● قلت «لا» يوم الاستفتاء فى 19 مارس على التعديلات الدستورية، التى كانت تمثل خطة طريق مصر السياسى، سواء من ناحية الموضوع أو من جهة الترتيب.. أى مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية وهذا ما ترتب على الاستفتاء فيما بعد، وكنت أحد 4 ملايين قالوا لا، مقابل 14 مليونا قالوا نعم (كنا فى حالة انقسام كأسرة، أذكر ذلك فقط كى لا يفسر توجهى بغير ما يستحق أو بغير حقيقته). ● يوم أعلنت نتيجة الاستفتاء باختيار الأغلبية الموافقة على خريطة الطريق التى طرحت من قبل المجلس العسكرى المكلف بإدارة شئون البلاد، صفقت فرحا كما صفقت عائلتى كلها (الذين قالوا نعم والذين قالوا لا مع الاعتذار لصاحب هذه الجملة وهو الرئيس السادات رحمه الله). ● يوم 19 مارس كان أحد ثلاثة أيام تاريخية فى حياتى.. اليوم الأول كان 6 أكتوبر عام 1973 حين عبرت القوات المسلحة المصرية قناة السويس وخاضت حرب التحرير واسترداد الكرامة.. واليوم الثانى 25 يناير 2011 الذى انطلقت فيه شعلة الثورة المصرية، وانتهت بتأييد الشعب، وبحماية الجيش لتلك الثورة التى استرد بها الشعب المصرى أرضه ووطنه وحريته، أما يوم الاستفتاء فكان يوما خالدا من أيام العمر.. يوم لم أتوقعه أن أعيشه، وأرى 18 مليونا من أبناء الوطن يقفون فى طوابير للإدلاء بأصواتهم بإرادة سياسية حرة، غير مسلوبة من البلطجية.. فى هذا اليوم العظيم تمت أصدق وأشمل محاكمة لكل أركان النظام السابق الذى ظل يشيع طوال 30 عاما من حكمه أننا شعب لا يمارس السياسة، ولا يريدها.. وأننا شعب غارق فى لعبة كرة القدم، ومستغرق فى حكايات وفضائح وعروض الأراجوزات الفضائية.. ولا يهمنا فى الحياة سوى بطاقة التموين، ولا تعنينا بطاقة الانتخاب. ● عشنا سنوات طويلة من التزوير الفج، ومارسوا علينا كل أشكال التضليل والضلال السياسى، لكننا فى يوم 19 مارس خرجنا نحن أبناء مصر ندلى بأصواتنا فى قضية سياسية وطنية بمنتهى الفخر والشعور بالعزة.. ومارس الشعب فى هذا اليوم الديمقراطية الحقيقية لأول مرة. ● منذ أسابيع نحن فى حالة جدلية، أيهما أولا.. الدستور أم الانتخابات التشريعية، أم الانتخابات السياسية.. وأتعجب من تلك الحالة، فلماذا كان الاستفتاء إذن.. ولماذا لا نحترم رأى وقرار واختيار الأغلبية حتى لو كان ذلك من وجهة نظر أساتذة القانون وخبراء السياسة خطأ..؟ أليست أصول وقواعد الديمقراطية التى يتشدق بها الجميع هى احترام الأقلية لرأى الأغلبية..؟ كيف يريد بنا الذين يرفضون خريطة الطريق ونتيجة الاستفتاء الذى جرى فى يوم عظيم أن نكون «كما كنت».. ونبدأ من الصفر مرة أخرى؟ ● أكرر أنى من الذين قالوا لا يوم الاستفتاء، يعنى كنت من الأقلية، وكانت أسبابى هى أسباب الملايين الأربعة تقريبا، فكيف تجرى انتخابات تشريعية ورئاسية قبل دستور يحكم قواعد اللعبة السياسية.. كيف مثلا تجرى انتخابات برلمانية ثم يأتى الدستور رافضا لمجلس الشورى أو لنسبة العمال والفلاحين (بالمناسبة بدأت بعض دوائر النخبة تناقش تعريف العامل والفلاح، وكنت أظن أننا انتهينا من هذا التعريف أيام الرئيس السادات). ● قلت لا لكنى احترمت رأى الأغلبية، ولو كان مخالفا لرأيى أو للمنطق.. وأى إخلال بمبدأ الديمقراطية تحت عنوان: «إنهم لا يعرفون، أو لا يفهمون، ولا يدرون».. أى إخلال هو جريمة فى حق الديمقراطية، لأن معنى ذلك أنه فى المستقبل حين تسفر انتخابات تشريعية أو رئاسية لا يتفق عليها الجميع (وهو المستحيل) فسوف يهدد الذين خسروا فى الاختيار بمليونيات فى ميدان التحرير.. وهذا اغتيال للديمقراطية، أحذر منه، وأخشى على بلدى منهم، من هؤلاء الذين يخسرون مستقبلا معاركهم السياسية. ●أنتهى بأن تاريخ ثورة 25 يناير 2011 لم يكتب بعد.. التاريخ الحقيقى بما فيه من تأريخ، وتسجيل للمواقف.. وسوف تكشف ذاكرة الثورة فى المستقبل الدور الوطنى والحاسم للقوات المسلحة المصرية فى أوقات الاختيار واتخاذ القرار.. سوف يذكر التاريخ كيف كان موقف هؤلاء الرجال عظيما فى حماية شعب مصر، حماية ثوار الثورة.. سوف يأتى هذا اليوم حتما.. فالحقيقة مهما طال الزمن لا تموت أبدا.