محافظ الإسماعيلية يعتمد درجات تنسيق القبول في المدارس الثانوية    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    محافظ المنيا يعلن استمرار التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء    أهالي قرية غرب سهيل يستوقفون وزير النقل ومحافظ أسوان ويطالبون بنقل الشكر للرئيس السيسى    محافظ المنوفية يفتتح مدرسة التمريض الجديدة في أشمون    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الإثنين    «التضامن» تدعم صندوق استثمار شفاء الأورمان الخيري ب25 مليون جنيه    صوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 382 ألف طن منذ بدء الموسم    يسري المغازي: مصر عامل رئيس لنصرة القضية الفلسطينية ولا تتوانى عن دورها الداعم    الاحتلال يعتقل 30 فلسطينيًا من الضفة الغربية وحصيلة الاعتقالات 9155 منذ 7 أكتوبر    «بيسكوف»: روسيا لا تتدخل في شئون الدول الأخرى خلافا للافتراءات الغربية    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    الجيش الروسي يحرر بلدة في دونيتسك    الزمالك يرفض صفقات القسم الثاني    beIN SPORTS تقدم تغطية استثنائية لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2024    سيدات مصر لسلاح سيف المبارزة يتوجن بذهبية بطولة إفريقيا للفرق    مصطفى عسل يتقدم للمركز الثاني في التصنيف العالمي للإسكواش    محافظ الفيوم يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 78,16 %    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    بعد«صفعة الهضبة»..مشاهير حاولوا استغلال الأزمة    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    "كابوس".. لميس الحديدي تكشف عن كواليس رحلتها مع مرض السرطان.. لماذا أخفت هذه المعلومة عِقدًا كاملًا؟    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    مروة أنور بعد تعرضها لحادث مروع: انكتبلي عمر جديد    الذكرى ال90.. لميلاد "زهرة العلا "جميلة جميلات السينما المصرية    متى تبدأ التكبيرات في عيد الأضحى وما صيغتها؟.. «الأوقاف» توضح التفاصيل    رئيس جامعة طنطا يفتتح مستشفى الكلى الجديد    محافظ أسيوط يشيد بتنظيم القافلة الطبية المجانية للرمد بقرية منقباد    الدهشوري: استعدادات مكثفة في مستشفيات جامعة أسوان خلال عيد الأضحى    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    وزيرة الهجرة تبحث مع الرئيس التنفيذي للغرفة الألمانية العربية للتجارة والصناعة سبل التعاون المشترك    «الصناعات» يطالب الضرائب بتوعية أصحاب المشروعات الصغيرة للانضمام للاقتصاد الرسمي    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    أسترازينيكا مصر ومشاركة فعالة في المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي Africa Health Excon بنسخته الثالثة    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    أبو الوفا: اقتربنا من إنهاء أزمة مستحقات فيتوريا    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    «الصحة»: خدمات كشف وعلاج ل10 آلاف حاج مصري من خلال 24 عيادة في مكة والمدينة    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدن الصابون
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 08 - 2012

نلعن قذارة شوارعنا وساعات انقطاع الكهرباء وكأننا غير مسئولين عنها، ونصب جام غضبنا على كل ما يأتينا من الجيرة الفلسطينية، ثم ننتحب عاجزين أمام شاشات التليفزيون لما يحدث فى سوريا.. ونشعر كأننا فى حاجة إلى أطنان من الصابون لغسل عارنا وهمومنا.. فأتذكر ما تحمله قصة صناعة الصابون فى بلاد الشام من تاريخ مشترك، وكأن فقاقيع الصابون البلدى الذى اشتهرت به مدن مثل نابلس وحلب وطرابلس تحمل روايات زمن مضى وانقضى عندما كنا السوق الأولى للصابون النابلسى الشهير الذى اختفى من عندنا بفعل عوامل التعرية والسياسة، فالصابون أيضا عرف بما يسمى بالنكبة.

•••

ظهرت مدن عربية يجوز تسميتها بمدن الصابون لأنها اكتسبت شهرتها وهويتها من صناعة الصابون البلدى عبر زيت الزيتون الموجود فى أراضيها، مزجه الفلسطينيون بجذور نبتة القلى البرية، والسوريون بعشبة الشنان وزيت الغار فذاع صيتهما، وقامت على المصابن مدن كحلب «الشهباء» ونابلس أو «دمشق الصغرى» وجبلها الذى أطلق عليه «جبل النار». كان القرن التاسع عشر هو عصرهما الذهبى تحت الحكم العثمانى حينما شكلت هذه المنطقة وحدة جغرافية واحدة شملت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وعرفت باسم بلاد الشام، ونقل عنهم الصليبيون طريقة صنع الصابون ونشروها فى أوروبا خاصة فى مدينة مارسيليا الفرنسية التى مازالت تعرف به حتى الآن. واختلط تاريخ الصابون بالسياسة، فالمصابن فى مثل هذه المدن كانت رمز القوة والثراء والسلطان.. العائلات الكبرى سعت إلى السيطرة على المصابن وعلى مقاليد الأمور منذ القرن الرابع عشر تقريبا. وكان أول ما يسعى إليه طالب السلطة والوجاهة الاجتماعية هو الانضام لنادى ملاك المصابن، فبرزت أسماء بعض العائلات مثل النمر وطوقان والنابلسى والشكعة، حتى أن 13 عضوا من مجلس شورى مدينة نابلس كانوا من تجار الصابون وملاك المصابن فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وذلك لموالاتهم للسلطات المصرية التى سيطرت على الحكم آنذاك (1831 1840).

