فى بداية التسعينيات، فاجأت إليزابيث تايلور الجميع، بوقوفها أعلى سلم مدخل مستشفى، وهى صلعاء تماما، تبتسم ابتسامة عريضة، مشرقة، نابعة من القلب، يمتزج فيها البشر مع الشقاوة. لم تكن اللقطة ضمن فيلم سينمائى ولكن واقعية، حقيقية، ذلك أنها اصيبت بأورام، وبعد تدخل جراحى استكملت شفاءها بعلاج كيميائى، يسبب تساقط شعرها، وبشجاعة قررت أن تظهر صورتها على هذا النحو، لتقوى عزيمة ملايين النساء، اللاتى فى مثل وضعها، وتشجعهن على مواجهة الحياة، من دون شعر. شفيت إليزابيث من الأورام، واعتبرت نفسها محاربة ضد مرض الإيدز الذى كان يفتك بالآلاف، خاصة فى أفريقيا، القارة التعيسة، فبدأت حملتها الواسعة من أجل إنشاء مراكز للعلاج والأبحاث، وبجاذبيتها، وثقافتها العريضة، جمعت الكثير من الأموال لتحقيق مشروعها. وفى تجمع كبير للأثرياء ورجال الأعمال بلندن، لمست شغاف القلوب حين تحدثت لهم قائلة «اليوم أقف أمامكم ليس بصفتى ممثلة على الشاشة، ولكن بوصفى ممثلة لكل المرضى الذين يتعذبون من آلام الإيدز.. كل الأطفال الذين يموتون فى الدول الفقيرة.. فأنا صوت الأنين الذى يخرج من كل مريض، وزفرات الآهات التى لا تصل لمسامعكم، من الأمهات المنسيات فى الضواحى.. وتمكنت إليزابيث من إقامة مستشفى كبير، فى الكونغو، ومراكز طبية فى العديد من البلدان.. إنه جانب إنسانى نبيل، لا يمكن إغفاله فى حياة من أطلق عليها قطة هوليوود المدللة». إليزابيث تايلور «1932 2011» ولدت فى بريطانيا، هاجرت مع والديها إلى أمريكا وهى فى السادسة من عمرها، ولم يكن من الممكن أن تغفلها عيون هوليوود المنتبهة، فالتقطتها، طفلة، لتقدمها فى «شخص يولد كل لحظة لهارولد يونج 1945» ثم «لوسى تأتى للبيت» لفريد ويكوكس 1943، و«جين اير» لروبرت ستيفنس 1943، وسرعان ما ودعت الطفولة، لتغدو فتاة ناضجة، فنيا ونفسيا وثقافيا وجسمانيا، وأتيحت لها الوقوف أمام كبار الممثلين: مونتجمرى كليفت فى «مكان تحت الشمس» 1951. روبرت تايلور فى «إيفانهو» 1952. بول نيومان فى «قطة على سطح صفيح ساخن» 1958، وفى العام 1966، التقت ريتشارد بيرتون فى «من يخاف فرجينيا وولف» الذى أخرجه مايك نيكولس».. ومرة أخرى يقف أمامها بيرتون ممثلا، وخلفها مخرجا أيضا، فى «الدكتور فوستس» 1967 المأخوذ عن مسرحية «مأسأة الدكور فوستس» لكريستوفر مارلو.. وما بين الفيلمين يقدمان سويا، أشهر وأنجح أفلامهما: «كليوابترا» لجورج مانكوفيش 1966، وبصرف النظر عن الأخطاء التفصيلية المتعددة فى الفيلم، فإن إليزابيث، بقدراتها تمكنت من تجسيد عشرات الانفعالات المتغيرة مع الحفاظ على الإحساس بكرامة وكبرياء ملكة.. ذلك أنها من النوع النادر الذى يستطيع أن يكون أى كائن يريده، فهى الصاخبة، العدوانية، المشاكسة، فى «ترويض النمرة» لجورج سيدنى 1952، والزوجة المتعطشة للحب والحنان فى «قطة على سطح صفيح ساخن».. لم تنجح إليزابيث فى أفلامها السبعين، بضربة حظ، لكن بموهبتها، وجديتها، وأخذها لفنها مأخذ الجد.. وغادرت الدنيا، وسط أبنائها وأحفادها بهدوء، بعد أن أنجزت، إنسانيا، ما يستحق التقدير.. فكما يقول أكبر أولادها «عاشت حياتها بشغف وشجاعة».