يبحر عبدالله رضوان فى مؤلفه الجديد «الآخر فى شعر محمود درويش» عبر دراسة استقصائية لمجمل التجربة الشعرية للشاعر الراحل خلال 43 عاما، لاستكشاف أشكال وصيغ الآخر فى قصائده، وخاصة المرأة والوطن. ويرى رضوان فى مؤلفه المكون من 138 صفحة من القطع الصغير والصادر عن دار الخليج بعمان أن المرأة شكلت «ثيمة» رئيسية فى الخطاب الشعرى للراحل درويش، حيث أمكن رصد خمسة أشكال لصيغ تجلياتها، كالمرأة الحبيبة فى «ريتا» وتحولاتها الصعبة التى تشكل شخصية إشكالية. ويشير الكاتب إلى أن حضورها تكرر فى خمس قصائد هى «ريتا والبندقية» و«ريتا أحبينى» و«تقاسيم على الماء» و«الحديقة النائمة» و«شتاء ريتا»، وهذا يبين حضورها الشعرى على مدى 25 عاما.
ومن خلال قصيدة «ريتا والبندقية» تظهر ثنائية دلالة البندقية التى تحول دون تواصل الحبيبين، لكنها لا تلغى وجود الحب، فالبندقية فى يد الحبيب أداة ثورة وتحرر موجهة ضد المحتل الذى تمثل «ريتا» أحد تجلياته اليومية، بينما البندقية فى يد المحتل أداة قهر واحتلال ضد الفلسطينى الثائر.
ووفق كتاب «الآخر فى شعر درويش»، فإن الذى يثير جدلا هو وصف درويش وجه «ريتا» الحبيبة بأنه أجمل من وجه أمه التى يحن دائما لخبزها، وهو الأغرب والأندر فى تشبيهات الشعر العربى، وغير مسبوق فى بنيته أو دلالاته.
ومن وجهة نظر رضوان، فإن شعراء الأرض المحتلة قدموا حالة من التوحد بين المرأة والوطن باعتبارهما رمزى الخصب والعطاء والسكن بالمفهوم الأنثروبولوجى، وقد كان درويش من رواد هذا التوجه فلسطينيا وعربيا.
أما فى قصيدته «حالة حصار» فهناك دعوة للتعايش وقبول الآخر على المستوى الظاهرى: «أيها الواقفون على العتبات ادخلوها/ واشربوا معنا القهوة العربية/ ذلك أن تعاملهم معنا سيحولهم لبشر قابلين للحياة»، وإذا أصبحوا كذلك فإن أول تجليات هذا الإحساس البشرى هو الخروج من الأرض المحتلة.
ووفق المؤلف، فإن درويش واصل مسيرته الشعرية فى بناء النموذج المقاوم عبر تجسيد نموذج محدد، بدءا من عبدالله فى قصيدة «آه عبدالله»، وصولا للنموذج الأرقى فى «أحمد الزعتر» و«محمد»، ويقول درويش «كان عبدالله حقلا وظهيرة يحسن العزف على الموال فاجؤوه مرة يلثم فى الموال سيفا خشبيا وضفيرة حين قالوا إن هذا اللحن لغم».