ويحكى أيضا أنه عندما وصل ابراهيم باشا، ابن محمد على وقائد جيشه، إلى نابلس انقسم السكان بين مؤيدين ومعارضين، وحاول أحد ملاك المصابن من عائلة (جرار) اغتياله بأن يدبر له حادث أثناء زيارته لمصبنته الخاصة فيقع إبراهيم باشا فى «قِدرة» الصابون المغلى، لكن المحاولة باءت بالفشل وتمت مصادرة المصبنة واشترتها عائلة جديدة برز اسمها لموالتها للمصريين، وهى عائلة عبدالهادى. أما فى غضون عام 1920 حاول الحاج نمر النابلسى والحاج أحمد الشكعة كسر احتكار العائلات الكبرى لصناعة الصابون والتصدى لمطالب العمال برفع الأجور، خاصة فى ظل نقص الأيدى العاملة فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وانخراط عمال المصابن فى الجيش التركى، فاستجلبا بعض الصناع المصريين من أشهرهم الحاج فهمى المصرى الذى لقب طويلا ب «عم الصنعة»، ولا يزال أولاده وأحفاده فى نابلس، أكبر مدن الضفة الغربية (إذ يبلغ تعدادها 134 ألف نسمة).

•••

دهاليز البلدة القديمة وطرقاتها الملتوية تمتلئ بالحكايات.. تشهد مساجدها ومصابنها على تدهور صناعة الصابون قرابة عام 1936، إذ سبقت نكبة الصابون نكبة فلسطين، نظرا لتغيرات فى النظام الضريبى بمصر وسوريا، والتطورات السياسية تحت الانتداب البريطانى، والتقليد التجارى للماركات الشهيرة.

لكن ظلت المصابن أماكن للتجمع ودعم اتخاذ القرار، فيحكى مثلا أن قرار المشاركة فى إضراب عام 1936 اتخذ أثناء لقاء بالقاعة المرفقة بمصبنة الشكعة والتى تسمى بالديوانية. ومع الانتفاضة الأولى، أصبحت البلدة القديمة بأحيائها الستة هدفا للهجمات الإسرائيلية، وأغلقت العديد من المصابن أبوابها منذ التسعينات، ثم زادت الانتفاضة الثانية الطين بلة سنة 2000، وأصبحت نابلس تعانى من حصار اقتصادى مستمر باعتبارها رئة الضفة الغربية، كما نالت المصابن نصيبها من الدمار فى أعقاب هجمات إسرائيل عام 2002 فتم تدمير مصبنتين بالكامل. ربما ساهم كل ذلك بشكل أو بآخر فى إنعاش سوق الصابون الحلبى خلال العشرين سنة الماضية، فأصبح يصدر إلى أوروبا وأمريكا واليابان بوصفه سلعة فاخرة.

•••

أزقة حلب ومبانيها على الطرازين المملوكى والعثمانى تستمر فى حفظ سر صنعة صابون الغار وزيت الزيتون أبا عن جد، فالمدينة التجارية الأشهر فى سوريا والتى تقع على بعد حوالى 50 كم من تركيا تربط شمال البلاد بجنوبها وشرقها بغربها.. ما جعل البعض يشببها فى الوضع الحالى بمدينة بنغازى أثناء الثورة الليبية، مؤكدين أن فى مقدورها أن تحسم المعركة.. لذا ستسمر فيها المذابح وحرب الشوارع إلى حين، فالثوار والجيش الحر يسعون، كما يقول البعض، لتحويلها إلى مركز للتموين والإمداد بالأسلحة والطعام والأدوية وتركيبتها السكانية المعقدة (أرمن، أكراد، آشوريين، شيعة، علويين، مسيحيين، وسنة) تأبى أن تستسلم بسهولة، كما أن مصالح البعض من أصحاب الأموال ترتبط بالنظام.

أهدانى صديق مؤخرا قطعا من الصابون الحلبى وضعت فى علبة أنيقة.. رائحته تنقلك فورا إلى شارع المصابن بحلب.. وتذكرنا بشارع يحمل الاسم نفسه فى نابلس.. فإذا كان الصابون عرف أول ما عرف فى مصر أيام الفراعنة الذين استعملوا مزيجا من الرماد والنطرون والصلصال لتنظيف الجسم فإن قصته ربطت بين مدن وشعوب، والتاريخ ليس مجرد فقاعات صابون، ولا تزال المبانى العتيقة للمصابن تقف كضحايا صامتة على الحرب ضد تاريخ المنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.