مقاومة دينية إلى ما يشبه الحزب السياسي.
ومع ضعف السلطة الفلسطينية، ودخولها في مواجهة مسلحة مع حماس في أواسط 2006، راحت جماعات لا تؤمن بنهج الحركة تتحول إلى السلفية الجهادية مستغلة حالة المواجهة بين حماس والسلطة.